كتَـــــاب الموقع

هل كان أبوليوس رومانيا؟

كارلوس نورينا(1)

ترجمة: عمر أبوالقاسم الككلي

هل كان أبوليوس(2) رومانيا؟. بساطة هذا السؤال تناقض تعقده، وتظل الإجابة عليه، إن وجدت، مجرد وجهة نظر. فباعتباره خطيبا من القرن الثاني الميلادي، عاش ضمن حدود الإمبراطورية  الرومانية وكتب باللاتينية، يعتبر الباحثون المعاصرون أبوليوس رومانيا. وبما أنه كان يتحدر من مستعمرة، مثلما يعلن هو نفسه في الفصل 24، فإن وضعه القانوني هو وضع المواطن الروماني. وعلى أية حال لابد من ملاحظة أن أبوليوس، حتى وهو مواطن روماني أمام محكمة رومانية وفق القانون الروماني وفي حضرة حاكم روماني هو كلاديوس ماكسيموس، لم يصرح ولو لمرة بأنه روماني. هذا الأمر النام على تبصر يحتاج إلى الانتباه. فقبل التطرق مباشرة إلى التهمة الرئيسية، وهي تهمة السحر، استعرض أبوليوس جذوره (فصل 24). فنبه إلى أن متهمَيه قد أثبتا، بناء على كتاباته، أن مسقط رأسه كان على حدود نوميديا(3) وغايتوليا(4). ونحن نعلم من خلال أوغسطين(5) (مدينة الله. 8. 14) أن أبوليوس ولد في مادورُس(6)، وهي مستعمرة تقع جنوب نوميديا ( قارن: CIL 8. 4672 حيث يتم التأكيد على أن مادورس مستعمرة). كما أن أبوليوس يعترف بأنه سبق له أن وصف نفسه في خطبة على الملأ بأنه نصف نوميدي، نصف غايتولي. كانت نوميديا موطن تحالف قبلي عريض وقوي غرب إقليم طرابلس[ المدن الثلاث] وكان الغايتوليون رعاة يعيشون في الدواخل المحاذية للساحل، ولكن اسم غايتولي أصبح دلالة على جميع القبائل التي كانت تعيش في المنطقة المتاخمة للصحراء فيما وراء خط الاستقرار الحضاري. وتكشف رواية بليني(7) حول شمال أفريقيا (5. 24. 39) عن هيكل تنظيم قبلي مستقر. كانت همجية barbarism القبائل تقاس ببعدها من ساحل المتوسط حيث تعتبر القبائل الأبعد(تلك التي في أعماق الداخل) الأكثر همجية. وإذن علينا أن نتوقع، وفقا لذلك، أن متهمي أبوليوس عيراه بهمجيته الواضحة، وفي الواقع فإن أبوليوس سأل متهميه كيف استقام لهما أن يتقبلا فصاحته الأغريقية ومولده الهمجي في وقت واحد. ويعلن أبوليوس بأنه لا يوجد سبب يدعوه إلى الخجل من أصله المختلط مقارنا نفسه بـكورش(8) الذي كان نصف ميدي(9) نصف فارسي. وعلى أية حال فإن الأمر الأكثر أهمية لتقديم أبوليوس لنفسه كان إيضاحه بأن شخصية المرء، وليس مسقط رأسه، هي الدال الحقيقي على أهمية مكانته. وقد استدل أبوليوس بشخصيتي أناكارسِس(10)، حكيم سايث، وملتايدز(11)، أحمق أثينا، كمثلين على الأشخاص الذين يتناقضون تماما مع الأماكن التي يتحدرون منها. إن الإشارة إلى أناكارسس ذات دلالة خاصة. فنحن نعلم، بفضل هيردوت ( . 76-7) أن أناكارسس بعد تطوافه في مدن اليونان واكتسابه معرفة واسعة قد أعدم من قبل السايثينيين لمحاولته إدخال دين أجنبي هو عبادة الأم الكبرى(12)، والتناظر مع وضع أبوليوس واضح هنا، ومن غير المستبعد أن أبوليوس كان يسعى، من وراء ذلك، إلى الانتساب، قوميا، إلى الحكيم السايثيني. وهكذا فإن أبوليوس لا ينكر تحدره من مكان يبدو، في عيون متهميه وأهالي صبراتة،” همجيا”. إنه يشير فقط إلى أنه قدم من مستعمرة (وهو وضع قانوني لا ينطبق على صبراتة آنذاك) ويعلن أن والده قد شغل منصب الديوأمفر(13) هناك (فصل 24). وأيا كان الوضع القانوني لعائلته في مادورس، فإن وضعه في صبراتة كان وضع الأجنبي. ذلك أن إعلان المرء في صبراتة بأنه مواطن روماني لن يكون له، في أفضل الأحوال، سوى وزن ضئيل. وهذا لا يعني بالطبع أن أبوليوس كان قانعا بتعريف نفسه على أنه ليس سوى هجين نوميدي-غايتولي تصادف أنه متحدر من مستعمرة. فالتمثلات المتكررة التي كان يوردها من هوميروس وأفلاطون وفيرجل لدعم حججه المختلفة تتيح له وضع نفسه ضمن إطار هذه النخبة. لأن هذه المجموعة المثقفة تعد رموزا لأعلى قمم الثقافة الإغريقية-الرومانية وتتعالى على صفة الرومانية. وبتقديم أبوليوس لنفسه كرجل قلم يمكنه، بالتالي، تقديمها كمواطن عالمي. وإذن فلا يمكننا القول بأن أبوليوس روماني إلا بالمعنى القانوني الدقيق. فعلى الرغم من أنه كان، حسب القانون، مواطنا رومانيا، إلا أنني أشك شكا قويا بأنه كان ينظر إلى نفسه على أنه كذلك، وما قراره بعدم وصف نفسه بالروماني في خطاب يقدمه أمام حاكم روماني في محكمة قانونية إلا دليلا على أن صفة الروماني لم تكن تمنح مدعيها وجاهة اجتماعية مهمة في صبراتة سنة 158 م. من المؤكد أن أبوليوس كان مواطنا رومانيا، كما أنه أقر بأنه نصف نوميدي، نصف غايتولي، إلا أنه لو سئل أن يعرف نفسه فمن المحتمل أنه كان سيجيب، ببساطة،”أنا حواري أفلاطون”.

 

(1) Carlos Norena   أكاديمي أمريكي متخصص في تاريخ الإمبراطورية الرومانية.

(2) Apuleius  Lucius( ولد سنة 123م) أديب لاتيني من شمال أفريقيا (يعتبره الجزائريون جزائريا و الليبيون ليبيا). يعود الفضل للدكتور علي فهمي خشيم في التعريف به منذ فترة مبكرة من النصف الثاني من القرن الماضي وقد ترجم له عدة آثار أبرزها “دفاع صبراتة” و ” الجحش الذهبي” التي يعتبرها كثيرون أقدم رواية معروفة.

 (3) Numidia  مملكة قديمة في شمال أفريقيا أصبحت منطقة رومانية فيما بعد، وهي الجزائر الحالية.

(4)  Gaetulia مستعمرة رومانية قديمة تقع جنوب الجزائر الحالية.

(5) Saint Augustine (354-430م) لاهوتي وفيلسوف كاثوليكي أصله من شمال أفريقيا. حاول التوفيق بين فلسفة أفلاطون والعقيدة المسيحية.

(6) Madaurus مدينة نوميدية قديمة تقع على وادي مجردة بتونس استعمرها الرومان حوالي نهاية القرن الأول الميلادي. اشتهرت بمدارسها.

(7) Pliny (23-79م) سياسي وأديب ومؤرخ روماني.

(8) Cyrus (ت 529 ق.م) ملك فارس(550-529). مؤسس الإمبراطورية الفارسية.

(9) Mede أحد الشعوب الهندو-أوربية دخل شمال شرق إيران في حوالي القرن السابع عشر قبل الميلاد ليستقر على أرض سهلية عرفت فيما بعد بميديا Media.

(10) Anacharsis فيلسوف سايثيني انتقل من موطنه على سواحل البحر الأسود الشمالية إلى أثينا في بداية القرن السادس قبل الميلاد وكان خطيبا مفوها و لعله رائد الكلبيين. فقدت جميع أعماله. والساثانيون Scythes شعب إيراني قديم بدوي احترف الرعي وركوب الخيل.

(11) Meletides لم نفلح في العثور على تعريف به.

(12)  Magna Materعبادة الأرض بوصفها أما كبرى وأساسا للحياة.

(13) duumvir أحد الحاكمين في حكومة الاثنين الرومانية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى