مقالات مختارة

التوقعات (علم أم مقامرة)؟!

سالم الهمالي

يومياً نُشغل أنفسنا ذهنياً بفكرة “التوقعات”، لا تستثني شيئاً في حياتنا، من حالة الجو إلى فرضية اندلاع الحروب أو تحقيق السلام، وبالرغم من أنه شأن إنساني لا يختلف فيه إنسان عن آخر نظرياً، إلّا أن الواقع يُنبئنا بغير ذلك، أي أنّ التوقعات تختلف من مجتمع إلى آخر، بدرجة كبيرة، حتى تجعلها تترواح بين أن تكون علماً مجرداً يمكن حسابه بدقة متناهية إلى مقامرة ورجم بالغيب.

ترى ما السبب في ذلك؟

أُخمّن، أنه الركن الأساسي لهذا الاختلاف يرجع لطبيعة المجتمع وأهله، كلما تناقص بينهم اعتماد العلوم فِي تعاطيها لشؤون الحياة، وجدوا أنفسهم أقرب إلى انتهاج أسلوب المقامرة، وما يُعرف شعبياً (طاف عطيه!!).

لنبدأ بمثال عن الانتخابات؛ فالبرغم من أن هناك موعداً مُحددًا بقرار من البرلمان الليبي لإجراءات في يوم ٢٤ ديسمبر ٢٠٢١، ولم يتبقَ عن ذلك الموعد سوى أسابيع قليلة، إلّا أن الغالبية ليسوا متأكدين من مدى صحة ودقة الموعد، أيْ أن هناك نسبة معتبرة تُشكك في إمكانية حدوث الأمر.

لنقارن ذلك بالانتخابات الأمريكية المزمع عقدها بعد أربعة أعوام (٢٠٢٤)، لن تجد واحداً من الثلاثمائة مليون أمريكي يشك أو يشكك في إجرائها المعتاد، في شهر نوفمبر من ذلك العام.

لو سألت أي مواطن ليبي عن إمكانية اشتعال اقتتال في طرابلس بين الأطراف المسلحة لَما استطاع أن يعطيك إجابة تخلو من شك في الوقوع أو عدم الوقوع، نفس الإجابة عن انقطاع الكهرباء أو وجود سيولة في المصرف أو غلق المطار مِن فتحه.

لا أحد يُعطي إجابة يقينية في أي شيء، متى يبدأ العام الدراسي أو ينتهي، ناهيك عن مواعيد العطل والامتحانات خلاله.. والعذر المُقدم دائماَ (الله أعلم، إن شاء الله)!!

الأمر هُنا ليس تشكيكاً في علم الله، الذي علم كل شيء قبل خلقه وحدوثه، ولا فِي فرضية عدم التقيد بالموعد المُحدّد، إذ لا شك أنه يظل في علم الغيب، لكن كل ذلك لا يُلغي السؤال:

– لماذا يعلم المواطن الأمريكي أو النرويجي بموعد الانتخابات وبداية ونهاية العام الدراسي، والليبي لا يعرف ما سيحدث يوم غده؟!

الله سبحانه، خالق ورب كلِ الكون الذي نتشارك فيه مع الأمم الأخرى، لماذا إذاً هُم أقدر مِنّا في تقدير التوقعات، في حين أننا نعجز عن اعتماد مواعيد لأي شيء، وكأننا نعيش حياة بعلية؟

الإجابة عن هذا السؤال واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار، بل إن أجدادنا يقولون: تعرف الجايات بالماضيات!!

الماضي، هو كل شيء انقضى، وفيه معلومات تُعطي مقدرة على اعتماد توقعات المستقبل، شريطة أن تكون المعلومات موثقة ومرصودة. نحن نفشل في الرصد والتوثيق، بل لا نُعطي القدر الكافي من الاهتمام بالأرشيف، الذي يختزن المعلومات.

في غياب ذلك، تصبح عملية التوقع مغامرة ومقامرة، تقريباً في كل شيء في الحياة.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى