العالم

زمبابوي.. خروج موغابي “فرصة”.. وآمال بشأن الانتعاش

ترجمة خاصة 218TV

* مجموعة الأزمات الدولية

سنحت الفرصة للرئيس إمِّرسون منانغاوا للانخراط في عملية ملحة تتعلق بالإصلاح الحكومي والاقتصادي في زمبابوي. ودور الجيش في التحول السياسي يلقي بظلاله على الطريق نحو انتخابات نزيهة التي تظل أولوية لحكومته كي يحظى من خلالها بشرعية وطنية ودولية.

ما هي القضية؟ بعد تدخل الجيش الزمبابوي لإنهاء حكم الرئيس السابق روبرت موغابي الذي دام 37 سنة، فإن استمرار حضوره كلاعب سياسي رئيس قد يعقد مهمة الرئيس الجديد العسيرة التي تتطلب إعادة تأسيس حكم فعال، ومحاربة الفساد وتهئية المسرح لانتخابات نزيهة في 2018.

ما أهمية هذه المسألة؟ على الرئيس إمرسون منانغاوا وحزبه الحاكم ضمان انتخابات حرة وعادلة، وتسريع الإصلاحات الاقتصادية والسياسية، كي يتسنى تأسيس شرعيتهم ويحظوا بإمكانية تسهيل الديون ودعم المانحين.

ما العمل؟ على الفاعلين الدوليين الضغط على الرئيس الجديد للقيام بالإصلاحات، انتهاج سياسة شفافة واحترافية، وتهيئة المجال لانتخابات 2018 وتعزيز المصالحة الوطنية بعد انتهاكات الحكومة السابقة.

إمِّرسون منانغاوا
إمِّرسون منانغاوا

1- نظرة عامة

بعد قضاء 37 سنة في السلطة، لم يعد روبرت موغابي رئيسًا لزمبابوي. ففي غضون ثمانية عشر يوما من شهر نوفمبر قاد النزاع الذي جرى بين أجنحة الحزب الحاكم حول خلافة إمرسون منانغوا، الذي كان نائبًا للرئيس حينها، إلى أن يصبح، في النهاية، الرئيس الفعلي. فقد أجبر الجيش، الذي كان يهدف إلى الحفاظ على المصالح التي شعر أنها مهددة من المتنازعين داخل الحزب الحاكم “جبهة اتحاد النضال الوطني الأفريقي بزمبابوي” المعروف اختصارا بـ “زانو – ب. إف

Zimbabwe African National Union–Patriotic Front (ZANU-PF)

وفي 24 نوفمبر عين مكانه منانغاوا، الذي كان قد فر من البلاد خوفا من الاغتيال. وسرعان ما عزز سلطته من خلال تعيينه مجلس وزراء من المؤيدين بمن في ذلك ضباط من الجيش ومحاربين قدماء. وفي هذا السياق اقتضى الأمر من حزب زانو – ب. إف إسكات خصومه وتحييدهم وطرد أشد منتقديه حدة. والآن يواجه منانغاوا الجزء الصعب: عليه إنقاذ الاقتصاد الفاشل، وإعادة بناء حكم فعال ويهيء المسرح لانتخابات نزيهة في 2018.

زعم قائدا قوات الدفاع الزمبابوية، الجنرال كونستانتينو تشيونغا ومناناغوا ضرورة تدخل الجيش للحفاظ على الثورة وإعادة الاستقرار للبلاد. وقد وصف مراقبون ذلك بأنه مرحلة انتقالية مدعومة من الجيش، وهو ذريعة قُبلت داخل زمبابوي وخارجها لتجنب وصف ما حدث على أنه انقلاب خشية أن يؤدي ذلك إلى عقوبات على المستويين الأفريقي والدولي. ولقد مثل عناصر من قطاع الأمن رأس حربة في ذلك لأنهم يخشون التأثير المتزايد داخل زانوا – ب. إف لشخصيات تهدد مصالحهم السياسية والاقتصادية. إن الموافقة العامة على أفعالهم مفهومة: فهي تعكس تعبا من موغابي وأملا بين الزمبابويين والأطراف الخارجية بأن الحكام الجدد يمكنهم إيقاف التدهور الحاد لاقتصاد البلاد. ومع ذلك فإن تدخل الجيش يشكل سابقة مقلقة، ويثير أسئلة حول الدور الغامض لسماسرة السلطة.

هذه المشاغل بولغ فيها من قبل مجلس الوزراء المعين من قبل منانغاوا. ويبدو أن زانوا – ب. إف ينوي كسب الوقت لتثبيت وضعه قبل الانتخابات التي تقرر عقدها قبل سبتمبر 2018، وجهز لها على نحو جيد بحيث يتم الفوز بها. ثمَّ سابقة: بعد التهيئة لانتخابات 2008 وافق الحزب، بسبب مواجهته عنفا وضغطا إقليميا ودوليا، على إشراك المعارضة في السلطة، إلا أنه استغل السنوات الأربع التالية لتعزيز سلطته ويخطط لانتصار هائل، رغم الشكوك الكبيرة التي دارت حوله، في انتخابات 2013. ورغم أن مناناغاوا وعد بإجراء انتخابات حرة وعادلة، فإنه يتولى السلطة الآن كرئيس غير منتخب ذي إطار زمني محدود وقائمة طويلة من الإصلاحات الانتخابية الضرورية لضمان مصداقية الانتخابات. عليه هو وحكومته التصرف بسرعة خشية أن يعاب التصويت ويخفق في توفير المشروعية التي تطمئن المانحين والزمبابويين كي يعملوا معا من أجل شفاء البلاد.

تحركات الجيش في زمبابوي التي أقصت الرئيس للحيلولة دون حدوث نتائج متنافية مع مصالحه ليست فريدة من نوعها، آخر الأمثلة ما حدث في مصر حيث أقصت القوات المسلحة الرئيس حسني مبارك سنة 2011. والدرس المستوعب من تلك السوابق يتمثل في الكيفية التي سيتصرف بها مناناغوا الآن، وماذا سيكون رد فعل المجتمع الدولي. لقد مثلت كلمة الرئيس مناناغاوا بمناسبة تنصيبه رئيسا نغمة جديدة من نواح عدة. فلقد ركز على تحفيز الاقتصاد، وحكم القانون وأسلوب حكم مسؤول. ما أغفل ذكره هو الإصلاح الانتخابي والقطاع الأمني والعافية الوطنية ولا مركزية السلطة والمصالحة الوطنية. وما فشل في فعله هو الانفتاح على المعارضة أو تأكيد أن السلطة التنفيذية يشغلها اختصاصيون أكفاء. الامتحان سيكون في ما سيفعله لاحقا وما هي درجة الضغط التي يمارسها عليه الفاعلون الدوليون المتيقظون من أجل المضي في الاتجاه الصحيح، وعلى وجه الخصوص ربط دعمهم بإجراء انتخابات ذات مصداقية.

الرئيس الجديد طالب بالصبر. يقول إنه يحتاج وقتا كي يتفرغ للتحديات المتعددة التي تواجه البلاد، وهو طلب معقول. وعلى أية حال يتطلب إحراز هذا الهدف، وترميم التركة بوصفه الرئيس الذي انعطف بزمبابوي بناء الأسس لجعل الحكم دستوريا مقيدا بالقانون واحترام الدستور والاهتمام البالغ بإرساء العوامل الضرورية الضامنة لعقد انتخابات نزيهة في 2018. كما أن عودة الجيش إلى الثكنات واستئناف شرطة جمهورية زمبابوي لواجباتها المعتادة يمثل خطوة مهمة في هذا المجال. بهذه الروح ينبغي أن تتضمن الخطوات الأساسية التالي:

وضع وتطبيق خطة نظام شرطة احترافية مع إشراف مدني كاف.

تمويل التوسع المطلوب في عملية تحديد عمر الناخب ودعم الشفافية.

الانخراط في حوار وطني بشأن استراتيجية الإصلاح الاقتصادي بإشراف لجنة مستقلة يكون في قوامها ممثلون عن المعارضة والمجتمع المدني والكنائس والقطاعات التجارية المهمة.

تشجيع المصالحة الوطنية، وأساسا عن طريق معالجة انتهاكات الحكومة السابقة.

كونستانتينو تشيونغا
كونستانتينو تشيونغا

2- نهاية غير مشرفة لأقدم ثوري أفريقي

أخذت خلفية قصة سقوط موغابي الدرامية في الظهور وسترشح تفاصيل أخرى في الأسابيع والأشهر المقبلة. لكن ما هو واضح الآن أن إقالة منانغاوا وطرده بعدها من زانوا – ب.إف في 6 نوفمبر 2017 وما رافق ذلك من تحركات لتغيير قيادة الجيش، كانت محفزات التدخل العسكري. كما أن جهود “جيل 40” المكون من أعضاء جناح في زانو – ب. إف لتقوية موقعهم وتزكية ترقية زوجة موغابي غريس إلى منصب نائب الرئيس، مثل تهديدا للمعارضة ومصالح قادة قطاع الأمن. لكن التوترات بين موغابي وعناصر في قطاع الأمن كانت تتنامى منذ وقت، خصوصا في ما يتعلق بتراجع تأثيرهم وتأثير منانغاوا في هياكل الحزب. ومنذ ديسمبر 2015 وبخ موغابي الجيش مرتين علنا لتدخله في سياسات زانو – ب. إف الداخلية، كما أن الإهانات العلنية من قبل غريس موغابي زادت من صب الوقود على النار. وأيضا مثل فصيل جيل الأربعين من السياسيين الأحدث سنا ونزاعهم مع منانغاوا تحديا آخر، يمس الوضع القائم والمصالح الاقتصادية المتصلة به، حيث يقول إنه كان هناك مسعى للسيطرة حقول ميرانج للماس.

حينما حُذر منانغاوا من أن حياته في خطر فر إلى الموزمبيق، ومن هناك ذكرت التقارير أنه ذهب إلى الصين حيث كان الجنرال تشيوينغا هناك في زيارة مبرمجة سلفا. وعلى الرغم من أن منانغاوا أعلن في 8 نوفمبر أنه سيعود إلى زمبابوي في غضون أسابيع، إلا أن عديدين اعتقدوا أنه تأخر كثيرا بحيث أصبحت العودة غير ممكنة. فقادة زانو – ب. إف أقصوا بعضا من مؤيديه الأساسيين، وأخذت فروع الحزب الجهوية تدعو إلى مزيد من أعمال الإقصاء سعيا منها إلى التقرب من موغابي وجيل الأربعين. السفير كريس متسفانغوا، رئيس رابطة قدامى محاربي حرب التحرير الوطنية بزمبابوي، انسحب إلى جنوب أفريقيا، حيث ظهر في مقابلات إعلامية هاجم فيها بحماس اختطاف الحزب من قبل موغابي وجيل الأربعين.

كان تشيوينغا قبل مغادرته الصين في 5 نوفمبر عالما بخطط التخلص منه وضباط جيش كبار آخرين. وقد تمكن حلفاؤه من إحباط محاولة لاعتقاله عند عودته في 12 نوفمبر. في اليوم التالي أصدر تشيوينغا، محاطا بحوالي 90 ضابطا كبيرا، بيانا مكونا من خمس صفحات من قاعدة كنغ جورج السادس العسكرية (التي أسميت خوسيا تونغغارا) يحذر فيه من أن زانو – ب. إف قد اخترق من قبل عناصر الثورة المضادة بنية تقويض الحزب. كان هذا تهديدا غير مسبوق، يصل إلى حد تحذير استباقي نهائي ورسالة واضحة أنهم على وشك التصرف. مُنعت وسائل الإعلام الحكومية من تغطية البيان. بعدها بأربعين ساعة قام الضباط بتحركهم، معلنين عبر التلفزيون الوطني أنهم اضطروا للتدخل لأسباب أمنية.

خلال السنوات السبع عشرة الماضية أعلن قادة كبار أنهم لن يسمحوا لأي شخص لا مصداقية له في حركة التحرير بالسيطرة على البلاد. كان هذا موجها مباشرة إلى المعارضة ولم يسبق أن وجه إلى قادة جيل الأربعين وحلفائهم في قطاع الأمن. اعتقل مفوض الشرطة أوغستين تشيهوري وفرضت الإقامة الجبرية على موغابي وزوجته، بدعوى “الأسباب الأمنية”.

كان الجيش يعاني لضمان صبغة قانونية ودستورية لتدخله أخذا في الاعتبار أن الانقلاب خط أحمر بالنسبة إلى مجتمع التنمية الجنوب أفريقي (ساداك):

Southern African Development Community (SADC)

والاتحاد الأفريقي (إ. يو):

African Union (AU)

وستترتب عنه عقوبات وغياب دعم المانحين. لذا احتاج الجيش والمتآمرون المتعاونون معه إلى تنازل موغابي، الذي مثل له هذا آخر خشبة مقايضة. لقد رفض التنحي وتأكدت حالة الجمود الناشئة عن محاولته التشبث بالسلطة وضمان سلامته مع أسرته وقيادات جيل الأربعين.

وأيا كان الأمر، فإن وضع موغابي أخذ يصبح شيئا فشيئا غير قابل للاحتفاظ به بسبب المظاهرات الجماهيرية غير المسبوقة في 18 نوفمبر المنادية بتنحيه. في 19 نوفمبر فصلت اللجنة المركزية في زانو – ب. إف موغابي من قيادة الحزب، وأحلت بدله منانغاوا المعاد إليه اعتباره. وفصلت أيضا غريس موغابي وقادة جيل الأربعين من الحزب، وأعادت العضوية لكل أولئك الذين أخضعوا لإجراءات الانضباط منذ 2014. وقد أُمهل الرئيس إلى منتصف 20 نوفمبر كي يستقيل أو يواجه تهما بإساءة السلطة.

خاطب موغابي الأمة ليلة 19 نوفمبر. بدأ خطابه، وهو محاط بمسؤوليه الأمنيين، بالإقرار بخطورة الوضع، مؤكدا على أن تدخل الجيش كان مدفوعا بالنوايا الحسنة وليس مخالفا للقانون. لكنه لم يعلن استقالته مثيرا بذلك الغضب والتشكك في المصداقية.

صبيحة 20 نوفمبر طالبت قيادة قدماء المحاربين وكذلك المتظاهرون بتوجيه تهمة إساءة استخدام السلطة للرئيس. إلا أن تشيوينغا دعا إلى الهدوء، مشيرا إلى أن موغابي كان على اتصال بمنانغاوا الذي سيعود إلى زمبابوي في وقت قريب. لم تتم الإشارة إلى الاستقالة. كانت هذه خطوة ملحوظة إلى الخلف عكست رغبة الجيش في التوصل إلى مخرج سياسي للأزمة.

ظهيرة ذلك اليوم، شُرع في التحضير لتوجيه تهمة إساءة السلطة وأصدر منانغاوا أول بيان له منذ عشرة أيام داعيا فيه موغابي للتنحي. أكد على أن تدخل الجيش و”عملية استرجاع التركة” قصد منها الحفاظ على روح نضالنا ضد الاستعمار البريطاني، وأن تهمة إساءة السلطة ينبغي أن تأخذ مجراها وأنه سيعود عندما تسود الظروف الملائمة للأمن والاستقرار.

صبيحة 21 نوفمبر حاول موغابي دعوة من بقي من مجلسه الوزاري، لكن لم يستجب إلا لعدد قليل. كانت إجراءات توجيه تهمة إساءة استخدام السلطة قد مضت قدما برعاية زانو – ب. إف وحركة تسفاجيراي من أجل التغيير الديموقراطي المعارضة. احتوت لائحة التهم سردا مطولا محرجا لحالات الفشل المعزوة إلى موغابي. حينما أدرك أن اللعبة قد انتهت، عرض الرئيس رسالة الاستقالة، التي تقول التقارير أنها كتبت قبل ذلك ببضعة أيام. تدفقت حشود الزمبابويين إلى الشوارع احتفالا بهذا الرحيل. وبذا جُهز المشهد لعودة منانغاغوا منتصرا.

 الجيش الزمبابوي
الجيش الزمبابوي

3- مات الملك، عاش الملك

أ- منانغاوا: نبيذ قديم في جرار قديمة؟

يوصف إمرسون منانغاوا بأنه رجل عملي. إلا أنه لم يتمكن من القيام بالإصلاحات المطلوبة حينما كان نائبا للرئيس موغابي (2014- 2017). وتظل إمكانية نجاحه الآن محل تساؤل. لقد سبق وأن اتهم بالمسؤولية الشخصية وكذلك باعتباره جزءاً من القيادة الجماعية لزانو – ب. إف بحزمة من انتهاكات حقوق الإنسان، تتدرج من مذابح غوكوراهندي في الثمانينيات، إلى عملية مورامباتسفينا (أزيلو النفايات) التي أزالت بالقوة أحياء الأكواخ عبر البلاد سنة 2005، وأعمال العنف التي حدثت في انتخابات 2008 مخلفة أكثر من 300 قتيل. ولقد أنكر أنه كان له أي دور في هذه الانتهاكات.

ورد اسم منانغاوا أيضا في تحقيق هيئة الأمم المتحدة حول الاستغلال غير القانوني للموارد الطبيعية خلال تدخل زمبابوي في جمهورية الكونغو الديموقراطية أواخر التسعينيات. كما اتهم أعضاء من جهاز الأمن وكوادر الجيش بالاستفادة من السيطرة على حقول الماس في مارانج. ورغم أن منانغاوا أعلن التزامه بالقضاء على الفساد، فلا توجد إلا قناعة ضئيلة بأن هذا سيشمل إجراء تحقيقات بشأن العائدات المختفية بشكل غير قانوني من مارانج.

هل سيلوث ماضي منانغاوا مستقبله؟ خطابه بمناسبة تنصيبه رئيسا كان واعدا، وقد استقبل على نطاق واسع على أنه تحول مهم، فقد خلا من البلاغة المضادة للإمبريالية وإشارة الإصبع التي ميزت حكم موغابي. وبدلا من ذلك اعترف الرئيس الجديد بالطبيعة المسمومة والحقودة للسياسة الداخلية داعيا إلى استجابة وطنية إزاء التحديات المتعددة التي تواجه البلاد، ولقد أعرب عن الرغبة في تجاوز الحدود السياسية والإثنية، من أجل تجديد الجمهورية وتقوية الديموقراطية بها، كما أنه وعد بمعالجة مسألة الأرض وتعويض مصادرات الماضي، والنظر في التدهور الاقتصادي الحادث بالبلاد (الذي يتجلى الآن في ضعف السيولة وارتفاع الأسعر) وأن يتخذ خطوات باتجاه حماية الاستثمارات، والتعامل مع التزامات المديونية، ودعم فرص التجارة، وإصلاح القطاع المصرفي وتنمية الكفاءة الإدارية.

إلا أن ما لم يقله كان على نفس درجة أهمية ما قاله. فلقد سكت عن إصلاحات قطاع الأمن والعملية الانتخابية وخططه بشأن تطوير السلطة السياسية، وقال القليل بخصوص المصالحة الوطنية والإنعاش الوطني في ما يتعدى الخطابات المعتادة. وباختصار، فبينما قدمت الكلمة بعض الأمل في أن منانغاوا ربما يرسم خريطة مسار سياسي وطني جديد، فإنه من الممكن، وبنفس القدر، أن لا تشهد البلاد شيئا أكثر من تقاسم السلطة داخل هياكل حزب زانو – ب. إف. مؤسسات الحزب والقادة اقتفوا، من باب الواجب، الوصفة الجديدة القاضية بالمواجهة السريعة لموغابي وجيل الأربعين. إعادة توزيع القيادة والمؤسسات الحزبية – على المستوى الجهوي والوطني- سيقوي وضع منانغاوا وحلفائه. الاجتماع الحزبي المصغر الطارئ في ديسمبر أقر قيادة منانغاوا ( وكبار بطانته) وترشيحات انتخابات 2018، وطرد قيادات جيل الأربعين. بعض أعضاء الحزب الذين طردوا خلال تطهيرات 2014- 2015 من قبل نائبة الرئيس السابق جويس موجورو وحلفائها أعلنوا عن عزمهم العودة.

ب- عناصر قطاع الأمن: منتهكون للدستور أم حراس له؟

هتافات التهنئة الأعلى في احتفال تنصيب منانغاوا أُحتِفظَ بها للجنرال تشيوينغا، وهذا نم عن الدعم القوي الذي عُبر عنه للجيش وتشيونغا خلال المظاهرات غير المسبوقة في 18 نوفمبر. كان حضور الجيش واضحا في الميدان الوطني خلال احتفالات التنصيب. ونظر إليه الكثيرون باعتباره قوة تقف خلف منانغاوا. تشيوينغا أشار إلى أن الجيش الآن لاعب سياسي مباشر، ويتوقع البعض أن تشيوينغا سيتحول في مرحلة ما من الجيش إلى السياسة. تراجعه أمام منانغاوا و”إعادة الانتشار” الوشيكة تم التأكيد عليها كجزء من إعادة ترتيب أوضاع الجيش التي أعلن عنها هذا الأسبوع. إن انخراط الجيش بشكل مباشر في “الإشراف” على التوجهات الجديدة للحزب الحاكم والحكومة يجعل من الصعب وصف الأحداث الجارية بأنها دفاع قانوني عن الدستور.

تدخل تشيوينغا كشف أيضا عن تصدع في قطاع الأمن، وعلى خلاف التوقعات، لم يواجه تحديات من ضباط آخرين، بمن فيهم ضباط الحرس الرئاسي. وبالفعل فإن ولاءهم لموغابي سرعان ما تلاشى. لكن الأمور تختلف لما يتعلق الأمر بشرطة جمهورية زمبابوي وجهاز الاستخبارات المركزي. الجيش اعتبر الجهازين داعمين لجيل الأربعين. وتقول التقارير أن مفوض الشرطة أوغسطين تشيشوري وضع رهن الإقامة الجبرية من قبل الجيش ثم جلب ليحضر بيان موغابي الصحفي في 19 نوفمبر وتنصيب منانغاوا للتأكيد على أن تطورات الأحداث ترضي حارس القانون. وقد علت صيحات السخط ضده حينما أعلن في استسلام ولاءه لمنانغاوا. وفي الوقت نفسه انسحبت الشرطة لما يقارب خمسة أسابيع من مهامها المعتادة، ثم عادت بعد ذلك.

آليات إعادة توزيع السلطة والتراتبية في قيادة العمليات المشتركة، وهو الجهاز المكون من رؤساء الخدمة والوزراء ويمثل العمود الفقري لزانو ب. إف، يبدو أنه على وشك الحدوث.

روبرت موغابي
روبرت موغابي

4- الانتخابات ودور المعارضة

أ- هل ستضمن انتخابات نزيهة؟

عقب فصله دعا منانغاوا وحلفاؤه من المحاربين القدماء إلى سياسة أكثر انفتاحا، لكن يبدو أن هذه الدعوة لم تستغرق سوى فترة وجيزة، وبعد عودته مباشرة قال إن زانو – ب. إف سيستمر في الحكم أيا كان الوضع وأن معارضيه سيستمرون في النباح. وقد كافأت إدارة منانغاوا الجديدة حلفاءها الأساسيين في الحزب، وضمت مزيدا من المحاربين القدماء وحتى ضابطين كبيرين في الخدمات الأمنية، لم تضم عناصر من المعارضة أو تكنوقراط من خارج الحزب مثلما كان متوقعا. ورغم أن الإدارة الجديدة أصغر قليلا فإن قوامها يعكس درجة كبيرة من جوهر الإدارة السابقة، حيث إن ثلث الوزراء على الأقل عملوا في إدارة موغابي. أما تمثيل المرأة والشباب فهو ضعيف جدا.

الانتخابات القادمة ستكون علامة بارزة بهذا الاعتبار، فقبل استقالة موغابي كان متوقعا أن تجرى في أبريل. وتعهد منانغاوا بعقدها في 2018، على الأرجح في يوليو أو أغسطس. الآراء في زمبابوي منقسمة بحدة حول مزايا هذه الانتخابات: يحاجج البعض بأن الاستفتاء أمر مهم لتحديد الأجل، في حين يعتقد آخرون أنه بدون إصلاحات انتخابية عاجلة وضرورية فإن الاقتراع لن يوفر المشروعية الضرورية لمعالجة التحديات الجمة التي تواجه زمبابوي، بغض النظر عمن سيفوز.

السؤال الأساسي يتمحور حول مصداقية الانتخابات، ففي خطاب تنصيبه وعد منانغاوا أنها ستكون حرة ونزيهة، إلا أنه سكت عن المتطلبات التي ستضمن ذلك، بالذات الإصلاحات الانتخابية التي دعت إليها المعارضة ومنظمات المجتمع المدني وخبراء انتخابات دوليون. يشمل هذا إجراءات تضمن سجلات صحيحة وموثوقة بالناخبين؛ وكذلك استقلالية وفعالية الهيئة الزمبابوية للانتخابات؛ عدم تمكين الجهات التنفيذية من الاعتراض على مراقبي الانتخابات، وخلق مناخ سياسي خال من العنف والتخويف والأبوية والدعاية الزائفة وخطابات الكراهية من قبل الجميع، مواطنين، أحزاب سياسية، قادة تقليديين، وسائط الإعلام، الكنائس، ومنظمات المجتمع المدني، التزامًا بقواعد الأداء الانتخابي.

إذا ما كان للانتخابات أن تنعقد حسب الموعد، فإنه يتوجب على الحكومة اتخاذ خطوات تشير إلى التزامها بميدان لعب انتخابي أكثر نزاهة. هذا يتضمن توسيع عملية تسجيل الناخبين، دعم الشفافية المتعلقة بقاعدة البيانات الانتخابية، نقل وإدارة قوائم الناخبين، وتقييد استغلال المناضلين للثروات الوطنية. بدا أول اختبار يلوح: مدى الفضاء السياسي الذي يتيحه زانو -ب. إف وتجنب استخدام تاكتيكات الإكراه والاستغلال الانتخابي. فاستراتيجيات الحزب المتعلقة بالانتخابات الماضية منعت العديدين ممن يتمتعون بحق الانتخاب من المشاركة وفتحت الطريق أمام استغلال الانتخابات.

بغض النظر عن الزمبابويين المنتشرين في الخارج، يوجد داخل زمبابوي 7 مليون ناخب. وسيكون العدد الذي سجل منهم بشكل قانوني مؤشرا جيدا على نوايا الحكومة الجديدة، في سبتمبر قدمت الحكومة مشروع إصلاح انتخابي، إلا أن منظمات المجتمع المدني قالت إن “مداه ضيق جدا… ويتعامل فقط مع جوانب قليلة من عملية تسجيل الناخبين ومسألة واحدة فقط ذات علاقة، وهو لا يعالج العيوب العديدة الأخرى في القانون الانتخابي الذي يحوي شروطا لا تتوافق مع الدستور”.

ب- ما هو دور المعارضة؟

وضع الرحيل المفاجئ لموغابي المعارضة في أرض مجهولة التضاريس. فقبل هذه التطورات الأخيرة كان رأي معظم المحللين أنه ليس في إمكان المعارضة استغلال الظروف الاقتصادي- اجتماعية المتدهورة أو انقسامات زانو ب. إف المُنهِكة، ولذا فإن حظها في الفوز ضئيل. الآن أصبحت أمامها فرصة جديدة لتحدد هدفها وسياقا مقنع للعمل.

التوقعات ليست مؤكدة. ففي هذا المفصل من المتوقع أن تخوض المعارضة الانتخابات منقسمة ومجردة إلى حد بعيد من عوامل القوة. من المتوقع أن ترشح بضعة أشخاص للرئاسة. تحالف المعارضة الرئيسي حركة التغيير الديموقراطي التي يقودها مورغان تسفانجراي التي أشهرت في أغسطس الماضي وحاولت اجتذاب أحزاب صغيرة عدة تواجه نقصا حادا في الموارد. أكثر من ذلك أذكت مشاكل تسفانجراي الصحية صراعا داخليا على خلافته، وقد لا تسمح له صحته بقيادة حملة انتخابية السنة القادمة.

إذا ما دعا منانغاوا المعارضة إلى المشاركة في الحكومة الجديدة، فإنها ستواجه مأزقا خطير: هل ستساهم في برنامجه لإنعاش الاقتصاد الوطني أو تركز على انتخابات 2018. أما إقصاؤهم من الحكومة الجديدة فيعني أنه يمكنهم التركيز على إعادة التجمع والتحضير للاقتراع، وإذا ما وحدت جهودها مع منظمات المجتمع المدني فسيكون في مقدورها لعب دور كبير في مراقبة وتقييم إصلاحات الحكومة بشكل علني.

ينبغي على المعارضة، تحديدا، دعم مطالب المجتمع المدني من أجل إصلاحات انتخابية سليمة. وهذا يتضمن:

عرض مشروع قانون انتخابات شامل متوافق مع دستور 2013 يضمن استقلالية لجنة الانتخابات ويمنع تدخل الحكومة في إدارة الانتخابات.

تمديد أجل عملية تسجيل الناخبين وضمان وجود إجراءات تَحقق شاملة وشفافية من أجل قائمة ناخبين ذات مصداقية.

تقوية استقلال لجنة الانتخابات.

تهيئة بيئة سياسية صحية لتشجيع المشاركة ومعالجة الانتهاكات.

السماح بوقت أطول لبعثات مراقبة الانتخابات. بالإضافة إلى ضغط المعارضة على الحكومة كي تطلب تقييما للظروف الانتخابية من قبل المجلس الاستشاري للانتخابات وكذلك الاتحاد الأفريقي. لا ينبغي أن تعقد الانتخابات ما لم تُجْرَ الإصلاحات التي تضمن مصداقيتها، وعلى المجتمع الدولي ممارسة ضغوطاته لهذه الغاية من خلال الإصرار على أنه ما لم تحدث انتخابات نزيهة فإن المانحين سيمتنعون عن تخصيص تمويلات مهمة جديدة بعيدة الأجل أو دعم تسهيلات الديون مثلما حدث سنة 2015 من خلال استراتيجية إعادة الارتباط.

مورغان تسفانجراي
مورغان تسفانجراي

5- انقلاب أم ليس انقلابا؟ ردة الفعل الدولية

نجح الجيش ومنانغاوا وحلفاؤه في تجنب وصم تدخلهم العسكري من أجل فترة انتقالية بالانقلاب. ساداك والاتحاد الأفريقي تجنبا استخدام هذا المصطلح أيضا. كان موغابي قد دعا إلى تدخل ساداك، فأرسلت هذه المنظمة الإقليمية مبعوثين من جنوب أفريقيا. وتطور الأمر إلى مقابلة طارئة من قبل رؤساء دول اللسان السياسي التابع لساداك، والدفاع والأمن، حيث تقرر القيام بزيارة مشتركة مكونة من رئيس ساداك ورئيس جنوب أفريقيا جاكوب زوما، ورئيس اللسان ورئيس أنغولا جاو لاورينسو. إلا أنها ألغيت أثر استقالة موغابي.

الدول الغربية والصين وروسيا والجنوب عموما لطفوا ردة فعلهم وتجنبوا إدانة التدخل العسكري. الغالبية، بما في ذلك حلفاء موغابي التقليديين، كانوا يتطلعون إلى رؤيته يرحل، على الرغم من أنهم يفضلون عملية شرعية وقانونية. كما أن تقييم ما تعنيه فترة التحول هذه للمشروع الديموقراطي والمؤسسات بالنسبة إلى الشعب الزمبابوي تم تجنبه إلى حد كبير.

بالنسبة إلى الزمبابويين والفاعلين الخارجيين، يقدم طي صفحة موغابي فرصة حقيقية للانتعاش الاقتصادي. وكانت نية منانغاوا واضحة في الاستفادة من هذا البعد العاطفي: فخطاب تنصيبه أوضح بجلاء نيته إعاد الارتباط بالمانحين الدوليين والشركات الغربية.

لا يمكن إجراء إصلاح سريع لحزمة التحديات الاقتصادية في زمبابوي. والمستثمرون يتطلعون، هم أيضا، إلى تبين الخيارات. إلا أن الأمر محتاج إلى الكثير من العمل لإنعاش وتوسيع استراتيجيا إعادة الارتباط التي طرحت سنة 2015 في ليما (وضعت من قبل المؤسسات المالية الدولية ودائنين آخرين) التي رسمت طريقا لإعادة جدولة الديون المتأخرة، وإصلاح خطوط جديدة للاعتمادات وإتاحة الوصول إليها.على الدولة أيضا تخفيض الإنفاق العام الذي يعني تقليل الخدمات، وهو آخر الموارد المهمة للتوظيف في القطاع الرسمي. من المرجح أن الحكومة لن تتلقى دعما لميزانيتها بما أن معظم اللاعبين الدوليين يرغبون في رؤية تقدم ملحوظ على عدة جبهات قبل نظرهم في مثل هذه المساعدة.

كما أنه لا يوجد أي مسكن محدد وسريع لأزمة السيولة وضغوطات التضخم الهائلة. وكل ما يمكن للداعمين الدوليين تقديمه بهذا الخصوص سيتضح فقط حينما تحدد الحكومة توجهها السياسي. إلى ذلك الحين سيكون من المهم للمانحين تنسيق أفعالهم.

6- خاتمة

قدم خروج موغابي لقادة زانو – ب. إف الجدد فرصة غير مسبوقة لإيقاف، وحتى عكس، الانحدار المتسارع الجاري على مدى عقدين في زمبابوي وانتهاج طريق جديد من أجل اقتصاد مستدام وإنعاش سياسي. لكن هذا سيكون، في أفضل الأحوال سعادة مشوبة. فدور الجيش المحوري في إبعاد موغابي واستمرار حضورهم كلاعبين سياسيين أساسيين، الذي رُحب به في بعض القطاعات، يمثل سابقة مقلقة وتحديا كبيرا لدور القانون والنظام الدستوري. وأخذا في الاعتبار المصالح الراسخة لبعض أعضاء قوات الأمن فإن هؤلاء الأعضاء من المرجح أن يستمروا في لعب دور في اقتصاد البلاد بحيث يمكن أن تترتب عنه تبعات على قضايا أوسع تتعلق بالحكم، خصوصا جهود محاربة الفساد وخلق بيئة أعمال متأسسة على القانون. وبالمثل فإن رغبة الجيش وزانو – ب. إف في الاحتفاظ بالسلطة سيكون لها وقع على مستقبل المسار السياسي للبلاد.

الخطوات المبكرة تثير خوفا مبررا من أن منانغاوا سيقدم تمكنه من إدارة زانو – ب. إف وحماية مصالح الجيش الاقتصادية والسياسية على الحكم الرشيد وتقوية الديموقراطية. عندها ستكون فرصة مهمة قد ضاعت ويكون هذا نذيرا سيئا لمستقبل زمبابوي.

* منظمة دولية غير ربحية وغير حكومية تتمثل مهمتها في منع حدوث وتسوية النزاعات الدموية حول العالم من خلال تحليلات ميدانية ومن خلال إسداء المشورة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى