اهم الاخبارمقالات مختارة

السلام لليبيا .. فيدريكا موغيرني

نشرت جريدة الحياة عبر موقعها الإلكتروني، صباح اليوم مقالاً لمسؤولة السياسة الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي “فيدريكا موغيريني” تحت عنوان “ليبيا للسلام”.

وبقدر ما جاء العنوان بسيطاً، كان الأسلوب في تناولها للأزمة الليبية عميقاً، يحمل في ثناياه إحساسا حقيقيا بمعاناة الشعب الليبي صادر من إنسان قبل أن يكون عن مسؤول في حجم مسؤوليات “موغيريني”، إذ طغت مفردات الإنسان المجردة من أي توجهات في مقالها، عن مصطلحات المتحدث من على منبر السياسة، أو الخطيب من أعالي أبراج القيادة.

“موغيرني” نظمت سطور مقالها بشيء من البراعة، لا في انتقاء الكلمات، بل في تلخيص المشكل وتقديم الحل في وقت حساس ومهم في آن، تبحث فيه الأطراف الليبية عن سبيل للخروج من دائرة الجمود السياسي الخانق، بأقل الأضرار والخسائر على رصيدهم السياسي، الذي يسعى الجميع للمحافظة على مستواه ضماناً للديمومة على هرم السلطة.

وكي لا نفسد متعة القارئ ونحرمه لذة الغوص في المعاني، رأينا نقله كاملاً للاستفادة.

السلام لليبيا

فيديريكا موغيريني

الهدف الذي نشترك فيه جميعا هو أن تنعم ليبيا بالسلام والأمن والديموقراطية. وهذه مصلحة استراتيجية واضحة لجيران ليبيا، لأوروبا ولأفريقيا وللعالم العربي. ولكن أولاً وقبل كل شيء، هو مطمح مشروع لجميع أبناء الشعب الليبي، المحاصرين بمرحلة انتقالية مؤلمة ولا نهاية لها، وبحالة عدم استقرار تستفيد منه الجماعات الإرهابية والإجرامية فقط. يمثل مؤتمر باليرمو حول ليبيا هذا الأسبوع إمكانية لدى جميع الأطراف لوضع خلافاتهم جانباً واتخاذ خطوات ملموسة نحو ليبيا التي تنعم بالاستقرار وتشمل الجميع.

يريد الشعب الليبي أن تنتهي المرحلة الانتقالية. وهذا لن يحدث إلا إذا شارك جميع الليبيين في تشكيل مستقبل البلاد، الطريق نحو الاستقرار والديموقراطية يجب أن يكون شاملاً قدر الإمكان. والسلام المستدام يتطلب إحساساً جديداً بالانتماء المشترك من المجتمعات والفصائل الليبية كلها، وهذا في حاجة إلى دعم المجتمع الدولي بأكمله. وقد عمل الممثل الخاص للأمم المتحدة في ليبيا، غسان سلامة، على وجه الخصوص ومن دون كلل، على تهيئة الظروف الملائمة لعملية سياسية شاملة. تشاطر دول الاتحاد الأوروبي الأعضاء رغبة الحكومة الإيطالية في تسهيل عمل الممثل الخاص سلامة نحو إجراء حوار حقيقي يشمل الجميع. وفي باليرمو، سنجدد دعمنا الكامل لخطة عمل الممثل الخاص المتجددة التي تفضي إلى إنهاء المراحل الانتقالية واتخاذ الخطوات اللازمة لإجراء الانتخابات.

الاتحاد الأوروبي دعم جهود الأمم المتحدة الدؤوبة منذ اليوم الأول، سياسياً واقتصادياً ولوجستياً. ووقفنا إلى جانب الشعب الليبي طوال الوقت، لتوفير احتياجاتهم الفورية ومساعدتهم في تحقيق طموحاتهم وتمويل مشاريع بمئات الآلاف من اليوروات.

الشعب الليبي يريد ويستحق الديموقراطية التي تشمل الجميع. تسجل مليونان ونصف مليون ليبي للتصويت في الانتخابات، مبدين رغبتهم في طي صفحة النزاع التي امتدت لسنوات. ونظمت اجتماعات مفتوحة في أنحاء البلاد، رغم الظروف الأمنية الصعبة. وقمنا نحن، الاتحاد الأوروبي، بتمويل هذه العملية حتى الآن، وسنستمر في مرافقة الشعب الليبي خلال لقاءاته في اجتماع المؤتمر الوطني ومرحلة الانتخابات التي سيختارون من خلالها مستقبل بلدهم. الليبيون يستحقون الأمن والمؤسسات القوية. وكانت البلديات الليبية في المقدمة، من حيث تقديم الخدمات الأساسية، بدءا من المياه إلى إدارة النفايات، لقد رافقنا عملهم بالدعم المالي والخبرة الفنية. و نقوم، من خلال مهمتنا المدنية إلى ليبيا، بتدريب الشرطة القضائية الليبية وإدارة التحقيقات الجنائية، ونساعد القوات الأمنية الليبية في إدارة حدودها لمنع تهريب الأسلحة والمخدرات. ومن خلال عمليتنا البحرية (صوفيا)، نقوم باعتقال المهربين وننقذ الأرواح ونقوم أيضاً بتدريب خفر السواحل الليبي على إنقاذ الأرواح واحترام حقوق المهاجرين.

الشعب الليبي يستحق أيضاً إدارة أفضل لتدفقات الهجرة. فليبيا ليست مجرد بلد عبور نحو أوروبا، بل هي ايضاً وجهة للكثير من المهاجرين. لقد عملنا مع دول جوار ليبيا على إنقاذ الأرواح في الصحراء، وعملنا أيضا على توفير البديل لهؤلاء الأشخاص المتوجهين إلى ليبيا، فقد تم اختيار الآلاف لتمكينهم من العودة إلى بلدانهم الأصلية، وقمنا بمساعدتهم بالدعم الاقتصادي لبدء حياة جديدة. وساعدنا في تحرير الآلاف من الرجال والنساء من مراكز الاحتجاز في ليبيا، في تعاون غير مسبوق مع الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة. ونحن أكبر مزود للمساعدات الإنسانية للنازحين داخلياً في ليبيا.

ليبيا بلد غني يتمتع بإمكانات اقتصادية وبشرية هائلة. والشعب الليبي يستحق وظائف جيدة وتعليماً جيداً والمهارات المناسبة لمتابعة تطلعاته. ساهم الاتحاد الأوروبي في إعادة بناء المدارس والجامعات الليبية، نحن نمول التدريب المهني ونساعد رواد الأعمال عندما يبدؤون أعمالاً جديدة أو عند توسيعهم نطاق أنشطتهم.

الليبيون يستحقون حياة طبيعية. وتقع على عاتق أوروبا مسؤولية البقاء موحّدة وأن تكون الشريك القوي الذي تحتاجه ليبيا في هذا المسار. والمجتمع الدولي ككل يتحمل مسؤولية دعم الأمم المتحدة في عملها نحو عملية سياسية شاملة في ليبيا. لكن، في نهاية المطاف، الأمر متروك للأطراف الليبية لوقف العنف وإتمام المرحلة الانتقالية وإعادة بناء دولة قوية وديموقراطية. مستقبل ليبيا لليبيين، لهم وحدهم. وفي باليرمو، سنقدم لهم كل الدعم لتحقيق هذا الهدف – حتى يتمكن الشعب الليبي من أخذ مصير بلده بيديه.

* مسؤولة السياسة الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي.

المصدر
الحياة اللندنية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى