كتَـــــاب الموقع

الأمـر بالجهل والنهي عن القـراءة!

أنيس فوزي

“كلما سمعت كلمة مثقف تحسست مسدسي”. هذه العبارة المرعبة، قالها “جوزيف غوبلز” وزير الدعاية السياسية في عهد أدولف هتلر وألمانيا النازية. وهي تعبر عن قمع الفكر الشمولي، الذي يسعى لضمّ السيطرة الشخصية على الأفراد إضافةً إلى السيطرة السياسية. وقد بدأ النازيون المتطرفون بحرق وإعدام كل الكُتب والصُحف التي تعارض التفوق الألماني والعرق الآري.

في الحقيقة، هي ليست الحادثة الأولى والأشهر، إذ يعيدنا هذا إلى المغول الذين أحرقوا مكتبة بغداد في جريمة نكراء بحق المكتبة الإسلامية والآشورية والإنسانية ككل. وقبل هذا بعشرين سنة فقط، قام القسّ “كمبيس” بحرق مكتبة قرطبة بعد سقوطها.

وأتلف الإسبان مخطوطات شعوب المايا وحضارتها الضخمة في القارة الأمريكية. وأحرق المسلمون بأمر الخليفة كتب ابن رشد، وأجبرت الكنيسة “جاليليو” على إخفاء مخطوطاته وعدم تداولها بين الناس، ولعلّ آخر هذه الحوادث في ليبيا كانت عام 1973 وهي قيام اللجان الثورية التابعة ل “معمر القذافي” بحرق الكتب والآلات الموسيقية في الميادين.

في تلك الفترات كانت الشمولية هي المبدأ الوحيد للحكم، ولم يكن العالم قد تخلص بعد من النزعة الدكتاتورية، وكان القمع أبرز صفات القائد، فهو لا يسمح لخصومه بأيّ شكلٍ من أشكال الحرية، حتى لو وصل الأمر لإعدامهم واغتيالهم.

أما اليوم، في 2017، زمن العولمة والتكنولوجيا والعالم المفتوح وخصوصا زمن الـ PDF، حين نسمع بخبر مصادرة كُتب في ليبيا عن طريق مؤسسة أمنية، وبدون شروط رقابيّة، ولا لجنة تحقيق. فهذا أمر يدعو للضحك من كميّة المهزلة التي احتواها.

بعيدًا عن كون الكُتب روايات أقلّ من عادية، وأن عناوينها لا تمت بأيّة صلة للمحتوى؛ التركيز -هنا- على الجملة التي قالها عنصر الأمن في الفيديو وهو يشرح سبب المصادرة، حيثُ قال : “كتب شكلها غريب!”
يا لهذه الجملة المضحكة جدًا.

لكنها ستكون أكثر منطقية، عندما نستمع – في نفس الفيديوــ للملتحي الذي “يُشرّع” مصادرة الكتب، فيقول إن الكتب فيها دعوة للسحر والشعوذة وتدعو للنصرانية واليهودية، إضافةً إلى التشيّع! وهذا خلط عارٍ عن الصحة. ولو أن في هذه البلاد قانونا ورُفعَت عليه دعوة قضائية بعد الإطلاع على محتوى الكتب، سيكون الملتحي مذنبًا ويَستخدم سلطة دينية في أمرٍ غير دقيق وغير صحيح. ومن ثم، ينال العقوبة.

كلّ هذا في كفّة، ووصفه “مصادرة الكتب التي تدعو للتصوّف” واعتبار الحلاّج من غلاة التصوّف، في كفّة أخرى. ومن هنا سنسأل: من قتل الحلاّج؟ واعتبره زنديقًا وكافرًا ومرتدًا، وهو الذي يُنشد الله أكثر مما يتكلم؟
– الجواب ببساطة، الذي قتل الحلاّج هو الذي يصادر كتبه اليوم.

ثم نسأل عن الملك إدريس السنوسي “الصوفي” وعائلته الكريمة، ومن بينهم المؤسس الأكبر “سيدي محمد بن علي السنوسي” والقائد “أحمد الشريف السنوسي”، والقائد “صفي الدين السنوسي”. هل كل هؤلاء المجاهدين أيضًا زنادقة؟ ثم نسأل عن “عمر المختار” الذي ينتمي للطريقة السنوسية “قولاً وفعلاً” ويدافع عنها ويأتمر بأمرها. هل هو مبتدع ضال أيضًا؟
– الجواب ببساطة، نعم. لكنه ليس الوقت المناسب لقول هذا.

أما عن قوله “مصادرة الكتب الإباحية” فهذه الجملة الغريبة، المضحكة والمبكية في آنٍ معا، التي حيّرت الجميع ولم يعرف أحد معناها، وهي تدل على ضحالة فكرية لا منتهية. كان الأجدى به أن يصادر كتب التراث التي تدعو للقتل والقمع والتخلّف، والتي تملأ مكتباتنا، وتجعل من أولادنا ينخرطون في الجماعات الإسلامية المتطرفة، ويموتون بلا أيّ هدف.

الإرهاب، يعني اصطلاحا: عنفٌ يحتكر الآراء والأفكار ويفرضها بالقوة، من خلال تجذير الخوف وزرع القلق في محيطهِ. والإرهاب لا دين ولا عرق له، هو عمل إجرامي تقوم به مجموعات فاسدة تأتمر بإمرة فاسدين وتُنتج ثقافة فاسدة، وتُخلّف بعد عقود مجتمعًا فاسدًا، لا فائدة فيه، ومن الصعب تغييره أو إصلاحه. وبسهولة يمكننا النظر إلى الواقع والرجوع إلى التاريخ، لمعرفة وضعنا السيئ اليوم، ولتجنّب الوضع الأسوأ، الذي لم يبدأ بعد.

– انتبهوا.
_________________________
أنيس فوزي
خاص 218

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى