مقالات مختارة

ترمب وإيران… عاصفة أم إعصار؟

إميل أمين

فيما الساعات القادمة تتوالى، تتوقع إيران صدور استراتيجية أميركية شاملة تجاهها، لا تتصل ببرنامجها النووي فقط؛ لكن بكل رؤاها غير المشروعة في الهيمنة على مقدرات المنطقة.
قد يكون الخميس المقبل بحسب «واشنطن بوست» موعد إعلان الرئيس دونالد ترمب خطوطه الجديدة للتعاطي مع نظام الملالي، والسؤال الذي يشغل الجميع: هل سيسحب الرجل الثقة من الاتفاق ويحيل الأمر إلى الكونغرس، أم ينسحب تماماً من طرف واحد بما يلغي الموافقة الأميركية؟
لم يدارِ أو يوارِ ترمب يوماً ما، ومنذ أن ترشح للرئاسة الأميركية، مشاعره تجاه هذا الاتفاق السيئ والمحرج لأميركا، حسب وصفه من على منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر (أيلول) الماضي، وتصريحاته الأخيرة الأسبوع الماضي تجزم بأن العاصفة قادمة لا محالة، فيما الجميع يتساءل: هل هي عاصفة أم إعصار؟
العاصفة – معلوماتياً – هي هيجان الرياح والأمطار بشكل عشوائي في البر والماء، فيما الإعصار يبدأ في المحيط ومن ثم يلقي بمخلفاته التي تسبب الخراب للأرض واليابسة.
يود ترمب لو يكون في مقدرته تحريك الإعصار دفعة واحدة، تجاه طهران الساعية لنشر الفوضى والإرهاب في العالم، المهددة للملاحة الدولية، صاحبة الهجمات الإلكترونية تجاه جيرانها، الماضية قدماً نحو برنامج الصواريخ الباليستية، في تعاون لا تخطئه العين مع كوريا الشمالية، طهران التي تعتقل المواطنين الأميركيين بشكل متعسف.
لكن ليس كل ما يبغيه المرء يدركه؛ ذلك أن من حوله – لا سيما جنرالات البنتاغون – يدركون أن الأمر ليس هيناً أو يسيراً إن دفع دفعاً نحو الإلغاء الكامل، وربما الأفضل تضييق الخناق مع بقية الشركاء على إيران التي تخرق روح الاتفاق لا بنوده.
رجل الساعة في واشنطن اليوم وحول ترمب، هو المفكر المحارب الجنرال هيربرت ماكماستر، مستشار الأمن القومي الذي أدرجته مجلة «تايم» الأميركية بقائمة أكثر عشرة أشخاص تأثيراً في العالم عام 2014، قائلة آنذاك: «قد يكون أفضل من يتمتعون بفكر المحارب في القرن الحادي والعشرين».
يحجم ماكماستر من شطحات ترمب، ويوصي بسحب الثقة من الاتفاق النووي مع إيران، ليبدو الأمر كعاصفة من دون أن يصل إلى حد الضغط على الكونغرس لفرض عقوبات جديدة ضد طهران، قد تؤدي لانهيار الاتفاق.
يود ترمب أن يسترجع ما خسره من شعبية في عيون الأميركيين، ويرى في تنفيذ وعوده الانتخابية تجاه الاتفاق الإيراني مسرباً ملائماً، غير أن الكلمة الأخيرة حكماً للجنرالات، وبخاصة بعد أن لمح جيمس ماتيس، وزير الدفاع، الجنرال الأعزب المتعطش للقراءة ودراسة التاريخ العسكري، ما جعله يحصل على لقب «المحارب الزاهد» إلى أن الاتفاق النووي يخدم مصلحة بلاده، وعلى ترمب التفكير في الحفاظ عليه.
رؤية الجنرالات واضحة عبر معادلة بسيطة ومفهومة: الاتفاق النووي يؤخر حصول إيران على السلاح النووي، فيما إلغاء الاتفاقية يتيح للإيرانيين فرصة ذهبية للعودة من جديد إلى دائرة السعي لاقتناء أسلحة الدمار الشامل.
لا يود الذين يوسوسون في أذن ترمب أن يظلوا في الساحة الدولية بمفردهم، فالصين وروسيا حكماً سترفضان رفضاً قاطعاً الإلغاء الأميركي، ما سيعقد المشهد الدولي بأكثر مما هو معقد، فيما الأوروبيون ينكرون على ترمب ما يخطط له، وقد وصف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون التخلي عن الاتفاق بأنه «خطأ جسيم»، ويصف عدم احترامه بأنه أمر غير مسؤول.
أما الألمان فقد تحدث بلسانهم وزير خارجيتهم سيغمار غابرييل في الأمم المتحدة، بلسان براغماتي لا يخلو من وجاهة في التفكير بالقول: «حال إلغاء الاتفاق، من سيثق لاحقاً في أي اتفاقيات دولية»؟
يمكن القطع بأن الاستراتيجية التي سيعلنها ترمب خلال الساعات المقبلة سوف تلقي بتبعات واستحقاقات على حلفاء إيران والميليشيات التي تدعمها، والجماعات الإرهابية التي تقف وراءها، والحديث هنا لمجلة «بوليتيكو» الأميركية ذائعة الصيت، هذا عطفاً على مطاردة شبكة التحويلات المالية لإيران حول العالم، وفي الأثناء عينها يتوقع أن تصنف الإدارة الأميركية «الحرس الثوري الإيراني» كمنظمة إرهابية، وربما لن توفر واشنطن «حزب الله» من الاتهام ذاته، ما يعني أن الرياح العاتية ستلامس ما هو أبعد من طهران جغرافياً وديموغرافياً.
والشاهد أن نظرة متأنية للمشهد الأميركي تجاه إيران لا بد أن تربط بين واشنطن وكوريا الشمالية، تلك التي هدد ترمب بإزالتها إن تعرض أمن أميركا للخطر، والنظرة هنا ترجح العاصفة على الإعصار، فحال إغلاق الباب أمام الإيرانيين ستصل الرسالة إلى الكوريين سلبية جداً؛ حاملة معاني ودلالات على أن لا فائدة ترجى من التعاطي مع الأميركيين دبلوماسياً، وأن المحادثات معهم وقت ضائع، وهو ما لا ترغب في الوصول إليه النخبة الدبلوماسية، وربما العسكرية، في واشنطن اليوم.
التخلي عن الشكل وليس المضمون غالباً هو ما سيذهب إليه ترمب، ضمن حزمة من الإجراءات المقيدة لأحلام إيران التوسعية غير السلمية.
عاصفة أم إعصار؟
ترمب رئيس صعب قراءة أفكاره، فيما النتيجة الحتمية في كل الأحوال تضييق الخناق من حول رقبة الملالي.

___________________________

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى