مقالات مختارة

خصوم ترمب لن يهزموه بالكاريكاتير

أمير طاهري

إن التزم الرئيس الأميركي دونالد ترمب أسلوبه المعتاد، فمن شأن محاكمة عزله من منصبه أن تبدأ في غضون وقت قصير من بداية السنة الجديدة. ويريد ترمب الزوال السريع لهذه العقبات وفي أقرب وقت ممكن، حتى يتمكن من الاستعداد وتكريس طاقاته لحملة إعادة الانتخاب. وربما يكون هو السبب نفسه الذي يجعل خصومه الديمقراطيين يسعون بكل ما أوتوا من قوة لتأخير ميعاد المحاكمة المزعومة، حتى قبل وقت يسير من بداية الحملة الانتخابية الرسمية في الصيف القادم.

وبصرف النظر تماماً عن طريقة أو ما تتكشف عنه حالة التنافس البيزنطي بين الرئيس الأميركي وخصومه، فهناك أمر واحد يقيني بالفعل. لقد فشل كثير من خصوم ونقاد الرئيس ترمب في العثور على وسيلة مجدية يمكنهم الاستعانة فعلياً بها في خلعه عن كرسيه. والسبب الحقيقي وراء هذا الفشل يكمن في أن خصوم الرئيس الأميركي على تياري اليمين واليسار السياسي، كانوا يتعاملون مع صورة جد كاريكاتورية للرئيس، وبالتالي أسفر ذلك عن تجاهل لازم للواقع الأكثر تعقيداً عن فترة رئاسته ومجرياتها الحقيقية.

وهناك في واقع الأمر أربع صور كاريكاتورية للرئيس دونالد ترمب:

الصورة الأولى معلقة في أذهان كبار دهاقنة الحزب الجمهوري التقليديين، الذين شرعوا في وصمه بالمتسلل المزعج، لينتهي بهم الأمر إلى وصفه بالمبتدئ الساذج في مضمار السياسة، الذي يسهل التلاعب به بشتى الطرق والوسائل.

وفي عام 2016، قبل فوز دونالد ترمب بترشيح الحزب الجمهوري لخوض الانتخابات الرئاسية، تأكد لي من بعض معارفه داخل أوساط الحزب الجمهوري، أن قطب العقارات القادم من مانهاتن، سيكون من اليسير للغاية استمالته وإغواؤه كمثل خادمات القصور في الحقبة الفيكتورية القديمة! وقالوا إن وجود دونالد ترمب داخل البيت الأبيض سوف يمكننا من الدفع بالغوريلا الأميركية هائلة الحجم في خوض الحروب التي نحلم بخوضها، أو المضي قدماً على طريق السياسات التي يخجل رجل السياسة العادي من مجرد ذكرها، فضلاً عن التطرق إلى مناقشتها.

وبعد مرور أكثر من ثلاث سنوات، صار من الواضح أنه على الرغم من إخفاقات الرجل المتكررة، فإنه لن يغني أبداً من نوتة موسيقية ليست من تأليفه. وفي واقع الأمر، كان أول رئيس للولايات المتحدة – منذ الرئيس الراحل جيرالد فورد – لم يورط الولايات المتحدة في أي مغامرات حربية جديدة. كما أنه لم يحاول أبداً الاستعانة بالإجراءات التي تضع الولايات المتحدة في أوضاع اقتصادية محرجة لا يمكن التراجع عنها، ولا على الصعيد الاجتماعي، أو في مضمار السياسات الخارجية للبلاد.
وجاءت الصورة الكاريكاتورية الثانية للرئيس الأميركي مما يمكن لأحدنا تسميته «النادي الريفي للحزب الجمهوري»، والمعروف سابقاً باسم «جمهور روكفلر». وتلك الحفنة الأبوية الشوفينية من الحزب الجمهوري تأخذ السياسات على محمل الجدية المطلقة، مع استنادها في ذلك إلى الجماهير ضعيفة التعليم والخبرات، والتي تستحق العناية والاهتمام، مع عدم السماح لها مطلقاً بالإدلاء بأي آراء تتعلق بالسياسات العليا للبلاد. وتبدو صورة الرئيس ترمب في هذا الكاريكاتير، وكأنه الدب الراقص الذي يسلي برقصاته كبار رجال الدول في سيرك السياسة!

ويتغافل أولئك الذين رسموا هذه الصورة الكاريكاتورية للرئيس ترمب، عن الأهمية البالغة وعن الجانب الجمالي الناجم عن إقناع الملايين من الناخبين الأميركيين – المستبعدين بصورة روتينية عن فعاليات السياسات العليا في البلاد – باكتشاف أو إعادة اكتشاف تحديات المشاركة الفعلية في الحياة الديمقراطية العامة للأمة الأميركية. ومع السخرية منهم بأنهم شعبويون لا يدركون حقيقة الواقع، إلا أن ما يقرب من ربع قاعدة ترمب الانتخابية، يقولون إنهم لم يذهبوا إلى مراكز الاقتراع إلا لأنهم يعتبرونها بالغة الأهمية.

ويرسم بعض خصوم ترمب من الديمقراطيين صوراً كاريكاتورية مختلفة عنه.

وهم يرون ترمب كالإعصار العاصف بالإجماع الذي جرى التوصل إليه بالجهد المضني وشق الأنفس، على القضايا المهمة في الحياة الوطنية والدولية، أو كالثور الهائج في متجر صيني، الذي إن لم تتم السيطرة عليه فسوف يلحق الأضرار البالغة بمقدرات الأمة. ومع ذلك، فإن نظرة فاحصة تعكس صورة غير جذابة على الإطلاق. فلقد نجح الرئيس ترمب في التفاوض بشأن الحلول الوسط مع المعارضة الديمقراطية في بلاده، حول ثلاث ميزانيات وطنية من قبل. كما أنه نجح كذلك في الدفع بمرشحه الخاص إلى صفوف المحكمة العليا الأميركية المرموقة، فيما وصفت بأنها أعنف الحملات الحزبية التي شهدتها البلاد ضد إرادة الرئيس في البيت الأبيض.

وتعزز التركيز على هذه الصورة الكاريكاتورية للرئيس ترمب، بسبب بعض التصريحات التي أطلقها عبر منصته على «تويتر» في كثير من الأحيان كعادته. لقد وصف الرئيس ترمب حلف شمال الأطلسي (الناتو) بأنه منظمة عفّى عليها الزمن، غير أنه فعل كثيراً مما لم يفعله أسلافه من الرؤساء، إذ جذب الانتباه إلى الحاجة لإصلاح الحلف، وإقناع كافة الدول الأعضاء فيه بسداد نصيبها العادل من تكاليف الدفاع الجماعي. وفي عهد الرئيس ترمب؛ بلغت الميزانية الدفاعية للولايات المتحدة أعلى مستوياتها المسجلة منذ سنوات طويلة. وأطلقت مرحلة جديدة من بناء القواعد العسكرية الجديدة في أوروبا، لا سيما في منطقة البلقان ودول البلطيق على وجه الخصوص. كما أعادت الولايات المتحدة تقييم علاقاتها الثنائية مع تركيا – العضو في حلف شمال الأطلسي – للحد من دورها الفعلي في الحلف، من دون وقف الدور التركي على الإطلاق.

وبعيداً تماماً عن التراجع في مواجهة السياسات التوسعية الروسية المزعومة، عملت الولايات المتحدة على زيادة قواتها المنتشرة والعاملة في أوروبا، كما وافقت على حزمة من المساعدات العسكرية الموجهة إلى أوكرانيا، والتي كانت قد تجمدت بأوامر الرئيس الأسبق باراك أوباما.

ووجهت الاتهامات إلى الرئيس الأميركي، بأنه المسؤول الأول عن خروج المملكة المتحدة من تحت عباءة الاتحاد الأوروبي، في محاولة منه لتقويض أركان الاتحاد على نحو ظاهري، لاسترضاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. ومع ذلك، فلقد انتظم الاستفتاء الشعبي البريطاني على مغادرة المملكة المتحدة لعضوية الاتحاد، قبل فوز دونالد ترمب برئاسة الولايات المتحدة، وعلى الرغم من تدخلات باراك أوباما العلنية للمساعدة في وقف الاستفتاء.

وتستخدم الصورة الكاريكاتورية نفسها للرئيس ترمب، لانتقاد موقفه من رفض التوقيع على اتفاق باريس المناخي. ومع ذلك، تقول الحقيقة الواقعية إن أياً من البلدان التي وقعت على الاتفاق، بمن في ذلك المروّجون الرئيسيون للاتفاق في المقام الأول، قد التزموا تعهداتهم بموجب بنود الاتفاق. وأظهر مؤتمر متابعة اتفاق باريس المناخي الذي انعقد في مدريد، أن الاتفاق كان مجرد احتفالية دولية صاخبة، إن لم يكن حيلة من الحيل السياسية لإطالة أمد القضية العاجلة لأطول فترة ممكنة.
ولقد كان باراك أوباما هو الذي أطلق ما يُعرف باسم «حلم خط أنابيب محور الباسيفيكي»، كوسيلة من وسائل تحويل توجهات السياسة الأميركية بعيداً عن أوروبا. وبدلاً من ذلك، تدخل دونالد ترمب لإجبار الصين على الدخول في محادثات تجارية، تهدف إلى إقناع القيادة السياسية في بكين بالامتثال إلى القواعد والمعايير التجارية الدولية المنصفة، التي يمكن أن تستفيد منها أوروبا في نهاية المطاف.

وربما تكون العلاقات قد هدأت على نحو ما مع ألمانيا، وفرنسا، وكندا؛ حيث جرى اعتبار الحماية الأميركية من الأمور المسلم بها، وتحول تقريع الولايات المتحدة إلى أحاديث الاستهلاك الشعبي التي لا طائل منها. وبدلاً من ذلك، قام الرئيس ترمب بتحسين العلاقات مع البلدان التي تعتبر الولايات المتحدة حليفاً وليس مجرد شريك في تحالف مهلهل فضفاض، ومن بينها بلدان مثل البرازيل، وأستراليا، والمملكة العربية السعودية، واليابان، وبولندا، والمجر، وجمهورية التشيك، وإسرائيل، والمملكة المتحدة.

أخيراً، هناك صورة كاريكاتورية أخرى للرئيس ترمب، تصوره بأنه مصاب بجنون العظمة، ويعتبر نفسه محور الكون بلا منازع، وأنه هو مقياس الصواب والخطأ في العالم. وبرز دونالد ترمب في صورة بطل شعار «أميركا أولاً»، وبالتالي فهو من ألد أعداء التعددية. غير أن هذه المزاعم يصعب تأييدها أو الاستناد إليها في شيء. لقد حضر الرئيس الأميركي كافة فعاليات قمم مجموعة السبع الكبار التي عُقدت منذ وصوله إلى عتبات البيت الأبيض، ومن المقرر في الآونة الراهنة أن يستضيف إحدى هذه القمم في ولاية فلوريدا خلال العام الحالي.

كما نالت الانتقادات من الرئيس ترمب بسبب إدانته لما يسمى «الاتفاق النووي الإيراني»، والذي أشرف الرئيس السابق أوباما على إبرامه، بغية تهميش الدور الحقيقي لمجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة، ولتهميش دور الكونغرس الأميركي، وحتى مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان) في إيران. وبدلاً من ذلك، يدعو الرئيس ترمب إلى إجراء محادثات جديدة ضمن إطار فعال من الشفافية القانونية، وفق ما هو محدد في قرارات مجلس الأمن السبعة المعنية بالجمهورية الإسلامية، مع خضوع نتائج تلك المحادثات للتصديق النهائي من قبل كونغرس الولايات المتحدة، والبرلمان الإيراني، والمجالس التشريعية في الدول المعنية.

وما تتجاهله كافة الصور الكاريكاتورية عن الرئيس ترمب، هو أنه رئيس لدولة كبيرة ذات تنظيم جيد للغاية، وذات قاعدة شعبية صلبة، ولا يمكن تغيير سياساتها وتصرفاتها على نحو جذري بقرارات رئيس واحد. ولقد حاول كل من بيل كلينتون وباراك أوباما ضخ جرعة هائلة من الاشتراكية في القاعدة الشعبية الأميركية، عن طريق استحداث جزء من الصناعات الصحية والتأمين الطبي في البلاد، وهي التي تمثل 16 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي الأميركي، إلى المجال العام. ولقد أخفقت مساعيهما في ذلك تماماً، وخلفا وراءهما قدراً كبيراً من المشكلات التي سوف تضطر الولايات المتحدة إلى التعامل معها ومعالجتها حتى مرور جيل كامل آخر.

أولئك الذين يريدون النيل من دونالد ترمب في نوفمبر (تشرين الثاني)، لن يتمكنوا من ذلك عبر الصور الكاريكاتورية؛ بل إنهم في حاجة إلى الاعتراف أولاً بقاعدة تأييده ودعمه الكبيرة، كحقيقة واقعة في البلاد، مع الإقرار بأنه يمثل الروح الأميركية المعاصرة التي ترفض النخبوية السياسية المتعجرفة، ويؤمن بالرجال الأقوياء الذين يفعلون ما يقولون.

المصدر
الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى