كتَـــــاب الموقع

الأوسكار يعاقب ترامب

لا لا لاند يوقد شمعة في ظلمات الحفل

طارق الشرع

بمفاجآت جديدة وخطابات واعدة تم ترسيم نجوم السينما في الحفل السنوي الأكبر يوم الإثنين الماضي في مسرح ” دولبي ” بمدينة لوس أنجلوس الأمريكية في أجواء لم تكن فنية خالصة، فإلى جانب العروض الترويجية المعتادة لأزياء النجوم وبعض المنتجات العالمية انشغل أوسكار2017 ضمنياً بتوجيه رسائل سياسية وأخرى جاءت في محل إثبات نزاهة بعد جملة من الهجمات الصحفية التي طالته السنة الماضية.

فبعد الانتقادات التي واجهت لجان التقييم العام الماضي بسبب غياب النجوم السمراء عن القائمة النهائية للترشيحات حققت قوائم النسخة الأخيرة حضوراً غزيراً لها ولقضاياها، وصلت بها لمنصات التتويج بجوائز كبرى كجائزة أفضل فيلم في السنة التي تحصل عليها فيلم ضوء القمر ” moon light “، وجائزة أفضل ممثل مساند للممثل ” ماهر شالا ” عن دوره في نفس الفيلم، كما نالت الممثلة ” فيولا ديفيس ” جائزة أفضل ممثلة مساندة عن دورها في فيلم أسوار ” fences “.

يتناول فيلم السنة ضوء القمر ” moon light ” سيرة حياة شاب أسمر البشرة ” شارون ” ينشأ في إحدى الأحياء الفقيرة في أمريكا ” حي ميامي ” وسط مجتمع سفلي تنتشر فيه تجارة المخدرات وتعاطيها ويسوده قانون الغابة، يعيش ” شارون ” شبه متشرد مع والدته المدمنة ويعاني القهر والاضطهاد باستمرار من أبناء جيله بسبب سلوكه السلمي، ليتحول تحت هذه الضغوطات أخيراً لانتهاج العنف و تجارة المخدرات.

يقسّم الفيلم حياة ” شارون ” لثلاثة أقسام: ( الصغير- شارون- الأسود) وهي المراحل التي جسدت حالة التحول في شخصية ” شارون ” من السلم إلى العنف أو من القوة إلى الضعف بمفهوم ” ميامي “، ورغم قيمة التطور في الشخصية بالنسبة لقصة ” ضوء القمر ” إلا أن الفيلم مر بالتحولات بشكل انسيابي عبر إيقاع متماسك ودون إحداث ضجيج في محيط الشخصية الرئيسية، فتفاصيل دخول وخروج وغياب الشخصيات المؤثرة في حياة ” شارون ” لم تشغل مسار أحداث الفيلم إلا بقدر تأثيرها على نمو وتطور هذه الشخصية.

وضمن الأحداث الهامة في ليلة الأوسكار تحصل الفيلم الإيراني ” البائع ” على جائزة أفضل فيلم أجنبي، ولا تعود أهمية الحدث فقط بسبب حصول إيران على ثاني جائزة أوسكار بعد خمس سنوات من حصولها على جائزتها الأولى بفضل نفس المخرج ” أصغر فرهادي” ؛ فتتويج الفيلم الإيراني بجائزة السنة ارتبط بموقف المخرج والطاقم الفني للفيلم الرافض لحضور الحفل اعتراضاً على قرار ترامب القاضي بحظر سبع دول من الدخول للولايات المتحدة، الأمر الذي أثار الشكوك حول أحقية الفيلم لنيل الجائزة ووصفها بالجائزة السياسية، لاسيما وأن وزير الخارجية الإيراني كان في مقدمة المشيدين بالفيلم وبعمل المخرج فور إعلان النتائج.

تدور أحداث فيلم البائع حول أزمة تواجه ممثلاً مسرحياً ” عماد ” بعد تعرض زوجته ” رنا ” لاعتداء جسدي بالضرب والاغتصاب في شقته من شخص مجهول، ليكتشف بعد اقتفاء آثار المعتدي أن الأمر يتعلق بمسن فيقرر معاقبته والتشهير به أمام عائلته، إلا أن ” رنا ” ترفض ردة فعل زوجها الانتقامية وتكتفي بمسامحة المجرم.

شخصياً أعتقد بأن الفيلم على المستوى الفني لم يرتق لمستوى التتويج مقارنة بالأفلام المنافسة له في هذه الخانة، ففيلم ( البائع ) رغم احتوائه على طاقات تمثيلية رائعة في مقدمتها بطل الفيلم ” شباب حسيني ” وعلى عمل إخراجي مميز إلا أنه عانى من ارتباك على مستوى السيناريو وبالتحديد في جانب رسم الشخصية، فالمعتدي على رنا الشابة مثلاً ومن أصابها بأضرار جسدية جسيمة واغتصبها وهرب من ملاحقة الجيران لايمكن أن يكون كهلاً مصاباً بأمراض قلبية.

بينما تميز فيلم ” la la land ” بإطلالة مبهجة عكس ما ظهرت به معظم الأفلام المتنافسة على الجوائز، فقد سيطرت مواضيع التمييز العنصري والمعاناة الاجتماعية والاضطرابات النفسية على قصص هذه الأفلام.

وقد حظي الفيلم الغنائي بالاهتمام الأوسع في الحفل وخارجه نظراً للعدد الهائل من الترشيحات التي حازها في عام 2017 والتي عادل بها الرقم الأسطوري في تاريخ الأوسكار المسجل باسم ( تايتنك ) للمخرج جيمس كاميرون بعدد ” 14 ” ترشيحاً.

الفيلم نال عدد ” 6 ” جوائز من أصل عدد ” 14 ” ترشيحاً، منها جوائز كبرى كجائزة أفضل مخرج واستحقه ” داميان تشازل “، ونالت الممثلة ” إيما ستون ” جائزة أفضل ممثلة عن دورها في الفيلم.

تدور أحداث فيلم ” لا لا لاند ” حول عاملة في مقهى تدعى ” ميا ” تسعى لتجاوز تجارب الأداء لتحقيق حلمها بأن تكون ممثلة محترفة، تصادف بشكل متكرر ” سيباستيان ” وهو عازف جاز في الملاهي الليلية والفرق الموسيقية المتواضعة ويحلم بإنشاء مقهى خاص به ليعزف فيه موسيقى الجاز التقليدية، يرتبطان ” ميا وسيباستيان ” بقصة حب تتأسس على طموحات مشتركة وتنتهي بسبب اختلافهما في طرق التواصل بأحلامهما.

فيلم ” لا لا لاند ” مشحون بأجواء المرح والرقص والغناء وقليل من الحزن، فلم يقتصر الاستعراض على الجانب الغنائي فقط بل إن الاستعراض الحقيقي تمثل في الجانب التصويري للفيلم، فقد شكل مخرج العمل من مدينة لوس أنجلوس مجموعة من اللوحات الفنية المدهشة، المدينة الأمريكية في الفيلم كانت تساند الأبطال وترشدهم سبيل الحلم، وأعتقد أن ما بذله مخرج العمل في هذا الجانب كفيل بتحقيق كل هذا النجاح للفيلم.

المنافسة الأشد في الحفل كما أظن قامت في فئة ” أفضل ممثل ” وبالتحديد بين الثلاثي الممتع ( دينزل واشنطن – أندرو غارفيلد – كيسي أفلك )، دينزل واشنطن قام بدور مركب ومعقد بإتقان في فيلم أسوار ” fences ” الذي شهد تجربته الإخراجية الأولى، بينما قام أندرو غارفيلد بتجسيد سيرة حياة مسعف عسكري في فيلم مثير حمل عنوان جبل هاكسو ” Hacksaw Ridge” وقام بإخراجه المميز ميل غيبسون، أما بطل الجائزة كيسي أفليك فأعلن عن قدرة تمثيلية عالية الجودة بأدائه المثير في فيلم ” Manchester by the sea ” من إخراج كينيث لونيرغان.

يجسد كيسي أفليك في فيلم ” Manchester by the sea ” دور عامل صيانة في مدينة كوينسي الأمريكية ويدعى ” لي ” يتلقى دعوة عاجلة للعودة لمدينته بسبب موت شقيقه الوحيد، ليجد نفسه مقيداً بوصاية قانونية تلزمه بالاعتناء بابن أخيه وبالتالي البقاء في المدينة التى هجرها بسبب ذكراها الأليمة في نفسه.

رغم الحدود الضيقة التي حاصرت أفليك لأداء الدور إلا أن الممثل بذل مجهوداً خرافياً لتجسيد حالة سقوط وانهزام ” لي ” بفعل موته الروحي بعد أن تسبب في موت أطفاله حرقاً نتيجة إهماله واستهتاره، ” لي” قرر مواصلة حياته ببرود بدون طموح و بدون نساء ولا ملذات أو صالة لاستقبال الضيوف، لا شيء يستحق الحياة بعد، هذا ما كان يجسده أفليك، فمساحة التحول في طبيعة الشخصية كانت محدودة ومشروطة باستعادة ذكرياته قبل الأزمة من خلال ( الفلاش باك )، والفيلم رغم ما حمله من كآبة وحزن إلا أنه كان قريباً جداً من تجسيد واقع الحالة بكل همومها ومعاناتها.

الحفل كعادته كان مناسبة جيدة لإلقاء الخطابات والكلمات التاريخية من قبل النجوم الفائزين بالجوائز، في هذه السنة تصدرت سخرية مقدم الحفل ” جيمي كيميل ” المتواصلة من رئيس الولايات المتحدة ” دونالد ترامب ” كرنفال الكلمات في الحفل، حيث قام مقدم البرامج الكوميدية الشهير بانتقاد لاذع لملاحظات ” ترامب ” غير المسؤولة حول الفن والفنانين والصحافة، وكان أشهرها ما صرح به الرئيس الجمهوري لإحدى الصحف حول مسيرة الممثلة الأكثر نجومية في تاريخ هوليود ” ميريل ستريب ” حين قال: ( ميريل نالت اهتماماً أكثر مما تستحق ) ، في هذا الإطار وجه مقدم الحفل كلامه للحضور قائلاً: ( ميريل ستريب لم تبذل أي مجهود في 50 عملاً سينمائياً، ورغم ذلك حصلت على 20 ترشيحاً للجائزة، والمثير أنها لم تظهر في أي فيلم هذا العام لكننا كتبنا اسمها هنا بحكم العادة ).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
خاص موقع 218

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى