كتَـــــاب الموقع

لكل فساد ميليشيات تدافع عنه

سالم العوكلي

بتاريخ 18 نوفمبر 2021 وأثناء فترة الوهم بإمكان حصول انتخابات رئاسية. نشرت هذا الملصق على صفحتي:
(مجرد اقتراح .. فات وقته
المفروض ورد في قاعدة الانتخابات الرئاسية ما يشترط على من يرغب أن يرشح نفسه للرئاسة من الغرب أن يقدم أوراق ترشحه شخصيا ودون حراسة في مقر المفوضية ببنغازي بعد أن يمر بسبها، ومن يرغب في الترشح للرئاسة من الشرق أن يقدم أوراق ترشحه شخصيا ودون حراسة في مقر المفوضية في طرابلس بعد أن يمر بسبها، ومن يرشح نفسه من الجنوب أن يقدم أوراقه شخصيا ودون حراسة في بنغازي أو طرابلس بعد أن يمر بالمدينتين.
والسبب، أن من يستطيع أن يتنقل في كل ربوع ليبيا دون خوف هو من يستحق أن يكون رئيسا مقبلا لليبيا”).

وسأتطرق لسبب استعداءه من جديد في هذه الفترة التي تتصارع فيها حكومتان في ليبيا.

ذكرت أنه “مجرد اقتراح فات وقته”. عندما كن واهماً بأن الوقت يجري فعلا في ليبيا ، لكن الأيام والشهور والسنوات تثبت أن الوقت واقف وساعتنا راقدة، وأننا ندور في نفس الحلقة، ومن يطوقون هذه الحلقة حتى لا نخرج منها هم المستفيدون من هذا التوقف، المتنعمون بالفوضى، الحريصون على أن لا يتغير شي.

كنت فترتها أعتبر الأكثر صلاحية للوصول إلى أعلى منصب في ليبيا هو الشخص التصالحي القادر على التنقل في أرجاء البلد دون خوف، لأني آمنت ومازلت أؤمن أنه لن يحرك الوقت إلى الأمام ولن يحل مشاكل ليبيا، إلا من هم مستعدون للشروع في مصالحة حقيقية تمشي فوق قدمين على الأرض وليس مجرد شعارات زائفة، والقادرون على تقديم التنازلات وطي صفحة الدم وفتح صفحة البناء هم المفضلون لأي مجتمع يمر بأزمة خانقة.

حين نشر السيد فوزي باشاغا مقالة في جريدة بوابة الوسط، يتحدث فيها عن السلام والمصالحة كخيار، انتقدته بشدة لأنه كان أحد أطراف النزاع والحروب الأهلية في ليبيا، لكن مع الوقت يثبت الرجل أنه تغير وأنه قادر على جمع كل الأطراف والتناقضات حوله، وانطبق عليه شرط الشخصية التصالحية عبر تنقله في ليبيا، ورغبته في تجاوز جراح الماضي.

كثيرا ما تطرقت لوضع الميليشيات في طرابلس، ودعوت لتوحيد المؤسسة العسكرية كضمانة لسيادة الدولة وإنجاز استحقاقاتها الملحة، إيمانا بأنه، مع واقع الميليشيات، لن تقوم لليبيا قائمة، خصوصا حين هذه الميليشيات المارقة تسيطر على العاصمة (في أي مكان وفي أي زمان) . واغتاض مني الكثير من الأصدقاء والصديقات من طرابلس، بعضهم لامني لأني أتحدث على طرابلس بهذه الطريقة، والبعض شتمني، والبعض قاطعني، وكان ردي دائما أن طرابلس عاصمتي المسؤولة عن قوتي اليومي وفيها يكمن مستقبل ليبيا، وليست مجرد مدينة في الغرب الليبي. وكل يوم تثبت الأحداث أنها في قبضة ميليشيات خارجة عن القانون، وان أي حكومة أو سلطة ضعيفة تصل إلى طرابلس ستقع في قبضتها، لا وجود لشيء اسمه رئاسة أركان أو زارة داخلية أو مؤسسات رسمية إلا على الورق.

وما حدث أخيراً من اشتباكات، وما سيحدث مرارا في طرابلس، يثبت هذه الحقيقة المرة التي تجعلنا لا نفكر في أي شروع في بناء دولة، أو انتخابات، أو أي استحقاق يتعلق بالمستقبل، طالما هي تهيمن على العاصمة، بمدنيين يحملون السلاح وأمراء حرب شبه أميين يتقاسمون أحياءها كما تفعل عصابات المخدرات في بعض مدن أمريكيا اللاتينية.
ادبيبة، النموذج الذي يضجك الليبيين وهم يتصفحون مقاطعه على الإنترنت، هو السلطة العليا في طرابلس، غير أن مثل هذه الشخصيات القاراقوشية خطيرة جدا وحماقاتها قنابل موقوتة، وماذا تريد الميليشيات غير هذا النموذج الذي ستتحكم فيه بسهولة، ويزداد تحكمها فيه كلما دافعت عن كرسيه وسلطته. هذا النموذج الذي أرسلته لهم ستيفاني ويليامز في باكو مبهرج وملون كهدية في عيد رأس السنة.

تحدث فوزي باشاغا في مؤتمره الصحفي بمدينة سرت، بصراحة وأن كانت تنقصها الشفافية، لأنه من المفترض أن يسمي الأشياء بمسمياتها، وأن يطلع الليبيين على ما يعرف، فكون ادبيبة وصل إلى منصبه الحالي عبر دفع الرشى من أموال الليبيين المسروقة لبعض أعضاء الجسم الغريب الذي خلقته ستيفاني ويليام غصبا عن الليبين، معطيةً بظهرها للسلطة الوحيدة المنتخبة في ليبيا، أمر لا يختلف عليه اثنان. وقال باشاغا أنا سكتنا على ذلك وسلمنا السلطة منعا لإراقة الدم، غير أن إراقة قوت الليبين لا تقل خطرا، والمثل يقول “قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق”. كما تحدث عن الفساد أو عن شخص فاسد يتحكم في مصيرنا، وتمنيت لو ذكره بالاسم، لأنك لن تكسب رضا الليبيين إلا بالحديث الصريح والجريء عن الفساد وتماسيحه، ويأتي هذا الرضا من كون من يحكي عن الفساد بجرأة لابد أن يكون خارج دائرته، لأن مَن بيته من الزجاج لن يرمي الآخرين بحجر، وأفضل برنامج عمل يُقدم الآن لليبيين هو كشف الفساد، ورسم رؤية قوية للقضاء عليه، ووضع الفاسدين خلف القضبان، مثلما حدث في الجزائر والسودان اللتين وضع فيهما فاسدون حكموا لعدة عقود بالعصا خلف القضبان، ومثلما يحدث الآن في تونس، وشعبية الرئيس التونسي تأتيه من هذا الباب رغم ما يشكله من خطر على الديمقراطية الناشئة في تونس، لكن الكثيرين يعرفون أنه لا يمكن أن تقوم ديمقراطية أو دولة مدنية او أي نوع من الدولة في ظل فساد عارم، وكل المشاريع الديمقراطية التي فشلت في المنطقة وفي العالم عموما أجهضها الفساد. أما ما يخص مباشرة عمل حكومة باشاغا من سرت فهذا انقسام تكتيكي آخر، فليبيا التي وحدها النفط العام 1963 ، لا يوحدها الآن سوى المصرف المركزي، وكم هي وحدتها هشة.

بيت مالنا في طرابلس، وطرابلس في قبضة الميليشيات، والميليشيات في كل مكان وزمان عصابات خارجة عن القانون، وأي تفكير في بناء دولة القانون يهددها وجوديا، لذلك لا يمكن التفكير في أي مستقبل سياسي مع وجودها، وهي لا يمكن أن تلقي أسلحتها طوعا ويندمج أعضاؤها في المجتمع من جديد كمواطنين عاديين بعد هذا النفوذ الذي اكتسبوه والملاييين التي يتلاعبون بها. وهذه الاشتباكات المتكررة تنعشهم من حين إلى حين، وتزيد من قوة قبضتهم على أي سلطة تصل إلى طرابلس في حمايتهم. وماذا تعني لهم طرابلس سوى أنها مقر المصرف المركزي الذي تدور حوله كل المعارك مثلما تدور حول الهلال النفطي كل الصراعات الدولية.

وطالما الشارع الليبي غائبا فسنكون رهنا بأجندات إقليمية ودولية، ورهنا بمزاج ميليشيات مارقة يعكر صفوها أي تفكير في بناء دولة قانون، وإذا لم يعلن الشعب عن نفسه بقوة كما حدث في الجزائر والسودن، فالفاسدون سيستمرون في التحكم فينا وفي مستقبلنا إلى أجل غير معلوم، يلقون بكل مرة الفتات لشرائح يائسة يتملقون رضاها، وليس من أجل هذا ظهر الليبيون في مغامرة وجودية في الميادين ضد أحد أعتى النظم الدكتاتورية، وليس من أجل هذا دفع الكثير من الشبان حيواتهم في صراع إسقاط نظام العائلة الجائرة الذي تحاول عائلات أخرى أن تحل محله، وأن تبدأ من حيث أنتهى عبر استخدام الكتائب والميليشيات الموالية للدفاع عن مقاراتها وسلطتها غير الشرعية. .

لا يعنيني شخصيا أي اسم ممن أذكرهم فقط أريد وطنا، وحين أُجبر على الاختيار في لحظة مفصلية أدلي برأيي، ففي ليبيا كفاءات كثيرة في الظل تستحق أن تكون جزءا من نظام جدارة يخرج بنا من النفق، لكن التاريخ يخبرنا أن كل أزمة لابد أن تنتج رجال الحل أو نساءه من داخل الأزمة نفسها كي تخرج من عنق الزجاجة، مثلما فعل السيد بشير السعداوي في لحظة مفصلية في تاريخ ليبيا متحاشيا انقسامها، ومثلما فعل أشخاص كثيرون خرجوا من السجن في ظل النزاع وكانوا هم الحل.
لقد سبق أن تنحي ملك بسلاسة عن السلطة، وهو من ناضل نصف قرن في ليبيا حتى أسهم في نيل استقلالها وفي بناء دولتها الوطنية الحديثة، وسبق أن تنحي أكثر من ثلاثين رئيس وزراء بسلاسة وصولا إلى السراج والثني، واثنان فقط حتى الآن رفضا التنحي مهددين بحرب أهلية، هما القذافي وربيبه ادبيبة، وكلاهما يستخدم كتائبه وميليشياته الخاصة تشبثا بالسلطة.

قال القذافي مرة أنا وصلت إلى السلطة بالقوة وعلى من يريدها أن يأخذها بالقوة. وربما سيقول ادبيبة يوما: أنا وصلت إلى السلطة بالرشوة وعلى من يريدها أن يدفع أكثر. فكر في ذلك يا سيد فوزي واجعل رشوتك لليبيين هو الوعد الصادق بمحاربة الفساد وتوحيد المؤسسات والتمهيد لبناء دولة مدنية حديثة ووضعها على طريق ااستحقاقاتها المدنية المصيرية، وأهمها الانتخابات الرئاسية والنيابية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى