اهم الاخباركتَـــــاب الموقع

لنكن أنصاراً للحياة

عمر أبو القاسم الككلي

في لقائنا* هذا مفارقة. فنحن نلتقي اللحظة، بسبب الموت. ولكن، وفي نفس الوقت، من أجل الحياة. لقد داهم الموت عزيزا لنا وقامة متميزة في الحركة الثقافية الوطنية الليبية وغيبه، جسديا، إلى الأبد. لقد اختطفه من بيننا ومن تيار الحركة الثقافية الوطنية الليبية. لكن لن يتحقق له أن يُغِّيب آثاره. نلتقي بسبب الموت، من أجل الحياة. هذه هي الجدلية الدافعة إلى التطور والتقدم. الموت مصيرنا ومستقبلنا، كأفراد، ولكن الحياة، بمعنى ما، واجبنا وهدفنا، كأفراد أيضا.

الحزن ردة فعل إنسانية لا إرادية لا تثريب عليها، إنه شعور إنساني مشروع ونبيل. الفقد موجع ومبهظ. ولكن إرادة الحياة أقوى. لا نريد هنا أن نستخدم تعابير من مثل الفقيد أو الراحل، وما إلى ذلك. نريد أن نتحدث عن محمد الفقيه صالح، الشاعر المبدع، والكاتب الرصين المسؤول، والمثقف الواعي الملتزم، كما لو كان موجودا بيننا.. جالسا في هذه القاعة يستمع إلينا. هذا توهم، قد يقول البعض. لكنه توهم إيجابي ومفيد. إنه توهم يدعم إرادة الحياة في وجه الموت، الذي هو قرينها الملازم والضروري. ففي وجه الموت تستحث الحياة قواها، بما في ذلك قوة التوهم، وتؤكد وجودها.

لا نريد هنا أن نقول: كان محمد الفيه صالح…. بل نقول: إن محمد الفقيه صالح. إن محمد الفقيه صالح نصير للحياة في صراعها الأزلي والأبدي ضد نقيضها: الموت. وهو يطبق هذا المبدأ في مجال الثقافة. محمد الفقيه صالح، نصير الحياة، يؤمن أن الحركة الثقافية الوطنية [ونحن نصر هنا على تثبيت لفظ الوطنية] الليبية تيار حي متصل. هذا لا يعني أن محمد الفقيه صالح شخص طوباوي يغمض بصيرته عن الواقع. فهو يدرك أن هذا التيار يتعرض إلى تعثرات وإعاقات، ويضطر إلى الالتفاف هنا، والمداورة هناك، ولا ينساب مستقيما على أرضية سلسة هينة. لكنه يرى أنه لا بد لهذا التيار، في النهاية، من أن يشق طريقه وسط الصعاب. لأنه تيار نضالي. فالحركة الثقافية الوطنية الليبية المعاصرة، هي، في الصميم، حركة مقاومة. الثقافة الوطنية الليبية ثقافة مقاومة. فهي تحقق إنجازاتها، مهما كانت متواضعة، رغم الظروف، وليس بفضلها. إنها، في حمأة صراعها مع الظروف المعاكسة، تغنم بعض المغانم وتستولي على بعض المواقع الهامة. وفي كتابه “في الثقافة الليبية المعاصرة،ملامح ومتابعات” يقول محمد الفقيه صالح عن الأصوات المبدعة في الحركة الثقافية الوطنية الليبية بأنها “أصوات ورموز ثقافية برزت وأبدعت،رغم تلك العهود،وليس بفضلها”. لأنها: “”الصوت الآخرالنقدي أوالرافض أوالمتمرد أو الثوري،ولذا فهي لا تشكل رصيدا لتلك العهود،بل رصيدا ثمينا لثقافة شعبنا لوطنية”. هذا الإيمان بتدفق الحياة وتقدمها يتجلى في تبيان محمد الفقيه صالح لتواصل حياة الحركة الثقافية الوطنية الليبية من خلال إبراز التواصل بين الأجيال الثقافية في هذه الحركة. ففي هذا الكتاب، نجد مقالا إضافيا  عن الشاعر إبراهيم الأسطى عمر (1908 –1950)

وهو شاعر عمود ينشط شعريا في أربعينيات القرن العشرين. وهنا كأكثر من مقال عن الشاعر محمد الشلطامي (1944-2010) من تيار الشعر الحر أو قصيدة التفعيلة وبرز على الساحة الشعرية منذ أواخر الستينيات. نجد أيضا مقالا عن الجيلاني طريبشان (1944- 2001) وهو أيضا من تيار الشعر الحر ومن نفس جيل الشلطامي. وثمة مقال عن الشاعر عاشور الطويبي من جيل السبعينيات، وهو من شعراء قصيدة النثر والنص المفتوح.

وفي مجال السرد لدينا أكثر من مقال عن يوسف القويري الذي عاد إلى ليبيا نهاية الخمسينيات من المهجر وأسهم في الحركة الثقافية الوطنية الليبية ،ومقالا عن إبراهيم الكوني الذي دخل الساحة الثقافية منذ نهاية الستينيات ،ومقالا عن عمر أبوالقاسم الككلي وآخر عن جمعة بوكليب وهما من كتاب السبعينيات.تصوير سالم أبوديب

ومثلما أن محمد الفقيه صالح يبرز تواصل الحياة في حركتنا الثقافية الوطنية، يقوم بالدفاع عن حياتها أيضا لأن ثقافتنا الوطنية تتعرض في هذه المرحلة العصيبة الحرجة إلى:
“خطر داهم، حيث تتربص بها قوى سياسية وفكرية معروفة ،تتخندق إما وراء الأيديولوجيا العابرة لفكرة الدولة المدنية الوطنية ،أو وراء أيديولوجيا الهويات الفرعية الصغرى (القبلية والجهوية والإثنية والانفصالية) مستهدفة طمس خصوصيات ذاكرتنا الجمعية ،وحرف انشغالنا بالتنمية والتطور الاجتماعي إلى قضايا مفتعلة وجانبية، وإشاعة رؤية عدمية، توازي تماما الرؤية العدمية لتراثنا الوطني، السياسي والاجتماعي والثقافي، التي دأب النظام الاستبدادي السابق على ترسيخها طيلة أربعة عقود من الزمن” (ص 5). فهو مهجوس، كما يقول، بتلمس “نبض حياتنا الثقافية الليبية، وما يعتمل فيها من أسئلة ومشاغل” (ص 5). فتلمس النبض هو تلمس للحياة ونصرة لها، ويدخل ضمن الانتصار للحياة حماية “ذاكرتنا وهويتنا الوطنية من عاديات المتربصين بها” (ص 6). دائما يسعى محمد الفقيه صالح بدأب وإخلاص إلى اكتشاف مناطق الإضاءة والأمل في الأشياء والمسائل، وتوخي الإنصاف، وهو حريص دائما حين يتناول محاولات أدبية لمبتدئين على أن يركز على مناطق وإشارات الوعد في العمل والنظر إلى مستقبل الحركة الثقافية الوطنية.

إذن، أيتها الأخوات المثقفات الليبيات الوطنيات، والأخوة المثقفون الليبيون الوطنيون، محمد الفقيه صالح نصير للحياة. فلننظم إليه ونكن من أنصار الحياة في جوانبها كافة، ضد الدمار والموت.

 

* نص الكلمة التي شرفني بعض أصدقائي من الكتاب والأدباء الليبيين بكتابتها باسمهم في تأبين فقيدنا وفقيد الحركة الثقافية الليبية الوطنية الشاعر محمد الفقيه صالح.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى