كتَـــــاب الموقع

أجنحة الحمامة

فرج الترهوني

ربما “تسونامي” هو أدقّ توصيفٍ لما حدث في المملكة المغربية منذ أيام، وتسونامي هو التعبير الشهير لموجة عاتية عارمة ومفاجئة، تدمر كل ما يقع في طريقها، وتقلب الأوضاع رأسا على عقب. فالهزيمة المدوية للحزب الذي هيمن على الحياة طوال عشر سنين، وأتى إلى السلطة متلفحا بعباءة الدين على أكتاف ربيع عربيّ ضعيف الأساسات، انهار فجأة كما ينهار بيتٌ من ورق، وسكنت الحمامة عشّه الذي بناه طوال سنين عشر.

والحمامة التي ارتبط اسمها بالحزب الذي حقق فوزا مدويا، وهي شعاره الرسمي، يبدو أنها قد رفرفت عاليا وبقوة، فأطفأت نور مصباح حزب العدالة والتنمية، الذراع السياسي لحركة التوحيد والإصلاح الدعوية، التي هي بالطبع مكوّنٌ مهمّ مما اصطُلح على تسميته بـ “الإسلام السياسي” التي تأتي حركة الإخوان المسلمين، في مقدمته. إذن فالهزيمة في الواقع تطالُ الإسلام السياسي شكلا موضوعا.

يرى الكثيرون أن دولة المغرب قد أكدت عبر هذا الاستحقاق بلوغها سن الرشد الديمقراطي حيث عبّر المغاربة من خلال هذا الانقلاب العظيم في قيادة الدولة، على أن المساءلة الشعبية والمحاسبة عن الإنجازات والإخفاقات تنتظر من يتولون إدارة شؤون البلاد، وبالتالي توقيع العقاب على كل من يفشل في تحقيق الأهداف ويخيّب آمال جموع الناخبين.

ارتبط اسم حزب “التجمع الوطني للأحرار”، الفائز في الانتخابات التشريعية هذه المرة بالقصر الملكي وسياساته وتشير بعض الدلائل إلى أن تأسيسه في البداية جاء بإيعاز من السلطة لضرب قوى اليسار التي تشن انتقادات لاذعة ضد السلطة، وتتهمها باستمرار بعدم النزاهة والتزوير.

لكن الحزب في حلّته الجديدة استطاع استقطاب فئة مهمة من الشباب المثقف، بفضل اتباع آليات جديدة، وأعطت هذه الدينامية نتائجها في الانتخابات، وهناك اتفاق على أنَّ الهزيمة المدوية التي لحقت بحزب العدالة والتنمية كانت عقاب شديدا من الشعب المغربي لهذا الحزب، وعبّر المغاربة عن رفضهم لإجراءات الحكومة الاقتصادية والسياسية وحتى الثقافية، بعد أن أُثير بقوة التهميش المتعمد للغة العربية، وكذلك تطبيع العلاقة مع إسرائيل، والتضييق على حرية التعبير في الفضاء العام.

هزيمة الإسلامويين تتجاوز حدود المملكة، وتمثّل في الوقت ذاته انتصاراً ونجاحاً للمغرب الذي ثبتت مرّة أخرى قوّة مؤسسات الدولة فيه من جهة، والوعي السياسي العميق لشعبه من جهة أخرى. ودلّلت النتيجة على أنّ الشعارات الطنّانة لا تنطلي على غالبية الشعب المغربي وفي كلّ الأوقات.

لكن من حسن طالع المغاربة أن الثقافة الديموقراطيّة متجذرة فيهم، حيث الحياة الحزبيّة قديمة، وتجربة الحالية وضع أُسُسَها دستور عام 2011. في وقت لايزالُ الليبيون منذ عشر سنين، حائرين في دستور لم يتفقوا على بنوده بعد، وليست هناك مؤشرات أنهم سيتفقون.

وكذلك هناك الحيرة بين مدى ضرورة إقرار دستور قبل انتخاب السلطة التشريعية أو بعدها، وفي وقت تطالب فيه غالبية عظمى من الليبيين بالعودة السريعة للعمل بدستور الاستقلال الذي يثبت يوما بعد آخر أنه قد يكون حبل النجاة الوحيد، قبل غرق البلاد في الفوضى والانقسام أكثر مما هي عليه الآن..

إن التجربة المغربيّة الفريدة من نوعها في منطقة مضطربة، في تكريس البلاد كواحة سلام وأمان وازدهار في شمال إفريقيا. تقدم مثالا حيّا على النهج القويم، وهي بمثابة نبراس أما شعوب المنطقة المتعثرة في طريق الديموقراطية المليء بالأشواك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى