مقالات مختارة

الدول العربية أمام إصلاحات اقتصادية صعبة

عامر ذياب التميمي

صادف الثلاثون من حزيران (يونيو) الماضي مرور أربع سنوات على انتفاضة الشعب المصري ضد حكم مرسي ورفاقه، ولكن كيف يمكن أن نفسر ما حصل منذ بداية ما أطلق عليه «الربيع العربي»؟ معلوم أن البداية كانت من تونس في كانون الأول (ديسمبر) من عام 2010، ثم انتقلت إلى مصر وليبيا واليمن وسورية، وامتدت إلى حد ما إلى الجزائر والمغرب والبحرين. يمكن الاعتقاد بأن تلك الانتفاضات والتحركات الجماهرية نتجت من السكون السياسي والتدهور الاقتصادي الذي امتد لعقود في مختلف البلدان العربية. بيد أن ما يهم في هذه العجالة هو التطرق إلى الأوضاع الاقتصادية في هذه البلدان وكيف تطورت أو تدهورت.
ارتبطت الاقتصادات العربية المختلفة بالاقتصاد النفطي الذي تعزز في هذه المنطقة من العالم منذ مطلع خمسينات القرن الماضي. واعتمدت البلدان العربية المنتجة للنفط مثل السعودية ودول الخليج الأخرى وكذلك العراق والجزائر وليبيا، على إيرادات النفط لتتمكن من الإنفاق الجاري والاستثماري وتنشيط القطاعات الاقتصادية كافة. وقد تأثرت البلدان العربية الأخرى غير المنتجة للنفط بشكل أساس، مثل مصر واليمن وسورية والسودان وتونس والمغرب، بذلك الاقتصاد النفطي من خلال الدعم والمعونات من البلدان العربية، أو من تحويلات أبنائها العاملين في بلدان النفط أو غيرها من بلدان أجنبية.
الاقتصاد العربي بات ريعياً بامتياز وإن كان بدرجات مختلفة. ومن أهم سماته تلك المتعلقة بالتوظيف حيث أصبح في الدوائر الحكومية أو منشآت القطاع العام من أهم آليات تشغيل العمالة الوطنية ليس فقط في البلدان المنتجة للنفط بل أيضاً في بلدان أخرى مثل مصر والسودان وتونس وسورية. ويجب أن نشير إلى أن مرحلة الاقتصاد النفطي واكبت فترة انتعشت فيها قيمة الاقتصاد الاشتراكي، أو الشمولي، في بلدان عربية عدة ما عزز دور الدولة وهيمنتها على القطاعات الاقتصادية الحيوية. لا شك في أن محاولات الإصلاح الاقتصادي بدأت منذ منتصف سبعينات القرن الماضي في بلدان عربية، أهمها مصر، ولكن تلك المحاولات أجريت على استحياء وبمقاومة البيروقراطية الحكومية. لذلك ظل الاقتصاد وطبيعته مبهمين بين محاولات الإصلاح البنيوي المدعوم من المؤسسات الدولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد والحكومات الغربية، وبين المقاومة المحلية من البيروقراطية والمجتمع السياسي الشعبوي. وهكذا استمرت المراوحة، ما زاد أعداد العاطلين من العمل وضعف فرص الاستثمار وتباطؤ النمو الحقيقي. يضاف إلى ما سبق أن المجتمعات العربية ظلت مستمرة بالنمو السكاني المتسارع، من دون قدرة على ضبط الإيقاع.
كل ذلك يؤكد فشل التنمية الاقتصادية والاجتماعية في بلدان عربية عدة وتقاعس حكوماتها عن الإصلاح الهيكلي والتنمية البشرية والاقتصادية والاتكال على ريع النفط، بشكل مباشر أو غير مباشر. ربما ساهم الحرمان من الحقوق السياسية الأساسية في التحرك الجماهيري في أكثر من بلد عربي، لكن ظل التدهور في الأوضاع المعيشية عنصراً فعالاً ومؤثراً.
فماذا جنت الشعوب العربية من تلك التحركات، والتي لا يبدو أنها نتجت من تخطيط محكم أو بدور لقيادات سياسية واعية؟ يمكن الزعم بأن أوضاع الشعوب العربية المعيشية لم تتحسن البتة، كما أن الاقتصادات العربية أصبحت أكثر تأزماً. الاقتصاد النفطي لم يعد منتعشاً بعدما تراجعت الأسعار إلى مستويات متدنية خلال السنوات الثلاث الماضية، وتراجعت قدرات البلدان المنتجة للنفط على دعم وتمويل البلدان غير النفطية. ربما أدت هذه العوامل غير المريحة إلى دفع عدد من البلدان العربية الرئيسية إلى اتخاذ القرارات الضرورية والتي حاولت تفاديها في سنوات سابقة. مصر مثلاً، قررت تعويم سعر صرف الجنيه المصري بعد عناد استمر لعقود، بما حسن ثقة المؤسسات الدولية والمستثمرين في الإدارة الاقتصادية. كما أن المغرب ينوي اتباع عملية التعويم. وقد تكون هذه الإجراءات حصاداً مراً في الأجل القريب ولكنها معالجات مستحقة. لذلك لن تتعزز عملية الانتعاش إلا من خلال إصلاح واسع النطاق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى