مقالات مختارة

الجريمة والعقاب .. عندما تتحقق آيات الله

سالم الهمالي

في يوم جمعة …

طن .. طن .. طن … طنننننن

الساعة الثالثة تماما بتوقيت غرينتش، من هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) بِ البوش هاوس، ها هو جميل عازر يقرأ عليكم نشرة أخبار الظهيرة، وإليكم أهم عناوينها:

وردنا قبل لحظات نبأ تعرض الزميل محمد مصطفى رمضان إلى إطلاق نار بُعيد خروجه من صلاة الجمعة، بجامع المركز الإسلامي في لندن، وسنوافيكم بالمزيد حالما تتوفر المعلومات عن هذا الحادث الأليم!!

حتى سماع هذا الخبر، كان ذلك اليوم عاديا في كل شيء، نهضنا مبكراً لمراجعة المحاضرات والاستعداد لصلاة الجمعة بجامع الكيش، بعد الصلاة توجهنا إلى مطعم بيت (١٠) الذي اشتهر بتقديم وجبات صحية متنوعة بجدول يعد أسبوعيا، أفضل وجباته هذا اليوم، كسكسي بلحم الخروف الوطني ومعه ما يليق من خضار وفاكهة، وختمه بشرب الشاي أو القهوة. أحاديث الطلبة المعتادة عن المحاضرات والمعامل وآخر أفلام معروضة في السينما وطراطيش من هنا وهناك.

في الغرفة مع صديقَيّ (حامد ومحمد) كان وقع الخبر كالصاعقة، أتذكر يومها أن محمد كتب التاريخ على الحائط تحت النافذة ١١ أبريل ١٩٨٠، فسماع الراديو وإذاعة لندن اعتاده أغلب الليبيين، ومتابعة نشرتها حيث تجد الخبر اليقين.

كان محمد مصطفى رمضان بصوته الجهوري الرخيم ولغته العربية البليغة مثار فخر واعتزاز عندنا، إذ إن وجود أي ليبي في ذلك الوقت بذاك المكان كان دليلا وشاهدا على تميز الليبيين وبلوغهم أفضل المراتب أينما توجهوا. في البداية، لم نُخمّن أو حتى نشك في من يمكن أن يكون وراء الجريمة البشعة، التي أزهقت نفسا بريئة وهي خارجة من الصلاة في يوم الجمعة وداخل ساحة المسجد، أي في بيت من بيوت الله، فيما يمثل ليس إزهاقا للنفس المصونة فقط بل أيضاً تعدّياً على حرمة بيوت الله وقداستها.
لم نكن نعرف الكثير عن شخصيته، فيكفينا انه ليبي مؤهل يؤدى عملة بحرفية واتقان، لكن موته اثار السؤال عنه.
بعد يومين علمنا أنهم منعوا تقديم العزاء إلى أخيه الطالب بالجامعة، ثم انتشر خبر يقول: طالت اليد الطولى للجان الثورية المدافعة عن الثورة، خائن وعميل وغيرها من الأوصاف التي تُلقى جُزافا على كل من له رأي آخر أو يخالف سيادة وسيطرة الرأي الواحد والوحيد والأوحد والذي لا قبله ولا بعده …

ليبيا، بمساحتها الشاسعة التي تزيد عن ١,٧٦٠,٠٠٠ كم مربع، لم يجدوا فيها مكانا يتسع لرفاته لا يتجاوز المتر المربع، فرفضوا حتى قبول أن يُدفن كما يأمر الدين الحنيف في بلده وبجوار أهله، واضطر القائمون على دفنه بالبحث عن مكان في أرض الله الواسعة لدفنه.

يومها، لم يفكر أو يُخمن أو يأبه أولائك للمصير الذي قد ينالهم عندما تتحق آية الله بأنه “يُمهل ولا يهمل”، ومرت الأعوام حتى ظنوا أنّ الدنيا أذعنت لهم وأصبح بإمكانهم إخضاع أميركا وأوروبا وكل قوى الأرض، حتى جاء وعد الله!!

ترك محمد (رحمه الله) زوجته وابنته الطفلة الصغيرة، لا عائل لهم إلا الله، يتوسلون ويتضرعون إليه أن ينصرهم وهو الناصر وعلى كل شيء قَدِير.

أيها الظالم:

تذكر سيرة الأولين، وأنقذ نفسك من مصير مظلم وعذاب أليم، لا شك أنه واقع بالظالمين. تُبْ إلى الله واستغفر لذنبوك قبل أن يباغتك قضاء الله، وهو أحكم الحاكمين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى