تكنولوجيا

مراجعة Atomicrops

خاص | أحمد سامي

بالأعوام الأخيرة، شهدت صناعة الألعاب تغيرًا كبيرًا؛ على العديد من الأصعدة. فبعد أن كان السوق مبتلعًا من قِبل استوديوهات ألعاب القصص والباتل رويال ذات الميزانية الضخمة، بات هناك منافس جديد في المنافسة؛ قديم في الوجود. وهذا المنافس الذي بات شرسًا، يتمثل في الألعاب ذات الميزانيات الصغيرة، والتي تُعرف باسم ألعاب (الإندي – Indie).

مؤخرًا أثبتت لعبة Fall Guys أن لعبة إندي باتل رويال، يمكن أن يكون لها مستقبل وقوة بين عمالقة الباتل رويال ذوات الميزانيات الضخمة. قدمنا في 218 سابقًا مراجعة عنها وعن عوامل نجاحها، واليوم محور الحديث هو لعبة Atomicrops التي صدرت في سبتمبر 2020، واستطاعت أن تحصل لنفسها على جمهور لا بأس به في فترة زمنية قصيرة.

ما قصة اللعبة؟ ولماذا يمكن لها أن تكون الرفيقة الأثيرة لأي شخص في وقت الحزن والأسى؛ خصوصًا في وقت العزل الصحي؟

المثير في هذه اللعبة هو أنها في البداية تقدم قصة معينة، لتُعطي انطباعًا معينًا. لكن سرعان ما يتم سحب البساط من أسفل هذا الانطباع، ليحلّ محله واحد آخر، مختلف عنه تمام الاختلاف. الانتقال الفجائي (والسريع جدًا) بين الانطباعين، بالتأكيد سيسبب حالة من الدهشة اللحظية لدى اللاعبين الذين بالتأكيد سيتأقلمون سريعًا مع اللعبة التي استطاعت أن تخدعهم بسهولة. وستأتي الصدمة واقعية جدًا بالنسبة لأي لاعب بدأها دون أن يشاهد لها أي عرض ترويجي في أي منصّة على الإطلاق.

تتمحور قصة اللعبة حول شخص حصل في يوم من الأيام مزرعة كبيرة، وغمرته الفرحة عندما تدارك فعلًا أنه سيعيش حياة المزارعين التي حلم بها منذ أمد. لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، وتذهب طموحاته كلها في التراب على إثر كارثة نووية؛ قاضية على الأخضر واليابس. مرت فترة والفتى محبوس في مخبأ كوارث حديدي وعميق، لتنجلي آثار الإشعاع من العالم، لكن تكون آثاره قد دمرت المزرعة، وعملت على تحويل الحيوانات البريّة اللطيفة كالأرانب والخنازير؛ إلى وحوش كاسرة مهمتها هي قتل البشر، وأكل أي شيء أمامها.

بطلنا وحده، ولذلك عليه أن يعتمد على نفسه ويحاول استغلال التربة التي بدأت في التعافي، وذلك عبر زراعة أكبر كمية ممكنة من النباتات. وفي نفس الوقت يحاول استكشاف المناطق المجاورة والحصول على بذور نباتات جديدة وبناء جسور خشبية؛ كي يستكمل رحلته. لكن في الليل تأتي الوحوش للنيل منه ومن محصوله. الآن عليه أن يصد هذا العدوان الغاشم كي يستطيع الدخول في اليوم الذي يليه، وإذا مات، يبدأ الحياة كلها من الصفر.

لذلك القصة الظاهرة للعبة أنها عبارة عن لعبة زراعة تقليدية فيها تتم رعاية النباتات وقضاء وقت لطيف وهادئ، لكن في الواقع هي لعبة تقدم تلك التوليفة في الصباح، وفي المساء تتحول إلى لعبة قتال تعمل فيها جميع خلايا المخّ سويًّا؛ خشية الموت وتتويج كل المجهودات المبذولة بجملة: “ذهب مع الريح”.

استطاعت اللعبة تقديم توليفة كلاسيكية لعشّاق النوستالجيا، فاقتبست أكثر من أسلوب لعب، ودمجتها في واحد جديد تمامًا لا يمكن التنبؤ بتأثيره على اللاعب. الشخصية (ويمكن القول “الشخصيات” أيضًا) تعمل بهدوء على استكشاف عالمها وغرس بذورها وجمع مياهها وإنماء نباتاتها الأثيرة. لكن من الناحية الأخرى تتعامل مع الوحوش المؤذية في الليل، وتكافح لحماية نفسها، ومحصولها. لذلك أسلوب اللعب يعتمد على الشوتر، الـ RPG، وكذلك المحاكاة.

أما بالنسبة لكل تفصيلة صغيرة في أسلوب اللعب، هناك عشرات العشرات من التنوعات التي بالتأكيد ستُرضي كل اللاعبين؛ حتى الذين يجربون هذا النوع من الألعاب لأول مرة. النباتات لها أنواع كثيرة، ولها سوق خاص يمكن شراء النباتات الخاصة منه.

ونفس السوق يمكن شراء الأسلحة المختلفة منه، والدخول في بعض القتالات المميزة، والتي تكون نتيجتها هي أشياء معينة تتم مقايضتها مع البائعين هناك. ولذلك تتحول التجربة كلها من مجرد لعبة ذات آلية مملة في ترقية الأسلحة والنباتات، لأخرى تشبه العالم المفتوح الذي يمكن التجول فيه بسهولة شديدة، والتعامل فيه مع شخصيات كثيرة بطريقة تدفع القصة للأمام، وتشجع اللاعب على مجابهة وحوش اليوم القادم.

وعلى ذكر الأيام، مع مرورها تختلف الفصول، ويشتد بأس الخصوم، وتتغير الأجواء البيئية بالكامل. ومع ارتقاء مستوى الخصوم، ترتفع الجوائز الممنوحة للاعب عند هزيمتهم. فكل نوع من الوحوش يترك خلفه بقايا مميزة له، وتلك إما تساعد على المقايضة في السوق بأشياء مفيدة، أو قد تكون لها فوائد كثيرة يكتشفها اللاعب بنفسه مع مرور الأيام في زمن اللعبة.

لذلك يمكن القول أنها واحدة من الألعاب التي تناسب كل الانطوائيين، أو الذين يريدون الهروب من ضغوطات الحياة (خصوصًا في وقت العزل الصحي لفيروس كورونا)، وقضاء وقت ممتع مع لعبة يمكن إدمانها بسهولة شديدة.

الشيء الوحيد الذي يُعتبر نقيصة في حق اللعبة، هو أنها صعبة فعلًا. وهذا يتناقض بشدة مع كَون نصف اليوم في الأساس هادئ وظريف للغاية، ويشجع اللاعب على التراخي بعض الشيء. وإذا مات، سيعيد كل شيء من البداية، من الصفر، ومن أول نقطة.

هذا الأمر يجعل الطابع الغالب على القصة هو الطابع التنافسي الشرس، وهذا ما لا يمهد له النصف الأول من كل يوم. بالطبع يمكن أن يرى بعض اللاعبين أن هذا الانطباع غير منصف، ويمكن أن يرى البعض الآخر أنه مناسب جدًا لفكرة اللعبة ومقبول وجيد. لكن وجب طرح وجهة نظر يمكن أن يجدها البعض عند اللعب.

منذ قليل تم تسليط الضوء على أن اللعبة مناسبة لعشّاق النوستالجيا والألعاب الكلاسيكية، وذلك نظرًا لكونها مبنية على نظام البيكسل. أي أن كل شيء في اللعبة مكون من مربعات كبيرة، وكل مربع يحمل درجة لونية معينة، ليتم خلق موجودات العالم بهيئة توهم اللاعب بأنه أمام أحد الأعمال التي كان الناس يصطفّون أمامها بالطوابير في تسعينات القرن الماضي؛ صارخين في فرحة بعد أخذها: “في أيدينا الآن أكثر لعبة واقعية في التاريخ!”.

وبالرغم من أن هذا الأسلوب غير متوافق مع أسلوب الجرافيك هذه الأيام، إلا أنه لا بأس من العودة للماضي بين الحين والآخر. لذلك يمكن الاعتقاد أنها نقيصة مقارنة بألعاب الحاضر، وميزة مقارنة بالسوق الذي اعتمد على أسلوب جرافيكي خارق للغاية، وتخلى عن البساطة التي تقدمها لنا Atomicrops.

الانتقال الدرامي هو ما يميز صوتيّات هذه اللعبة. في الصباح، تكون المقطوعات مرحة وحالمة للغاية، وفي المساء تكون متسارعة ومقلقة إلى أبعد حد. استطاع فريق التطوير التعامل مع ملحن استطاع تقديم مقطوعات مناسبة للحالة الشعورية لكلٍ من النصفين فعلًا. بجانب وجود أصوات جانبية متقنة كذلك، وغير متكلفة على الإطلاق. مثل أصوات ضرب النيران، القفز، جمع الماء من البئر، التلويح بالأسلحة في الهواء، وكذلك تلك الخاصة بظهور المربعات الحوارية للشخصية في السوق التجاري.

الخلاصة : لعبة Atomicrops هي واحدة من الألعاب البسيطة في تصميمها، لكن الإدمانية في تأثيرها. استطاعت المزج بين أكثر من أسلوب لعب، وقدمت عملًا من الخارج يبدو هادئًا، لكن من الداخل يحمل بين طياته أعتى أمارات الصخب. ولذلك تناقضت مع الصورة الخارجية التي ظهرت بها للجمهور، وتوجهت في باطنها إلى مُحبي ألعاب الكرّ والفر، أكثر من هؤلاء الذين يريدون قضاء وقت ممتع في لعبة بدت لهم؛ هادئة. لكن في النهاية قدمت تجربة لعب جاذبة، جرافيك ميّزها عن المنافسين حاليًّا، وصوتيّات مناسبة لمنعطفاتها بكل ما تحمل الكلمة من معنى.

التقييم النهائي : 6/10

[تم توفير هذه اللعبة من قبل الناشر قبل صدورها في الأسواق]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى