حياة

مراجعة مسلسل ما وراء الطبيعة

أنتجت مصر للعالم الكثير من العلماء والفنانين على مستوى عالٍ جدًا من الاحترافية والتفاني في العمل الذي يقومون به. مع الوقت بات العالم الغربي غارقًا بهم، وبذلك رفعوا اسم الأمة العربية جمعاء إلى عنان السماء.

لكن ماذا إذا أردنا تشريف العرب باللهجة العربية، لكن على أراضٍ أجنبية؟ أجل، هذه هي مهمة نيتفليكس. الآن قامت المنصة بتقديم مسلسل ما وراء الطبيعة كأحد أعمالها الأصلية أخيرًا.

هو مسلسل مصري قصير مكون من 6 حلقات ومأخوذ عن سلسلة قصصية طويلة جدًا للكاتب الراحل أحمد خالد توفيق، والذي احتل لنفسه مكانة مرموقة في قلوب وعقول الشباب والمراهقين نظرًا لحبكاته التي انطوت على الرعب تارة، والرومانسية الساخرة تارة أخرى.

فإلى أيّ مدى استطاعت نيتفليكس تقديم عمل له مكانة أدبية كبيرة عند القرّاء من سن المراهقة وحتى الرجولة وبالنسبة للبعض الشيب أيضًا؟ خصوصًا أنه تم ذكر ليبيا في المنتصف ودارت أحداث كثيرة في تلك الأراضي الصحراوية؟ فهل كان الانتقال بين البلدان العربية موفقًا؟

قصة المسلسل

الطبيب رفعت إسماعيل، متخصص في أمراض الدم، وأستاذ جامعي من الطراز الحزين. تعامله مع الطلاب محدود وسطحي للغاية نظرًا لكونه في الأساس يتعامل مع حياته نفسها بسطحية شديدة، شرِه جدًا في شرب السجائر، ولا يؤمن بما يدعى ما وراء الطبيعة أبدًا، إلا أن الأحداث الحياتية التي يمر بها دائمًا ما تثبت له العكس. يقدس قوانين مورفي أشد التقديس، وهي مجموعة قوانين غير موثقة علميًّا تقول إن الأسوأ الذي يمكن توقعه، سيحدث بلا شك. وبناء عليه هناك قواعد أخرى لرفعت إسماعيل نفسه، وأبرزها: “لو عقلك لاعبك، خده على قد عقله”، أي إذا مارس عقلك عليك أقسى الألاعيب، تعامل معها وكأنها غير موجودة من الأساس.

مراجعة مسلسل ما وراء الطبيعة

تبدأ القصة عندما تزوره في المكتب صديقته (وحبيبته) من أيام الجامعة، اليافعة ماجي، السيدة التي تسير على العشب دون أن تثني عودًا. وبمجرد ظهورها في حياته، تبدأ سلسلة من الأحداث الغريبة في قلب حياته، الآن على البطل أن يجوب الصحاري، يطوي الأرض، ويتسلق الجبال من أجل إيجاد حل لكل ما يصيبه، ويُنقذ الأشخاص العزيزين عليه من بطش الكائنات الماورائية التي أقسمت على تدمير كل غالٍ ونفيس لديه. فهل سيؤمن في النهاية بوجود ما وراء الطبيعة فعلًا؟ أم سيظل على عهده مع قانونه الذهبي المتجاهل للحقائق الملموسة التي تظهر حوله؟

رفعت إسماعيل بين روايات ومسلسل ما وراء الطبيعة

بمجرد صدور المسلسل، انقسم الناس إلى فريقين؛ الأول يقول أن النسخة المقدمة للشخصية في المسلسل لا تتوافق أبدًا مع رفعت إسماعيل المعهود في سلسلة روايات ما وراء الطبيعة التي ربّت جيلًا بأكمله، والثاني يقول إن التجسيد الدرامي عبقري ومتوافق 100% مع الروايات. لكن بعيدًا عن هذا وذاك، لماذا لا يتم تسليط الضوء على الفريق الثالث المختفي بين كليهما؟

يرى البعض أنه لا يجب الحكم على مسلسل ما وراء الطبيعة بمنظور الروايات من الأساس، حيث إنه عبارة عن معالجة فنية لنصوص أدبية، مع الأخذ في الاعتبار أن النصوص نفسها كبيرة للغاية ومتشعبة، بينما الحلقات لن تستطيع تغطية إلا 6 مواضيع فقط، هذا بجانب محاولة بناء أرضية جيدة للشخصية نفسها. وهنا يأتي دور النقد الموضوعي؛ للأسف البناء ليس جيدًا على الإطلاق.

مراجعة مسلسل ما وراء الطبيعة

بالمجمل القصة سيئة إلى أقصى حد، ويجب أن يكون فيها ترابطًا ملحوظًا على الأقل لجعل المُشاهد متقبلًا للتسارع غير المنطقي للأحداث، لكن قيمة الحياة تتغير باستمرار – Quality of Life Changes، والقارئ الذي تفاعل مع رفعت إسماعيل في الروايات بالأمس يمكن ألّا يتفاعل معه اليوم نظرًا لاختلاف معيار العمر وتأرجح الميول، والذي لم يحب مسلسل ما وراء الطبيعة اليوم، ربما يحبه غدًا بعد أن يقرأ الروايات مثلًا. الأمر في النهاية عائد لذائقة الفرد الفنية، والتي تتغير بتغير الحياة ذاتها.

الإخراج والتمثيل

بعض الحلقات كانت جيدة على صعيد الإخراج، والبعض الآخر متدنٍ تمامًا، نظرًا لاحتكام الإخراج على مخرجين، وليس واحدًا. على الأقل هذا أعفانا من ذكر اسم المخرج الذي كانت كادراته مليئة بالسيمترية ذات التفاصيل التكرارية، وكذلك أعفانا من ذكر اسم المخرج الذي قرر صعق أحدهم في كتفه بدلًا من قلبه الذي توقف فجأة.

مراجعة مسلسل ما وراء الطبيعة

قام الممثل أحمد أمين بدور رائع جدًا بالنسبة إلى الشخصية التي تناولها العمل بعيدًا عن عالم الروايات، خصوصًا أن الممثل نفسه لم يقم في السابق إلا بأدوار الستاند آب أو الأدوار الكوميدية مجملًا، فهذه شريحة جديدة تمامًا عليه، واستطاع إقناع الكثيرين بأنه شخصية جادة ولديها مخاوف وهواجس ويستطيع المُشاهد التقليدي مطابقة حياته مع حياتها بالنسبة على أكثر من صعيد.

وأخيرًا تم إدراج واحدة من القبائل الليبية في العمل، وتميزت المشاهد بالملابس الشعبية للبلاد، لكن يبدو أن صناع العمل لم يُوفقوا بالنسبة للهجة أو طباع أهل ليبيا.

الموسيقى

الموسيقى من تلحين خالد الكمار وبديعة للغاية، لكن الاستخدام (المستمر) للمقطوعات، أدى إلى خلق حالة من الملل لا يمكن وصفها إلا بالسقطة الشديدة في الحالة الشعورية. هذا يجعل أي مشاهد يتقين أن المخرج يريد إرعابه بالموسيقى على الدوام، دون التركيز على القصة نفسها؛ والتي بها ثغرات سيناريو لا حصر لها.

الخلاصة :بالمجمل مسلسل ما وراء الطبيعة هو نقلة في التلفاز المصري خصوصًا والعربي عمومًا، ويعتبر بمثابة أول باب يُفتح في صرح نيتفليكس للأعمال المصرية، ويُنبئ بأن هناك أعمالًا أصلية ستأتي في المستقبل بدون شك. القصة هزيلة، التمثيل ممتاز، المقطوعات بديعة، الإخراج تقليدي ومليء بالمشاهد التي تكاسل فيه المخرج عن أداء عمله، وفي النهاية يمكن القول إن المسلسل تجربة تستحق المشاهدة لكن لا تستحق المغالاة في المديح أو التسفيه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى