اهم الاخباركتَـــــاب الموقع

لا حل مع من كانوا السبب في ما حلَّ بنا

سالم العوكلي

إبان انعقاد ملتقى الحوار الليبي أو لجنة الخمسة وسبعون، ورغم الشك في نزاهة بعض أعضاء هذه اللجنة، توجه بعض المثقفون والأكاديميون والفنانون والناشطون ببيان يرجون فيه من أعضاء ملتقى الحوار الاقتداء بالآباء المؤسسين والنزاهة في صياغة خارطة طريق نظيفة للخروج من الأزمة، لكن ما حصل للأسف أن تسرب الفساد إلى هذه اللجنة المؤسسة، وحادت عن نهج المؤسسين الأوائل، بين دافع للباطل وبين ساكت عن الحق. ما أدى في النهاية إلى مرحلة انتقالية أقل ما توصف به الكارثة.

لم يكن فشل إجراء الانتخابات في موعدها وليد هذه الأشهر التي سبقتها، ولكن بدأ مع الطريقة الغريبة التي أختير بها أعضاء ملتقى الحوار الليبي، حيث تسللت إليه بعض الشخصيات الإشكالية المعرقلة بطبيعتها لأي تحول ديمقراطي، كما تسلل إلى عضويته أرباب المال الفاسد الذي عاث خرابا في مخرجات هذا الملتقى.

كما ولِدتْ فكرة الانتخابات ميتة بمجرد اختيار قائمة سلطات انتقالية عبر استخدام المال الفاسد ودفع الرشى، وتمخض هذا الفساد داخل ملتقى الحوار عن قائمة ضعيفة لا تستطيع أن تتصدى لمرحلة ما قبل الانتخابات المعقدة، فمن كانوا على رأس المجلس الرئاسي والحكومة لا خبرة لهم سابقة أو لاحقة في العمل السياسي، ولا وجود لهم على الأرض التي تتعقد فوقها الأزمة.

فلو فازت، مثلا قائمة، عقيلة/ باشاغا، التي كان متوقعا فوزها، وهي أفضل السيئين، لربما كانت ، من منطلق عملي، ستنجح في إتاحة مناخ من المصالحة يهيء البيئة الصالحة لما بعدها من استحقاق انتخابي ، لأن من كانوا على رأس هذه القائمة كانوا جزءا من الأزمة التي تعرضت لها ليبيا ولديهم رغبة واضحة، في إنقاذ تاريخهم، وفي تخفيض مستوى الاستقطاب والانقسام، كما أن لهم حضور على الأرض وتمثيل معقول لعديد من الأطياف الاجتماعية والسياسية والعسكرية، والأهم قدرتهما الواضحة على الالتقاء وتجاوز رواسب الصراع.

الغريب،، رغم الشبهات الموثقة التي طالت آلية اختيار هذه القائمة، لم تتحرك بعثة الأمم المتحدة، ولا مجلس النواب، ولا مجلس الدولة، للتأكد أو التحقيق في هذه الشبهات التي، إن صحت، ستجعل كل ما بني على الفساد فاسدا، وهذا ما حصل أخيرا. وهذا الصمت أو التواطؤ حيال هذا الفساد وضع المسمار الأول في نعش الانتخابات. وحين وجه بعض أعضاء لجنة الحوار التهمةَ بالرشوة للسيدات داخل الملتقى، أصدرن بيانا قويا وجهن عبره رسالة لبعثة الأمم المتحدة تطالب صراحة بالتحقيق في هذه الشبهات وكشف المتورطين، لكن البعثة المصرة على المضي قدما ولو فوق حقل من الألغام لم تعر هذا المطلب اهتماما. وكأن الفساد خصوصية ليبية يجب ان تراعيها البعثة والدول الفاعلة في التعامل مع الشأن الليبي.

وهذه القائمة التي لاحقتها الشبهات مازالت مستمرة في سلطاتها رغم انتهاء الفترة المحددة لها ب 24 ديسمبر 2021، ويأتي هذا التسيب الأممي واللامبالاة المحلية من واقع فرضته مراحل من سياسة الأمر الواقع التي تعاقبت على ليبيا طيلة العقد الأخير، حيث مررنا بخمس مراحل انتقالية، وكل مرحلة كانت تزيد الأزمة استفحالا والفساد انتشارا، وعلى هامش هذه المراحل كانت الميليشيات المسلحة تتكاثر وتتقوى وتزداد هيمنتها على الدولة ومؤسساتها السيادية.

وهذا الوضع الذي تستفيد منه طبقة سياسية محمية بالميليشيات، وأشخاص في أجسام الدولة لا يريدون ترك مقاعدهم، سيستمر دون حدود طالما الضغط الشعبي غائبا.

سأظل أخاطب الليبيين المتضررين من هذا الوضع المتزايد في التعقيد والبؤوس، بالتدخل بشكل سلمي عبر التظاهرات أو بالعصيان المدني، ويكفي انتظار الحلول المستحيلة التي لن تأتي من أشخاص وأجسام نخرها الفساد، وسحرتها فتنة السلطة، وتدرك أن وجودها في السلطة مرهون بالفوضى واستمرار الأزمة كما هي. وأي حل يعيد بناء الشرعية سيخرجهم من المشهد، وخروجهم منه يعني دخولهم خلف القضبان حين تحل ساعة المحاسبة وتحقيق العدالة الانتقالية، ويثبت هذا إصرارهم الصفيق على أن يستمروا في مناصب عليا في المرحلة اللاحقة أو إفشالها. لا حل سوى أن يعلن القطاع الواسع من الليبيين المتضررين عن وجودهم فوق الأرض، خصوصا الشباب، والشروع في الضغط على هذه الطبقة المعرقلة لأي حل أو مبادرة، فتسجيل أكثر من مليونين ونصف في سجل الانتخابات بمثابة استفتاء شعبي يعكس رغبة المجتمع في التغيير وحسم مسألة الشرعية وإيقاف هذا العبث، لكن القلة التي تحمل السلاح وتملك المال الفاسد، مازالت تقف في وجه هذه الأغلبية الغالبة وتفرض إرادتها بالقوة. ملايين من الناخبين جهزوا أنفسهم لهذا الموعد الذي سموه يوم العرس الوطني، لكن الانتهازيين والفاسدين سرقوا منهم الفرحة بهذا العرس، مثلما سرقوا وطنهم وثروتهم وحلمهم، وحتى بطاقاتهم الانتخابية، ولا يمكن لأي لصوص أن يخرجوا من البيت الذي اقتحموه إلا حين يسمعون وقع اقدام آهالي البيت عائدين إليه.

من المفترض أن من سجلوا في الانتخابات أن يشكلوا قوة سياسية مكان فعلها الميدان، وأن يدافعوا عن خيارهم وحقهم، ويخرجوا حاملين صور من كانوا ينوون انتخابهم في السلطة الرئاسية والتشريعية، لتنتشر في ساحات الوطن وشوارعه آلاف الصور، ولكي نغادر زمن الصورة الواحدة، مخلصين لنشيدنا الوطني الذي يقول “لن نعود للقيود”.

ثورة فبراير قام بها الشباب الواعي والمثقف من عمر 20 إلى 35 سنة، وهم من نظموا الانتفاضة في مواقع التواصل وحددوا موعدها، وهم من خرجوا في وجه النظام إلى الميادين والساحات، وهم من أسسوا إعلامها الإلكتروني ونقلوها للعالم، وهم من دفعوا الضحايا حين عَسكَرَ النظامُ هذه الثورة رغما عنها بإفراجه عن الجماعات الإرهابية من السجون. ولأن أعمارهم الآن من 30 إلى 45 إضافة لمن ألتحقوا بهم من شبان كانوا أطفالا يرسمون علم الاستقلال على وجوههم فترة الثورة، عليهم أن يتواجدوا بشكل سلمي ومتواصل في الشارع والميادين، وأن يستعيدوا ثورتهم وحلمهم وهدفهم الواحد آنذاك، فهم أسقطوا أعتى النظم الدكتاتورية ولن يعجزوا عن إسقاط هؤلاء البهلوانات والمهرجين الذين يتصدرون المشهد ويزيدونه كل يوم تعقيدا. الذين لا هم لهم سوى أن يزيدوا الاحتقان والاستقطاب بين أجزاء ليبيا كي يستمروا في السيطرة والنفوذ والفساد.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى