كتَـــــاب الموقع

“اغتيال على طريق الحرية .. الاغتيال على الطريق …5”

مضينا في الطريق إلى الحرية يملؤنا الأمل لأجل استحقاق كافح ونضال الجيل بعد الآخر للوصول إليه ولا مجال للتنازل عنه، ورغم المواجهة مباشرة مع الفصائل والكتائب المسلحة التي اتخذت من الغدر والاغتيال أسلوبا للقمع والتخلص من المعارض والرافضين لها وأمام هذه المواجهة لم يتسلل اليأس إلى قلوبنا وأصبحنا على يقين أن المعركة أصبحت مدنية وسياسية ضد منظومة إرهاب متكاملة.

وبعد “جمعة إنقاذ بنغازي” اشتدت المواجهة بين التيار المدني والمنظومة المتمثلة في الجماعات والأحزاب الإسلامية في السلطة التشريعية والتنفيذية والمؤسسة الدينية “دار الإفتاء” وسلاح الفصائل والكتائب المسلحة.

واتضح أمامنا المشروع بشكله النهائي وهو مشروع لخطف الثورة واغتيال الديمقراطية وسلب حرية الشعب، لم هناك اختلاف داخل المنظومة التي وقفت أمامنا على قمع الأصوات المدنية والسياسية الرافضة لمشروعهم، ازدادت موجة الاغتيالات والتصفية ارتفاعا أمام الأصوات المطالبة بدولة المؤسسات والدستور تحميها المؤسستين العسكرية والأمنية، لتبدأ هذه الموجة باستهدافات مباشرة لرجال الجيش والشرطة محاولين تهديد هذه المؤسسات من الاصطفاف في صف الشعب وضرب معنويات أفرادها.

في أواخر شهر ديسمبر عام 2012 قام قسم البحث الجنائي بمديرية أمن بنغازي بإلقاء القبض على أحد منفذي الاغتيالات والتفجيرات “علي الفزاني” سجين سابق على ذمة قضايا تتعلق بالإرهاب.

قدم الفزاني اعترافات تؤكد أن عمليات التصفية والاغتيالات التي تستهدف رجال الأمن والجيش تصدر بأوامر قياداته ومنهم “سفيان بن قومه” و”أحمد أبو ختالة “.

وأبرز القضايا التي اعترف الفزاني بتنفيذها هي عملية اغتيال العقيد “فرج الدرسي” مدير أمن بنغازي ومحاولة اغتيال وزير الداخلية آنذاك “عاشور شوايل” وعدد من قضايا القتل والتصفية التي طالت رجال الجيش والشرطة.

ولم تمض أيام على اعتقال الفزاني، شنت الكتائب والفصائل المسلحة هجوما شرسا على مقر مديرية أمن بنغازي محاولين إخراجه، متهمين أفراد قسم البحث الجنائي بالموالاة للنظام السابق.

ومن أبرز الكتائب المشاركة في الهجوم كانت “سرايا راف السحاتي” التي قتل أحد أفرادها “خالد الساقزلي” في الهجوم وهو شقيق “مصطفى الساقزلي” أحد قيادات التيار الإسلامي وظهور “أحمد الفيتوري” القيادي بالسرايا في مقطع مصور أثناء الهجوم وفي يده بندقية يحرض على ضرورة اقتحام مديرية أمن بنغازي.

الفيتوري قتل لاحقًا في معارك الجيش الليبي ببنغازي، وتسبب الهجوم في وقوع 4 قتلى من رجال الأمن وعدد من الجرحي، وعلى الفور تمت الدعوة لضرورة عقد لقاء عاجل للتيار المدني ليتم الإعداد لتظاهرة جديدة بعد مرور ثلاثة أشهر على “جمعة إنقاذ بنغازي”.

وتم ذلك بحضور الراحل عبدالسلام المسماري وعدد من قيادات التيار المدني حيث قررنا الدعوة لجمعة “بنغازي لن تموت” في يوم 28 ديسمبر لمساندة رجال الجيش والشرطة وإنقاذ المدينة من الإرهاب وحل الفصائل والكتائب المسلحة، تمت طابعة الشعارات بأكثر وضوح لتعبر عن التظاهرة ومنها “لا قاعدة لا إرهاب هذي ثورة شباب” و”نريد رئيس أركان حر لا يكون تابعا لقطر” وأخرى في ذات السياق تمت طباعتها والهتاف بها.

تكفل العقيد الراحل “صلاح بوحليقة” آمر كتيبة شهداء الزاوية لحماية التظاهرة من نقطة الانطلاق أمام فندق تيبستي حتى ساحة الكيش حيث انتهت بإلقاء بيان يعبر عن غضب القوى المدنية وسكان بنغازي من تخاذل السلطات المتمثلة في المجلس البلدي بنغازي والمؤتمر الوطني العام وحكومته و رئاسة الأركان لعدم تدخلهم لإنهاء فوضى السلاح والإرهاب وتقديم الدعم للمؤسسات الشرطية والعسكرية.

وقبل خروج التظاهرة توحدت أغلب منابر المساجد في المدينة على تحريم الخروج لها وسبقها فتوى قدمها مفتي الديار “الصادق الغرياني” بعدم وجوب الخروج في “جمعة بنغازي لن تموت”، من هذه التظاهرة وقبلها أضيف التيار المدني المتمثل في القوى المدنية بمختلف توجهاتها ضمن المستهدفين في عمليات الاغتيال والتصفية.

دخل عام 2013، وهو العام الذي أطلقنا عليه العام الأسود حيث غرقت بنغازي في دماء التفجيرات والاغتيالات وعاش سكانها في هذا الرعب، وتمكنت الكتائب والفصائل المسلحة في شهر يناير نفس العام من اختطاف المقدم “عبدالسلام المهدوي” رئيس قسم البحث الجنائي وكان اختطافه يمثل انتقام لعلي الفزاني الذي تم ترحليه لطرابلس لاستكمال التحقيقات معه ليطلق سراحه بتدخل القيادي بالجماعة الليبية المقاتلة “خالد الشريف” ليفجر الفزاني نفسه لاحقًا في عملية انتحارية استهدفت جنود الجيش الليبي ضمن معارك الكرامة ببنغازي، وبقي مصير المقدم عبدالسلام المهدوي مجهولاً حتى اليوم.

جماعة أنصار الشريعة أعلنت عن نفسها بشكل علني بأنها فرعا لتنظيم القاعدة في بنغازي وعناصرها أصبحوا يجاهرون بموالاتهم لزعماء التنظيم على رأسهم “أيمن الظواهري” والملتقيات العقائدية كانت تقام داخل المناطق والأحياء وفرضوا أنفسهم كحماة لبعض المؤسسات الخدمية في المدينة من بينها مستشفى الجلاء للحوادث محاولين إظهار أنفسهم كقوة مسلحة تعمل على تأمين المواطنين بديلة عن المؤسسات الشرطية والعسكرية التي يتم استهدافها واضعافها عمدا لإنهاء وجودها، ولم تعارض أو ترفض الفصائل الأخرى الموالية للإسلاميين وجود جماعة موالية لتنظيم القاعدة في المدينة وكانت هناك حالة من الانسجام بين أفراد هذه المجاميع رغم ادعاء بعض الكتائب والفصائل بأنها ثورية وتدافع عن ثورة فبراير وأهدافها التي من ضمنها الديمقراطية المكفرة لدى أنصار الشريعة، بل وفي أكثر من مناسبة تعاونت هذه المجاميع في إقامة نقاط تفتيش مشتركة داخل أحياء المدينة ابتداء من مدخل بنغازي الغربي حيث تمركزت جماعة أنصار الشريعة في بوابة القوارشة على بعد كيلومترات من نقاط التفتيش تابعة لرئاسة الأركان وكتيبة السابع عشر من فبراير بقاريونس وفي نقاط أخرى داخل أحياء ومناطق المدينة، أصبح الوضع مرعب و طريق الحرية وضعت به العشرات من الحواجز التي اعاقة سيرنا وكان علينا إزالتها.

بعد مرور أيام من جمعة “بنغازي لن تموت” خرج أحد قياديين الفصائل المسلحة آمر كتيبة ليبيا الحرة “وسام بن حميد” عبر قناة العاصمة متهجما على التيار المدني و واصفا إياه بالغوغائيين الذين يعادون الثوار وأنه وجل الفصائل المسلحة يتبعون للجيش ولرئاسة الأركان.

وتجاهل “بن حميد” في حديثه مطالب المظاهرة ولم يوضح عن مواقفه تجاه فرع تنظيم القاعدة أنصار الشريعة والإرهاب العلني الذي ينشط في بنغازي وعملية اعتقال الفزاني والهجوم على المديرية الأمن واختطاف المهدوي والحوادث والظواهر العديدة التي تهدد آنذاك مسار الثورة ومستقبل البلاد.

تجاهلها بن حميد وكأنها لم تحدث وصب كل غضبه على التيار المدني الذي تمكن من ربط وكشف تفاصيل مشروع الإسلاميين والمنظومة التي أسسوها للهيمنة على البلاد، أصبحنا نزيل الحواجز التي اعاقة سيرنا بمفردنا فالكتل الإسلامية سيطرت على القرار بالمؤتمر الوطني العام وجددت شرعية الفصائل المسلحة عن طريق رئيس الأركان المعين من قبلهم ومفتي دار الإفتاء أصبح المشرع الديني لهم.

أصبح الحراك داخل الجامعة بيد باقي الرفاق بالاتحاد ولم أركز كثيرا به نظرا لسرعة الأحداث بالمدينة، حاولت مع باقي الرفاق نقل التحركات داخل الحرم الجامعي كون تفاعل الطلبة مع القضايا المصيرية ودورهم مهم جدًا للحفاظ على المدينة ومستقبلهم الدراسي خصوصًا أن الجامعة لم تكن في أفضل حال فهناك غياب أمني وحالة من الفوضى داخلها ومحاولات لاختراق أسوارها ونشر دعاية متطرفة شعارها فصل الطلبة عن الطالبات وإغلاق الأقسام العلمية التي تتعارض مع الشرع والدين، الأمر الذي جعلنا نتحرك لعقد لقاءات مع عمادة الجامعة لدعم دور الحرس الجامعي في الحفاظ على أمن الطلبة ومنع إي مناشط تدعم أو تعزز دعاية المتطرفين، أقمنا لقاء بين وكيل عميد الجامعة د.إبراهيم الدرسي والقوات الخاصة الصاعقة ومثلها في لقاء عقد بجامعة العرب الطبية الراحل “أحمد الكوافي”.

وكان الهدف من اللقاء هو تسلم القوات الخاصة عملية تأمين مداخل ومخارج الجامعة على أن تتكفل إدارة الجامعة بتوفير مقصورات للجنود على بعد أمتار خارج أسوار الجامعة وتغطى تموين الجنود ولكن لم يثبت الاتفاق ولم نتحصل على رد.

وعلمنا لاحقًا أن إدارة الجامعة تحفظت على المقترح نظرًا لقرب الجامعة من كتيبة “السابع عشر من فبراير” وتحيط أسوارها مقرات لعدد من الكتائب والفصائل المسلحة التي قد تشعل مواجهات مع القوات الخاصة وتتضرر الجامعة وتتوقف الدراسة.

رغم ذلك تمكن الحرس الجامعي من فرض الأمن داخل الحرم الجامعي بدعم الاتحادات الطلابية والوعي الذي تصدت به لدعاية المتطرفين، ازداد تأثري في تلك الفترة بالراحل “عبدالسلام المسماري” فكان بسيطًا وقائدًا وطنيًا متواضعًا ونزيهًا ولا يقبل الظلم، نشطت معه في العديد من تحركات والقضايا أبرزها رفض قانون العزل السياسي ومعارضة قرار الهجوم على مدينة بنى وليد ودفاع عن مهجرين مدينة تاورغاء والليبيين المهجرين بالخارج وملفات وقضايا أخرى.

كنت أتردد عليه باستمرار في منزله القريب من منزلي، أصبح المسماري بوصلة لي وللكثيرين من النشطاء نستدل ونرجع إليه في طريق الحرية، موجة التحريض بالقتل والتصفية اقتربت منا وبدأت الحملة لتستهدف شخصيات قيادية بالتيار المدني أبرزهم عبدالسلام المسماري من خلال الصفحات الالكترونية والاعلام وحتى منابر المساجد.

ففي ذات يوم وكالعادة كنت ألتقي مع المسماري كل يوم جمعة بمسجد “بوغولة” بحي البركة وكان خطيب المسجد يوظف خطبته لمناصرة الإسلاميين ومشروعهم وكثير التهجم على التيارات المدنية المعارضة.

في أحد أيام الجمعة؛ استغل الخطيب وهو “خالد الورشفاني” المنبر من جديد لخدمة مشروع الإسلاميين غادرت بعد الصلاة مع المسماري الباب الأول للمسجد و وقفت معه أمامه وأنطلق المسماري بصوت مرتفع موجهًا كلامه للمصلين بضرورة إيقاف الخطيب الذي يستغل المنبر لتمرير خطبة سياسية لصالح التيارات الإسلامية وأن المساجد هي بيوت الله ولعبادته فقط وفورًا تجمع عدد من المصلين حوالينا مؤيدين له ووقف عدد آخر ضدنا وانتهى الأمر بمطالبة المسماري بالابتعاد من أمام المسجد وأخذته حتى منزله وعدت لمنزلي.

هذا الموقف لم يكن الأول أو الاخير للمسماري فكان معلنًا تحديه المباشر لمشروع الإسلاميين السياسي والمسلح وهو موقف اتحدت لأجله كافة القوى المدينة، تحولت الموجة من التحريض على الاعتداء، اقتحم مكتب الاتحاد بالكلية وسرقة كافة المحتويات والمستندات التي بداخله وتم اختراق الصفحة الرسمية من الطلبة الموالين للإسلاميين الذين اعتدوا علينا مرات عديدة، ووقفوا وراء تمزيق شعاراتنا بالكلية وإزالة منشوراتنا من لوحات الإعلانات.

اتحد معهم في هذه الاعتداءات الطلبة موالين لفكر تنظيم القاعدة الذين كان يناصرهم أحد الموظفين الإداريين بأحد الأقسام العلمية بالكلية ولم يتردد هذا الموظف في وضع راية تنظيم القاعدة داخل مكتبه أمام الطلبة الأمر الذي جعلنا نذهب مباشرة لعميد الجامعة الدكتور “محمد دغيم” ونقدم له بلاغًا وقام مباشرة باستدعاء عميد الكلية ليقوم بإنذار الموظف وإزالة الراية.

الأمر زاد شرارة الشر اتجاهنا وأصبحنا أكثر استهداف داخل الكلية، ليتم التعرض لنا داخل الأقسام العلمية محاولين الاعتداء علينا، حتى اضطررنا للسير داخل الكلية مرافقين لبعضنا خوفًا من اعتداء غادر، استهدافنا داخل الكلية من قبل الطلبة الموالين للإسلاميين لم يأت من فراغ فكان نشاطنا متميز ولدينا شعبية بين الطلبة وقبول منهم للدفاع عنهم، لكن لوجود نائب المراقب العام لفرع جماعة الإخوان بليبيا”سالم بوحنك” ضمن أعضاء هيئة تدريس بالكلية وأعضاء هيئة تدريس آخرين وعدد من الإداريين الاسلاميين؛ قرروا خلق مجموعات طلابية تتعرض وتعتدي علينا.

الخطر أصبح يحيطني في منطقتي البركة التي كان بها إحدى مقرات تنظيم أنصار الشريعة وعناصرها ينتشرون بكثرة داخلها، المضايقات والتهديدات كانت تأتي من اتجاه واحد تختلف أسماء الكتائب والفصائل المسلحة والفكرة واحدة وهي الإرهاب وقتل وتصفية المعارضين والرافضين لهم، أسست وشاركت في إعلان عدد من التحركات المدنية وكانت أماكن اللقاءات مع رفاق أما داخل فندق تيبستي أو بمنزل المسماري الذي تحول لصالون تلتقي به شخصيات مدنية وسياسية تناقش الوضع العام وكيفية تعامل من الخطر الذي ينتشر في بنغازي، تم الاعتداء علينا داخل فندق تيبستي بعد الانتهاء من تنظيم جمعة “ليبيا للجميع” في شهر أبريل عام 2013 التي طالبنا من خلالها بضرورة إصدار قانون للعفو العام وعودة المهاجرين بالخارج وفتح صفحة جديدة وتجاوز الماضي لأجل المستقبل، مطالب أشعلت الغضب لدى الإسلاميين الذي فرضوا في وقت سابق قانون زاد من حدة الانقسام والإقصاء وهو “العزل السياسي”، الاعتداء قام به بلطجية موالون بأسمائهم وصفاتهم للإسلاميين تم ضرب عبدالسلام المسماري وبقية المجموعة وسرقة هاتفه المحمول.

اجتمعنا بمنزله فور وقوع هذا الحادث حتى فجر اليوم التالي بحضور أقاربه وعدد من الرفاق وتقررت حماية المسماري اجتماعًا ومدنيًا.

وبعد أيام أقيمت وجبة عشاء دعي إليها المسماري شخصيات اجتماعية وسياسية ومدنية بمنزله، وأعلن بكل شجاعة عن استمرار التحدي بإعلان “جمعة الغضب” في يوم 10 مايو لرفض أخونة الدولة والمشروع الظلامي الذي أصبح يسفك وبكل وحشية دماء رجال وشباب المدينة، خرجت الجمعة في موعدها والتحق بها عدد كبير من النشطاء وقيادات التيار المدني وسكان المدينة بشعارات ترفض الإرهاب والفصائل والكتائب المسلحة والتيارات الإسلامية التي تقف خلفها.

وتشرفت في تلك الجمعة بأن أقف خلف المسماري أثناء إلقائه بيان التظاهرة والذي نقل مباشر عبر قنوات “العاصمة وليبيا لكل الأحرار” عادت التهديدات بشكل مضاعف وطالت أغلب القيادات المدنية.

كنا نسير على طريق الحرية بمفردنا مقاومين لمنظومة الظلام والرعب، فلم نجد أحد معنا فغالبية المنظرين والساسة الذين تكالبوا وتصارعوا وهادنوا خرجوا للخارج وتركونا نحن في هذا التحدي حتى المسماري لم يجد بجانبه إلا مجموعة من الوطنيين والمخلصين الذين كانوا يجلسون باستمرار داخل صالون بيته ويحمونه في تنقلاته معلنين دعمهم وحبهم له لصدق نضاله المقدس لأجل ليبيا والتضحية في سبيلها.

وبعد “جمعة الغضب” أصبحت الأحداث تشتعل في مصر، فالشعب المصري استيقظ لإنقاذ بلاده من مشروع الرعب والظلام، الأمر أعطانا دافعًا قويًا للاستمرار في تحدي فرع المنظومة ولم تمض أيام على جمعة الغضب حتى وقع انفجار راح ضحيته أعداد من المواطنين أمام مستشفى الجلاء حيث انفجرت سيارة محملة بكم هائل من المواد المتفجرة كان يقودها أحد الإرهابيين وكشفت التحقيقات أن الحمولة كانت ستستخدم في عمليات الاغتيالات وتفجيرات، وفور هذا التفجير عقدنا لقاء داخل الحرم الجامعي وأعلنا بعد الاتصال بمدير الحرس الجامعي “خالد المجبري” عن إغلاق الجامعة وتعليق الدراسة حتى تتدخل السلطات لإنهاء الفوضى الأمنية استمر الإغلاق لأيام وتم استئناف الدراسة فالمجلس البلدي وقف ضدنا كونه ضمن منظومة المشروع ولا يؤيد إي تحرك يعارض ويرفض الإرهاب ومشروع الظلام الذي دمر لاحقا الجامعة وجعلها ساحة للقتال.

استمرت التحركات والوقفات أمام فندق تيبستي وأصبحنا نواجه سلبية من عموم المواطنين وعدم إدراك خطورة الوضع والمصير الذي يتم جر بنغازي إليه واشتهرت وقتها مقولات “ربي ينصر الحق” و “إلى مايدير شي ما يجيه شي”.

كنا نقف في وقفات والعدد لا تتجاوز الثلاثين شخصًا مطالبين بالحرية وحماية بنغازي والمؤسسات الأمنية والعسكرية وإنهاء الفوضى ومحاربة الإرهاب.

وفي نهايات شهر يونيو نجح الشعب المصري في إسقاط مشروع الظلام معلنين عن استرداد ثورتهم وحريتهم من الإسلاميين والانتهازيين، احتفلنا مساء يوم الرابع من يوليو بمنزل المسماري رفقة عدد من الشخصيات ورفاق وكلنا أمل في المضي نحو استرداد ثورتنا وحريتنا من فرع مشروع الظلام بليبيا رغم الواقع المختلف تمامًا عن مصر.

اقتربت الذكرى الرابعة لاغتيال اللواء “عبدالفتاح يونس” ورفاقه وتقرر إحياء هذه الذكرى بالإعلان عن “حركة شهيد لإحياء وطن” تطالب بالكشف عن ملابسات اغتيال اللواء يونس ورفاقه ومحاسبة المتورطين في اغتياله وإنهاء فوضى السلاح والقضاء على الإرهاب ودعم المؤسسات الشرطية والعسكرية، تم عقد الاجتماعات التأسيسية وكان هناك نوع من القلق لدى الحاضرين فمستوى التهديدات كان مرتفعًا ولكننا مؤمنين بأن الطريق لا يمكن الرجوع عنها ولابد من الاستمرار لنيل الحرية.

تعرض المسماري لتهديدات عديدة في أوقات ومراحل مختلفة وكان يتحدث عنها دائمًا، وسبق وأن ابلغني بأنها لن تتوقف وفي يوم اتصل بي لأخذه من منزله لمقر أعلامي لكي يتداخل مع قناة “ليبيا الدولية” عبر الأقمار الصناعية.

في شهر يونيو قبل اغتياله بشهر وصلنا للمكان وتصادف تواجدنا بتواجد أحد القيادات المدنية “أحمد التواتي” الذي كانت لديه مداخلة كذلك، لم يتمكن المسماري من الظهور عبر الأقمار الصناعية بسبب خلل فني وقام بالدخول عبر الهاتف وانتقد بشكل حاد”محمد بوسدرة” واستغلاله لمنبر مسجد الأنصار بحي الحدائق للدفاع عن الفصائل والكتائب المسلحة الموالية للإسلاميين ودفاعه عن أمير قطر.

وأشار في المداخلة للتهديد الذي تلقاه من بوسدرة عندما أصدر ائتلاف ثورة السابع عشر من فبراير المؤسس بيان في شهر يوليو عام 2011 يندد باغتيال اللواء “عبدالفتاح يونس” ورفاقه ويطالب البيان بإقالة “جلال الدغيلي” ونائبه “فوزي أبوكتف” وتحقيق مع “علي العيساوي” أرسل بوسدرة تهديده للمسماري بالقتل، تحدث كذلك عن ملابسات واقعة المجزرة التي قامت بها كتيبة درع ليبيا1 وراح ضحيتها 42 مواطن برصاص مسلحين درع ليبيا، قبل خروجنا من المكان لأعود به لمنزله تداخل مع قناة الحرة الأمريكية.

وفي طريق العودة قال لي “مش قادر ندير سيارة ونبقي نفتش فيها في كل وقت لأن أقرب شئ حيحطولي تحتها عبوة ناسفة” رديت عليه ممازحا “وليش مش رصاص” قال “الرصاص ميقدروش حركتي محدودة”، حاولت تطمينه وقلت له “الموضوع مايوصلش للموت والقتل” رد “وراسك يدروها”، كان لديه شعور حقيقي بأن هذا اليوم سوف يأتي إليه وكل من عرفه في أيامه الأخيرة وكان قريب منه يعلم ذلك، ولكن كيف.؟ ومتى.؟ ظلت هذه الإجابات لدى الظلاميين، رفض حمل السلاح ليدافع عن نفسه أو يستعين بحراسه تحميه، فقط اكتفي بتقليل حركته وتبديل بين سيارات الرفاق لقضاء مشاويره.

في يوم الجمعة الموافق 26 يوليو 2013 بشهر رمضان المبارك، بعد خروجه من صلاة الجمعة في طريقه لمنزله اغتيل عبدالسلام المسماري المحامي والحقوقي الذي أعلن بيان انتصار الثورة، رفيق البسطاء والمناضل الوطني الذي لم يتنازل عن قضيته حتى موته على طريق الحرية، عرض عليه مغادرة ليبيا رفض و وظيفة بإحدى السفارات بالخارج فرفض وبقي يرفض وقرر البقاء وسط أهله وبين الشباب والقيادات المدنية لكي تبقي ليبيا، مناضلا بصوته المرتفع في وجه الظلام والإرهاب ومعارض شجاع ضد الهيمنة الاسلامية وأدواتها المسلحة الإرهابية والاستبداد بكافة أشكاله، في مساء يوم اغتياله اجتمعنا بفندق تيبستي واخرجنا مظاهرة ليلية شعارها أننا ماضون ولن نتوقف وليبيا وإن طال النضال.

انتهت المظاهرة أمام منزل أسرته، دفن المسماري يوم السبت دخلت صباحًا لرؤيته بمنزل أسرته وجدته نائما وطمأنينة على وجه قبلت رأسه واشتعلت بداخلي نار لم تنطفئ إلا بعد مضي شهور على اغتياله، في يوم دفنه تصادف دفن العقيد سالم السراح الذي اغتيل في نفس اليوم داخل أحد المساجد بمنطقة الليثي.

استمرت حركة شهيد لإحياء وطن حتي ذكرى اغتيال اللواء يونس ورفاقه يوم الأحد صعدت للمنصة وفي كلمة مباشرة عبر قناة “ليبيا أولا” قلت “أن اغتيال اللواء عبدالفتاح يونس كان اغتيالا لمشروع المؤسسة العسكرية بإيعاز قطري واغتيال المسماري هو اغتيال للصوت المدني وهذه الاغتيالات وقفت وتقف خلفها جماعة الإخوان المسلمين” كنت أدرك تمامًا أن الاغتيالات تقف خلفها الجماعة وحلفائها من التيارات الاسلامية الاخرى ولا يوجد في بنغازي سلاح متنفذ غير سلاحهم الغادر.

كانت المجاميع المسلحة الموالية لهم مكملة لبعضها ومتحدة في أعلى الهرم وتختلف في أسفله، يبدأ الاغتيال من تحريض مشايخهم عبر منابر المساجد والقنوات الإعلامية والصفحات الالكترونية ليتم تصدير التحريض بعد ذلك للمسلحين ليقوموا بتنفيذ الاغتيالات بناء عليه و وفق المنهج والعقيدة التي يؤمنون بها.

بعد اغتيال المسماري والكلمة التي ألقيتها على المنصة لم أتخذ قرارًا بالانسحاب وزاد الإصرار على الاستمرار رفقة صفوة وطنية شابة مخلصة لم تخون العهد بل جددته للمضي في طريق الحرية، اشتدت موجة الاغتيالات قوة وأصبحت التفجيرات تتوسع لتستهدف أغلب مراكز الأمن والمحاكم والمقرات الحكومية والتهديدات لم تتوقف، بقت تحاصرني حتى شهر يناير عام 2014 عندما أعلنت القوى المدنية عن حراك “لا للتمديد” للمطالبة بعدم التمديد للمؤتمر الوطني العام بعد يوم السابع من فبراير.

كالعادة اتحدت المنظومة لتحرض ضد الحراك وترهيبنا حتى خرج المفتي “الصادق الغرياني” مستخدمًا سلطته الدينية ليصف تحركات لا للتمديد في طرابلس وبنغازي وقياداته “بأن من يدعون لإسقاط المؤتمر هم فئة باغيه”، وفي يوم الخميس الموافق 6 فبراير 2014 شربت كوب الحليب وقطعه من الكعك و وجدت والدتي كعادتها بعد أن تنتهي من انهاء عمل المنزل جالسه وتشاهد التلفاز سألتها “ماتبيش شي من برا” جاوبتني ” لا لا سلامتك وين ماشي .!!” جاوبتها “إلى جامعة” ردت “مربوحة” غادرت المنزل في تمام ساعة تاسعة ونصف، اتصل بي الرفيق “منير المنفي” رئيس اتحاد طلبة كلية القانون ليبلغني بأنه يقوم بتجميع الطلبة لقراءة بيان مطالب بإطلاق سراح الطالب “علي ونيس بوخمادة” ويندد بالفوضى الأمنية ويدعم حراك لا للتمديد كما نسقنا في وقت سابق، أبلغته بأنني سأحاول الإسراع ركبت السيارة والأوضاع كانت طبيعية، وقفت على أحد المقاهي بجوار المنزل أخذت قهوتي منه وعند عودتي للسيارة حدث معي شيء لن أنساه طوال العمر، فمر بذهني في ثوانٍ صغيرة صور لمراحل بعيدة عن بعضها من حياتي.

لم أستوعب الأمر صعدت السيارة وفي الطريق وقبيل جسر طريق طرابلس، انفجرت العبوة الناسفة أصابتني ورميتني بدمائي على الطريق (طريق الحرية)،قوة الانفجار رمتني خارج السيارة التي ابتعدت عني لأمتار والدخان يتصاعد منها، التفتت على يمين جسدي وجدت نهرًا من الدماء يسيل منه فاستدركت بأن ما حدث هي عملية اغتيال وتأكدت بأنني بعد لحظات سوف أفارق الحياة، كانت السيارات تعبر من أمامي وأنادي المارة للإسعاف، مضت دقائق ونقلت لمستشفى الجلاء، دخلت للطوارئ وأنا في كامل الوعي وأودع كل الذين وقفوا أمامي بعد أن أعطيهم أسماء أفراد أسرتي وأرقام هواتفهم، تم نقلي لمركز بنغازي الطبي، و وجدت هناك أخوتي ورفاقي على رأسهم “منير المنفي” والمجموعة التي كانت تنتظرني بالجامعة تم إبلاغهم بعد أن قاموا بالاتصال بي فأجابهم شخص وقال لهم أن صاحب الهاتف أستهدف، ودعت الجميع ورددت ما يمكن ترديده من كلمات كانت ستكون وصية، أبلغني الدكتور “سعدالدين عبدالوكيل” لاحقًا في حالة انهياري وفقداني للوعي رددت “لابد من ليبيا وأن طال النضال” وكانت هذه آخر الكلمات فقدت الوعي بعدها تمامًا داخل غرفة العمليات وأخضع لجراحة استمرت 12 ساعة وأخذ جسدي ما يقارب 11 كيس دم للتعويض.

وبعد أربعة أيام استقرت حالتي وتمت الموافقة على إمكانية الخروج للخارج، ونقلي عبر الإسعاف الطائر إلى عمان الأردن .

الطريق إلى الحرية شاق وكلفنا الكثير، ومازلنا نسير في ثابت بأكثر وعي وأمل بتحدي الحاضر لأجل المستقبل والوصول للحرية واسترداد بلادنا لتعود لأهلها الطيبين المسالمين، وكما قال لي عبدالسلام المسماري في يوم عندما سألته “شنو الحل،،، هل نقف صامتين”.!! فرد عليا “وهل صمتنا يومًا يا عبدالله لعلك نسيت أول كلام قلته لك،، أن النضال الوطني رحلة مشقة طويلة، لن يكملها من يجعل اليأس زاده”، تستحق هذه الأرض بتاريخها الفداء والتضحية ولا ندم على العطاء لها ولا تراجع عن الدفاع عنها، فعلاً “لن يكملها من يجعل اليأس زاده” …

“اغتيال على طريق الحرية .. الحرب على الإرهاب … 6”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى