كتَـــــاب الموقع

“من سرق حق الشعب.!!”

عبدالله الغرياني

بحسب الإحصائية الرسمية الصادرة عن المفوضية الوطنية العليا للانتخابات فإن عدد الناخبين الذين استلموا بطاقتهم الانتخابية بلغ مليونين و 465 ألفًا و 648 مستلم من أصل 2,865,305 مسجلين بمنظومة الناخبين بالداخل والخارج، أي أننا نتحدث عن 87 % من نسبة المسجلين لديهم الرغبة الحقيقية في الذهاب لانتخاب سلطات جديدة تنهي السلطات الحالية والتي تجاوزات مددها لسنوات تكاد تختم خلال الاشهر القادمة عقدًا كاملًا، ونبدأ من المؤتمر الوطني العام الذي تحول بعد اتفاق الصخيرات للمجلس الاعلى للدولة ورغم انسحاب واستقالة ما يقارب عن 93 عضوًا من هذا الجسم إلا أنه مازال مستمر برئاسة عضو فرع تنظيم جماعة الإخوان المسلمين في ليبيا “خالد المشري” الذي انتخب ضمن قائمة حزب العدالة والبناء عن دائرة الزاوية في انتخابات يوليو عام 2012 وحصل هذا الجسم على صفة الاستشاري لمجلس النواب الذي هو الآخر انتخب في آخر انتخاب لسلطة تشريعية في ليبيا في يونيو عام 2014 كجسم مؤقت بمهام محددة حتي أكتوبر عام 2015 وحصل على فرصة التمديد والبقاء هو الاخر من اتفاق الصخيرات ليستمر حتي هذا اليوم جسمًا تشريعيًا يغامر بالبلاد مع المجلس الاعلى للدولة حيث تتظاهر هذه الأجسام في العلن بأنه أجسام تعارض بعضها وفي الخفاء تعمل جاهده لإفشال أي مسار يؤدي لإجراء انتخابات تنتج جسم تشريعي بديل لهم ينهي حالة العبث والانقسام التي تسببوا فيها طوال السنوات الماضية والتي بدأها المؤتمر الوطني العام بشكله الحالي المتمثل في المجلس الأعلى بدعم انقلاب فجر ليبيا الرافض لنتائج انتخابات مجلس النواب والانقلاب على مخرجات لجنة فبراير التي مهدت لانتخابات مجلس النواب.

هذه الأجسام التشريعية؛ كانت ولازالت السبب في معاناة ومآسي الشعب الليبي المتعددة ومن خلال هذه الأجسام تشكلت حكومات كثيرة قادت مؤسسات الدولة للانهيار وانعدام الخدمات والمشاريع وعززت ثقافة الفساد والنهب بين وزرائها والمسؤولين فيها وكل هذا بشرعية هذه الأجسام التشريعية، ابتداءً من حكومة الإنقاذ الوطني “حكومة فجر ليبيا” التي انتهزت خلال أشهر وتسببت في فساد مالي كبير حيث كلفها المؤتمر الوطني لتكون سلطة موازية للحكومة المؤقتة التي منحها مجلس النواب الثقة والتي استمرت في مهامها سبع سنوات حتى بعد اختيار حكومة الوفاق المنبثقة من اتفاق الصخيرات، وأصبحت البلد تقاد لخمس سنوات من قبل سلطتين تنفيذيتيْن إحداها برئاسة “عبدالله الثني” شرقًا وأخرى برئاسة “فائز السراج” غربًا وأصبحت تتعاطى السلطات التشريعية مع السلطتين ولكل سلطة تنفيذية بنك مركزي كون البنك المركزي كذلك طاله الانقسام، حيث فشل مجلس النواب في عزل “الصديق الكبير” من منصبه كمحافظ لمصرف ليبيا المركزي الذي يتنفذ في موقعه معتمدًا على المليشيات المسلحة بالعاصمة طرابلس، الأمر الذي جعل مجلس النواب يتمسك بنائبه الذي يترأس البنك المركزي في مدينة البيضاء.

وبعد هذه السنوات من الانقسام؛ خرج أمل لنهايته من خلال تحديد مسار سياسي اتفق على انطلاقه في مؤتمر برلين الأول في يناير 2020 وتولت مبعوثة الأمين العام للأمم المتحدة بالإنابة “ستيفاني وليامز” وفريق البعثة مهمة التأسيس لهذا الملتقى أو الفريق السياسي الذي سوف ينطلق من خلاله رسميًا المسار السياسي، حيث تم اختيار ممثلين داخل هذا الملتقى من مختلف الأطراف السياسية والاجتماعية ومن المكونات والمجتمع المدني والشباب ليعملوا على وضع خارطة توافقية تحدد ملامح لمشهد سياسي جديد ينهي حالة الانقسام القائمة آنذاك والانسداد السياسي، ورغم الخلاف والاحتجاج الذي أبدته عدد من القوى السياسية على ألية اختيار اعضاء هذا الملتقى من وليامز وفريق البعثة الأممية، التقي الملتقى في لقاءات متعددة افتراضية و واقعية بتونس وجنيف واخرج خارطة سياسية ابرز محطاتها ما تم الاشارة إليه في وثيقة برلين اختيار سلطات تمهد لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية حرة ونزيهة تنهي الصراع وتضع حل سياسي شامل، وحدد الملتقى موعد للانتخابات في الذكري السبعون لاستقلال ليبيا بالرابع والعشرين من ديسمبر 2021،واجريت عملية التصويت داخل ملتقى الحوار على القوائم المتنافسة لشغل مناصب رئاسة المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة بتزامن افتتح مزادًا علنيًا داخل الملتقى أمام مرأى ومسمع الجميع ومن بينهم وليامز وفريق البعثة، انتهى المزاد الذي سبقه مزاد آخر في عملية تزكية المترشحين ودخولهم للمنافسة والمقصود هنا بالمزاد هو عمليات تقديم الرشى والوعود بالمناصب والامتيازات التي تم عرضها داخل الملتقى، وانتهي المزاد بفوز قائمة ترأس من خلالها عبدالحميد الدبيبة ابن آخ عضو ملتقى الحوار السياسي علي الدبيبة حكومة الوحدة الوطنية ويترأس محمد المنفي رئاسة المجلس الرئاسي، فوز هذه القائمة ورغم قضية الرشوة المقيدة بها التي فجرها عدد من اعضاء الملتقى قبل حتي نجاحها شكل صدمة لدي الكثيرين حتى على مستوي دولي وإقليمي كون القائمة التي كان من المتوقع فوزها هي قائمة تجمع رئيس مجلس النواب الحالي “عقيلة صالح” ووزير داخلية حكومة الوفاق الاسبق “فتحي باشاآغا”، ولكن أتت الرشوة والتحالفات الخفية بالقائمة التي لم يتوقعها الجميع، وإسقاط هذه القائمة بعد فوزها بالملف المقيدة به أصبح أمر محرج للغاية بالنسبة لـ “ستيفاني” وأعضاء الملتقى الذين تغاضوا عن فتح تحقيق فوري في القضية ومحاسبة المتورطين من بينهم اعضاء داخل الملتقى، مُنحت بعد ذلك الحكومة الثقة في سرت من قبل مجلس النواب وأهم مهامها التمهيد لإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية في 24 ديسمبر 2021، في المقابل مهد الموالون لهذه الحكومة داخل ملتقى الحوار السياسي “المرتشين” من بينهم أعضاء بمجلسي النواب والدولة وشخصيات تنتمي لجماعة الإخوان المسلمين لعملية إفشال ممنهجة للانتخابات وجعل حكومة الوحدة الوطنية حكومة أمر واقع بمشروعية توافقية معترف بها دوليًا كسابقتها حكومة الوفاق الوطني، وتمثلت محاولات الإفشال في مسألة التوافق على القاعدة الدستورية داخل المتلقي والإشارة مبكرًا على أن الانتخابات لن تُجرى ولابد من الدستور للاستفتاء أولًا وبعد اصدار قوانين الانتخابات من مجلس النواب أصبحت ذاتها الأصوات تنادي بضرورة وضع قوانين توافقية وغير اقصائية متنازلين عن ورقة الاستفتاء على الدستور ومن هذه الأصوات “عبدالحميد الدبيبة” الذي أقحم نفسه في الصراع لضمان استمرار حكومته ليستمر النهب الممنهج لأموال وموارد الدولة كما أثبتت المئات من الوثائق المسربة من تقارير ديوان المحاسبة ووزارة المالية عن حجم الفساد الذي قامت به الحكومة رغم تقنين بنود الصرف من قبل مجلس النواب لها، وهذا الأمر جعل مجلس النواب يتخذ خطوة بعد حالة من عدم الانسجام بينه وبين الحكومة بسحب الثقة قبل الانتخابات بثلاثة أشهر، استمر المسار رغم الارتباك السياسي وتصاعد المواقف حيث استثمر مجلس النواب ورقة الانتخابات أمام الحكومة التي وجد رئيسها نفسه أمام أبواب المفوضية الوطنية العليا للانتخابات متقدمًا بأوراق ترشحه لرئاسة الدولة بعد كل تصريحات ومواقف الرفض والمعارضة التي أبداها طوال الأشهر التي سبقت موعد الانتخابات وأيدته في هذه المواقف تيارات متعددة من ابرزها تيار المفتي المعزول الصادق الغرياني والمجلس الأعلى للدولة وأخرى نفعية تتوافق دائمًا مع مواقف هذا التيار الشاذ.

المفوضية الوطنية العليا للانتخابات وجدت نفسها في واجهة المدفع في غياب تام لدور مجلس النواب الذي كان عليه أن يقف ويراقب تطبيق القوانين ومنع تجاوزها والوقوف مع المفوضية في أهم مراحل المسار الانتخابي وآن يكون في حالة انعقاد دائم حتى الانتهاء من الاستحقاق الانتخابي، وأتى الرابع والعشرون من ديسمبر و وجد الليبيين أنفسهم أمام انسداد سببه المخالفات القانونية للقانون الانتخابات الرئاسية وأبرزها مخالفة رئيس حكومة الوحدة الوطنية لشروط الترشح وقبول ملفه تجاوزًا من قبل المفوضية العليا للانتخابات ومرشحين آخرين أخرجتهم القائمة الأولية وحالة من التخبط والخيبة ولاوجود لأي تبرير للأحداث ومصير الانتخابات وماذا سيفعل الليبيين الذين تعطشوا للانتخابات وحقهم في انتخاب سلطاتهم وتجديد الشرعية وانهاء المراحل الانتقالية وعبث الحكومات التوافقية، وقف الجميع مصدومًا أمام تخاذل الرادع الدولي المتمثل بمجلس الأمن الذي لوح في بياناته بفرض عقوبات على المعرقلين للانتخابات وصمت بقيةالرعاة الدوليين للمسار السياسي أمام هذا الانحراف والعبث، تخاذلٌ؛ شعرت به جموع الليبيين وفرصة استغلتها هذه المجالس للعودة بعد اسبوعين من الموعد المحدد للانتخابات لتمارس العرقلة من جديد والقضاء على أي فرصة تجعل من الليبيين يوجهون للانتخابات، مجلس النواب أصبح يناقش من خلال لجنة وضع خارطة الطريق سبل تشكيل حكومة جديدة وطرح الدستور للاستفتاء الأمر الذي سوف يجعل موعد الانتخابات بعيد المنال، وتستمر هذه المجالس والحكومات ومعها يدخل الليبيون في دوامة الانقسام من جديد، فالمعطيات على الأرض تشير إلى أن حكومة الوحدة الوطنية لن تقبل بحكومة يخرجها البرلمان وأصبحت تتحدث كأنها حكومة أتت لأجل الانتخابات ولن تقبل التسليم إلا لسلطة منتخبة، والمجلس النواب وضعها حكومة منتهيه الولاية، بوادر لانقسام جديد وحالة من الفوضى السياسية تتحمل مسؤوليتها بالدرجة الأولى المستشارة السياسية للأمين العام للأمم المتحدة الحالية “ستيفاني وليامز” ومنظومة الأمم المتحدة ويشاركها في تحمل هذه المسؤولية أعضاء ملتقى الحوار السياسي الليبي، والقناعة التي يمكن الوصول إليها اليوم أن عدم استقرار هذا البلد قرار دولي من خلال وسطاء الأمم المتحدة وأما اللاعبون المحليون المتمثلون في هذه الأجسام والحكومات فما هم إلا أدوات لأطراف خارجية تعزز بهم حالة الفوضى والخراب مقابل اشباع أنفسهم على حساب طموحات الشعب الليبي في الوصول لحالة استقرار دائم ينهي مآسيه وأزماته ليستطيع من خلالها مواكبة التقدم الذي يشهده العالم اليوم، ويظل حسم هذا العبث ما زال بيد الشعب الليبي الذي فجرّ ثورته الشعبية قبل عقد ونضال وكافح أمام الإرهاب وقاوم التدخل الخارجي في شؤونه الداخلية وتظاهر واعتصم من أجل حقوقه في مختلف الساحات والميادين وصنع التغيير في أكثر من حدث وهو اليوم قادر على الخروج من جديد لإحياء شرعيته وإثبات أنه باقٍ حيًا ولن يخضع للموت الجماعي الذي تمارسه هذه الأجسام والطبقات السياسية الفاسدة.

“من سرق حق الشعب سوف يدفع الثمن غاليًا.. فالحقوق لا تُسرق وإن سرقت، سوف يكلف استردادها السارقين كثيرًا”.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى