كتَـــــاب الموقع

الـجـهـل… خـطـيـئـة

د. مصطفى عبدالهادي عبدالله

قد لا تملك وأنت تشاهد جماعة من الناس يتحلّقون حول عدد من الكتب ينظرون إليها شزراً ويمارسون طقوس النقد وإطلاق الأحكام بناء على ما يظهر على صفحة الغلاف إلا أن تستذكر مقولة واين داير ” الجهل المطلق هو رفض شيء لا تعلم شيئاً عنه، ثم الإعراض عن البحث عنه فوق ذلك !”.

الجهل – حسب النيهوم – مثل المعرفة، قابل للزيادة وبلا حدود، إلا أن هناك نوعا من الجهل لا يستوي معه وصف الزيادة لأنه سيقتل صاحبه حتى قبل أن يتنعم “بزيادة وتطوير” مستوى جهله ! .. ومن أخطر تلك الأنواع الركون إلى التقوقع في زاوية ضيقة من الانغلاق يتمظهر من خلالها العقل البشري عقلا مغيبا يعاني الانفصام في التفكير والانفصال عن الواقع ويقع فريسة للأفكار المغلوطة عن العالم بأسره مما يجعله ينهار عند أول تماس جاد واحتكاك حقيقي مع كل أولئك الذين يعيشون خارج دائرته وبعيدا عن انغلاقه وهامشيته .

إن النتيجة الحتمية والمحصلة النهائية للوقوع في براثن الانغلاق هي السقوط إلى هاوية حالة “ماضوية” في غاية البؤس تخلق رؤية أحادية وتظل سمة مميزة للحرمان من التنوع والثراء الفكري وغياب الإحساس بحركة الكون ودورة التاريخ.

الرؤية الأحادية والنظرة المنغلقة هي التي دفعت البعض لإيقاف شحنة من الكتب بناء على عناوين بعضها “غير المفهومة لهم !” واغتصاب دور حكومة منبثقة عن برلمان منتخب ووزارة الثقافة فيها وأجهزة الرقابة على المطبوعات، عنوة وباسم الحرص على سلامة المجتمع ليصبوا جام غضبهم على “غير المغضوب عليه” والقيام بعملية “انتحارية” لاختطاف العقل الجمعي باتجاه المجهول والقيام بخطوة أولية سوف تدل دلالة قاطعة الثبوت – حال السكوت عنها – أننا نسير وبخطى راسخة نحو القضاء على مدنية الدولة ووأد الدستور قبل أن يولد، وستؤدي – ظناً لا شكاً – إلى “داعشية” ثقافية وجمود فكري وظلامية معرفية ما لم تتظافر الجهود شعبيا ورسمياً للتكفير المسؤول عن هذه الخطيئة. فالإنسان – حسب ميلان كونديرا – مسؤول عن جهله فالجهل خطيئة.

______________________________

خاص 218

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى