تكنولوجيا

مراجعة Assassin’s Creed Valhalla

خاص | أحمد سامي

بالفترة الأخيرة استطاعت يوبي سوفت أن تحصد لنفسها زخمًا كبيرًا واستطاعت خطف قلوب وعقول اللاعبين على مدار سنين طويلة كانت تحضر فيها لإصدار Watch Dogs: Legion و Assassin’s Creed Valhalla سويًّا، وبفارق زمني قصير جدًا.

وها نحن ذا أمام الجزء الجديد من عقيدة السفاحين، والذي تُكمل فيه الشركة رحلتها في عالم التيمبلارز المتناحرين مع السفاحين في حلقة زمنية لن تنتهي تقريبًا.

بعض الأجزاء السابقة دارت قصتها حول شخصيات محورية في حياة العقيدة، أما معظم الأجزاء فتمثل توسعة للعالم عن طريق شخصيات ساهمت في تقوية العقيدة نفسها على مرّ الزمان، وكانت بمثابة أعمدة جانبية ساعدت على تقوية المبنى، لكن ليست هي حجر الأساس. الآن نحن في عالم الأساطير النوردية، نعاصر القرن التاسع للميلاد، وتحديدًا نعاصر فترة الفايكينجز الذهبية.

مراجعة Assassin's Creed Valhalla

هناك أعمال كثيرة استطاعت توظيف الأساطير الاسكندنافية (النوردية)، لكن هذه المرة نراها تحت مظلة يوبي سوفت. إنها بالمجمل فترة مليئة بالوحشية والدموية والغارات والطموحات الاستعمارية التي لا تنتهي، فكيف ستقدم الشركة تلك الحقبة الزمنية في قالب تفاعلي بينما أعمال كثيرة بالفعل انطوت على نفس التوليفة السردية؟

القصة مثيرة فعلًا لأنه من الصعب تحديد أبعادها من البداية. فعلى عكس الألعاب الأخرى في السلسلة، القصة هنا ليست مباشرة بأي حال من الأحوال، ولا تجعل من تجربة اللعب متمحورة حولها، مما يُعطي فرصة لاستكشاف العالم أكثر، والتعمق فيه. للأسف هذا أتى على حساب بُطء القصة نفسها وحدوث فتور تام وواضح للغاية في الانتقالات بين المراحل المفصلية فيها، إلا أن هذا تم تعويضه بالجرافيك الممتاز وأسلوب اللعب الممتع جدًا.

تدور أحداث القصة هذه المرة في القرن التاسع للميلاد، في ذاك العصر كانت قبائل الفايكينج تعيش عصرها الذهبي، وكان لها صيت ذاع على مستوى العالم. وقتها شقّت سفنهم البحار شقًا، وأتت بالزاد والثروات لشعوبهم التي اتخذت من جلود الحيوانات لباسًا، ومن معادن الطبيعة رماحًا وفؤوسًا، عصر وحشي وهمجي بالتمام والكمال، شعاره الوحيد هو البقاء للأقوى، والأقوى وقتها كانوا أبطالنا بالطبع.

لكن تنكسر شوكتهم عندما نتدارك أنه في أحد الأيام غارت عليهم قوّات العدو وقتلوا فيهم مَن قتلوا، ليستكملوا رحلة الاستعمار. العدو كان كيوتفه الوحشي، رجل معدوم الضمير، والوحيد الذي استطاع مجابهة هؤلاء القوم، وبناء عليه قتل والديّ بطلانا؛ سيغورد وإيفور.

مراجعة Assassin's Creed Valhalla

في الوقت المناسب استطاع سيغورد (الأكبر عمرًا من إيفور) أن ينقذها قبل أن يقتلها جنود كيوتفه، ويهربان على ظهر حصان إلى مكانٍ بعيد. تمر السنين ويكبر الأخوان، ونراهما محاربين شديدين. إيفور أخذت على عاتقها حماية الشعب كواحدة من أبرز محارباتهم، بينما اعتمد أخوها على رحلات ما خلف البحار من أجل جمع الثروات وتكوين العلاقات التي هدفها الوحيد هو ردّ الكرامة، وأخذ الثأر من كوتفه الوحشي، ومن بعدها تصير الحياة ملكًا لهما، ولا يستطيع أحد أن يرد لهما كلمة.

لكن السؤال هنا، كيف ستستطيع البطلة تحقيق الثأر وقتل ذلك الشخص الذي يحتمي خلف مئات الجنود في حصون منيعة ومليئة بالأسلحة والقنابل؟ وكيف لكل هذا أن يتصل بشكلٍ ما بعالم عقيدة السفاحين الذي اعتدنا عليه لسنين طويلة؟ هذا ما ستعاصرونه في اللعبة، وهذا ما تراهن عليه يوبي سوفت هذا العام!هذه المرة الوضع مختلف، هنا تقدم يوبي سوفت أسلوب لعب يبدو من الخارج مشابهًا جدًا للألعاب السابقة، لكن من الداخل مختلف تمامًا، وما ميزه هو الاختلاف في الأجواء.

فمثلًا اللعبة تعتمد على القتال المباشر بالفؤوس والأسلحة الثقيلة مجملًا، أو القتال غير المباشر عن طريق استعمال القوس ورمي الأسهم من على مسافة. كل هذا يبدو تكراريًّا، فهذا هو أسلوب القتال المعهود لكن مع اختلاف الأسلحة فقط، لكن مهلًا، هذا ليس كل شيء، البيئة لها مفعول السحر هنا.

مراجعة Assassin's Creed Valhalla

تخيل أنك في الأرض الآن وحولك الأشجار المغطاة بالثلوج من كل جانب، وفجأة وجدت نفسك في أعلى جبل ضخم، وتستطيع بسهولة اصطياد الآخرين من مسافة، أو القفز عليهم وطعنهم بالنصل الحاد للسفاحين؛ الأمر ممتع للغاية، أليس كذلك، هذا يعيدنا إلى أسلوب الألعاب القديمة بعض الشيء، لفتة ممتازة.

بالتبعية هذا ينقلنا للنقطة الأبرز: البيئة. وهذا لكون البيئة غريبة على أكثر من صعيد، فهي أولًا ثلجية ومختلفة تمامًا عن أي بيئة تم تقديمها سابقًا، وثانيًا مساحتها لا يمكن فهمها جيدًا فعلًا.

على الورق، الخريطة كبيرة وممتدة ويمكن اجتيازها عبر البر والبحر سويًّا، مما تُعطي شعورًا أن هناك عشرات العشرات من المهمات الجانبية والغارات الأسطورية التي يمكن القيام بها بعد إتمام القصة الأصلية، لكن من الناحية الأخرى الانتقال بين تلك المساحات الشاسعة سهل جدًا، ويوحي بأن الخريطة متر في متر ليس إلا، وهذا غريب فعلًا.

كما أن الثلج ليس العنصر الوحيد الذي يدل على الفترة الزمنية، كذلك التضاريس الأرضية والغزارة الحيوية دلائل لا يمكن غض الطرف عنها. الجبال يمكن الشعور بأنها لم تُنحت بعد، ولم تطأها يد الإنسان التفجيرية لاستخراج ما في باطنها من كنوز بعد. أما إذا دققنا النظر تحت أقدامنا، سنجد الكثير من الحيوانات القافزة يمينًا ويسارًا، بجانب الكثير والكثير من الأعشاب ذات الاستخدامات المختلفة، والتي تكون فائدتها الرئيسية هي التداوي أثناء المعركة.

في الألعاب السابقة كان الانتقال على الأقدام بمثابة انتحار تمامًا، فتصير اللعبة لعبة جري بدلًا من لعبة قتال وحركة ولقطات سينمائية ساحرة، وكان هذا عاملًا قاتلًا للمتعة. لكن هنا الأمر مختلف، هنا يمكن اجتياز الجبال في لمح البصر، والنظام كله معتمد على القفز من حافة صخرية لأخرى، وبذلك نعود إلى ذكريات الباركور القديمة لأبطالنا الأثيرين الذين جابوا حصون وقلاع الإمبراطورية العثمانية، وحفروا أسماءهم على زوارق فلورانسا وجدران حانات أمريكا.

ولضمان تجربة كاملة، لم تهتم يوبي سوفت فقط بالقتال والمفردات البيئية، أيضًا اهتمت بالشخصية نفسها وقدمت لها ملابسًا مناسبة بشدة للبيئة الآتية منها، وذلك على عكس الأجزاء السابقة. في الماضي كان هناك نوع من عدم التركيز على الشخصية، بقدر التركيز على تفاعلاتها مع القصة، فكان العالم البصري به نقص واضح.

لكن هنا لدينا أزياء واكسسوارات (وحتى أسلحة) تحمل كل أمارات ودلائل الأصالة والاهتمام بالتراث النوردي، وذلك بداية من الدروع الخشبية المطعمة بالقضائب المعدنية، مرورًا بالفؤوس التي تحمل نقوشًا عقائدية في مقدماتها، ووصولًا إلى الأحذية وأغطية الرأس المتميزة بالفراء المأخوذ عن دببة ذلك الزمن وتلك المنطقة.

لكن المشكلة الوحيدة في أسلوب اللعب هي عدم الاهتمام بعالم عقيدة السفاحين، عدم الاهتمام بالذكريات التي فعلًا نريد أن نرى امتداداتها في هذا الجزء. كان الاهتمام شديدًا بتفاصيل العالم النوردي والقدرات الخارقة للبطلة مثل (بصيرة أودين) التي تسمح لها برؤية الأعداء وكشف المنطقة من بعيد، لكن هذا لم يشفع للبطء الملحوظ في تصاعد الأحداث، وعدم الاستغناء الواضح بتاريخ السفاحين أنفسهم.

تقريبًا وجه الارتباط الوحيد هو النصل المخفي الذي قررت إيفور أن تجعله ظاهرًا لأنها شخصية عنيدة ولا تريد الانصياع لرغبات أحد؟ الأمر بالطبع أكبر من ذلك، لكن للوصول إلى وجه ارتباط أقوى يجب عليك الغوص في القصة لدرجة ربما تجعلك حانقًا إذا أردت فقط الاستمتاع بقصة متسارعة.

مجملًا اللعبة موجهة لمن يريد عالمًا مفتوحًا وضخمًا، لكن سهلًا من حيث التنقل، وليست موجهًا أبدًا للذي يريد معرفة المزيد بشكل مباشر عن خبايا عالم السلسلة، بل فقط كل ما قد يحصل عليه هو خدش بسيط للسطح عبر انتقالات فجائية (محدودة للغاية) بين عالم الأنيموس مع إيفور، وعالم الواقع مع ليلى.

والجدير بالذكر أن ليلى ثابتة في العالم الواقعي، بينما يمكن في اللعبة اختيار إما إيفور أو سيغورد، أو فقط ترك الأنيموس يختار الشخصية الأفضل بالنسبة للحدث نفسه على مدار القصة، وهذه نقلة بالنسبة للجزء السابق الذي كان فيه اختيار أليكسيوس أو كاساندرا شرطًا أساسيًّا، دون وجود إمكانية لرؤية شخصية مختلفة في منتصف الأحداث.

لتغطية عيب بطء القصة (وليس ضعفها)، عمدت يوبي سوفت إلى صبّ كل قدراتها المالية تقريبًا في العالم الثلاثي الأبعاد للقصة. اهتمت الشركة بكل صغيرة وكبيرة في هذا العالم، وعملت على صنع عوامل بيئية على درجة عالية من الاحترافية، وعلى رأسها الطقس الذي تستشعر تغيره بدرجة طفيفة عند الانتقال من سفح الجبل إلى قمته، أو الهبوط فجأة من مكان مرتفع.

كما أن رسم الأشجار تحديدًا كان ممتازًا، وحركتها مع الرياح طبيعية بدرجة أقرب للواقعية، وعند الوصول إلى قمة أي مكان تستطيع تشغيل نمط الرؤية البانورامية الذي تجعل المشهد بديعًا، كل تلك العناصر جعلت العالم ممتعًا على الصعيد البصري، ومشجعًا على خوضه أكثر من مرة، وسيرًا على الأقدام، ليس على ظهر الحصان.

مراجعة Assassin's Creed Valhalla

في الواقع ركوب الحصان يجعل التقدم في المساحات المفتوحة أبطأ، نظرًا لأن كل شيء تقريبًا حول اللاعب عبارة عن مرتفعات مليئة بالصخور أو العقبات، ولذلك على الحصان أن يسلك طريقًا طويلًا نظرًا لكونه ممهدًا، وهذا يزيد من وقت اللعب مقابل لا شيء تقريبًا.

أما عند الحديث عن حركة الشخصية بالقرب من أركان حيّز جغرافي محدود بزوايا شبه مغلقة، فتبدأ المشاكل بالظهور. فمثلًا إذا أرادت الشخصية التحرك من ركن يقع على يمينه صخرة وعلى يساره صخرة، ستعاني الكاميرا مع هذه الزاوية الصعبة ويكون الهروب من المكان أشبه بلعب الروليت الروسي، ربما التحرك للأمام يُنقذك، وربما للخلف، وربما تبقى هناك للأبد. كما أنه إذا أغلقت اللعبة وعدت إلى نفس المكان، ستجد نفسك في نفس البقعة مجددًا، والحل هو تشغيل آخر حفظ تلقائي موجود، وهذا أمر مرهق فعلًا.

لكن بالمجمل الجرافيك يُعتبر قفزة كبيرة بالنسبة للسلسلة، وبالنسبة للجيل ككل. حيث أنها واحدة من الألعاب المقدمة خصيصًا للجيل الجديد من الألعاب. عالم عملاق وواعد فعلًا على الصعيد البصري، وقادر على سحب اللاعب لقضاء ساعات وساعات في مسار القصة تارة، وبعد انتهاء القصة تارة أخرى؛ لذلك ساعات اللعب فعلًا لا تتوقف بوصولنا لخط نهاية القصة!

مراجعة Assassin's Creed Valhalla

أما بالنسبة للب القضية، فالصوتيات جيدة، ليست ممتازة، بل جيدة. يمكن انتظار أفضل من هذا، كان على الأقل بإمكان الشركة طرح تقنية ما تُعطي صوتًا محيطيًّا للبيئة، حيث أنها مليئة بالأصوات المتداخلة التي يجب أن تظهر كلها لضمان تجربة مميزة فعلًا. عملت فريق الميكساج الصوتي على إظهار طبقات مختلفة من الأصوات بشكل جيد مقارنة مع مسافة الشخصية من مصدر الصوت، لكن هذا ليس كافيًا للأسف.

لكن من الناحية الأخرى تم تعويض ضعف الصوتيات بالترجمة العربية الاحترافية للنصوص والقوائم، والتي بالتأكيد تحثّ أي لاعب على تدارك كل تفصيلة صغيرة في الجانب الصوتي والسردي لهذا العالم.

الخلاصة : لعبة Assassin’s Creed Valhalla هي تجربة جديدة في عالم السلسلة، بها بعض السقطات نعم، لكن تستحق اللعب بكل تأكيد. القصة متماسكة، لكن بطيئة وبعيدة بعض الشيء عن الأجواء الأثيرة للأجزاء السابقة. أسلوب اللعب ممتاز والعالم آسر بدرجة عبقرية، والذي ساعد على تقويته هو الجرافيك المحبوك باحترافية، مع صوتيّات جيدة كان يمكن أن تُقدم بصورة أفضل. مجملًا اللعبة تسلط الضوء على مناطق مظلمة في عالم عقيدة السفاحين، لكن لا تخدش من الجوهر الحقيقي إلا السطح، ممهدة الطريق لجزء قادم من الممكن له فعلًا كشف الغموض بالكامل، وحل الأحجية التي نجمع في قطعها لأعوام طويلة حتى الآن.

التقييم النهائي : 8/10

[تم توفير هذه اللعبة من قبل الناشر قبل صدورها في الأسواق]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى