مقالات مختارة

أخطر 6 تفسيرات للإرهاب

ممدوح المهيني

الأخطر من العمل الإرهابي هو التفسيرات المغلوطة التي تعقبه. خطيرة لأنها لا تعالج الإشكالية، وتتحول بسرعة إلى تبريرات توفر الغطاء العقلي والمنطقي للإرهابيين الصاعدين. إن كنا طيبين سنقول إنها تفسيرات تقال بنية طيبة، ولكن علينا أن نكون متشككين وحذرين عقليا، لنكتشف على الفور خطورتها. القليل المحمود من سوء الظن سيجعلنا أيضاً ندرك أن بعض من يرددونها لا يبحثون عن تفسير وتحليل للظاهرة، ولكن الهدف هو خلط الأوراق وتشتيت المتابعين.
سأذكر 6 تفسيرات خطيرة يتم تداولها باستمرار بعد كل عمل إرهابي أرى من المهم نقض منطقها تماماً حتى لا يعاد تكرارها.
التفسير الأول يقول إن سبب الإرهاب عدم قدرة الشاب على الاندماج في المجتمعات الغربية، فيقوم هذا البريء المهمش بسرقة أقرب شاحنة ويدهس البشر في الأسواق. تفسير خاطئ، لأن جماعات وأفرادا كثيرة يتعرضون للتهميش والإحباط ولكنهم لا يتحولون إلى قتلة. قد يصابون بالجنون أو ينتحرون ولكن لا ينحرون غيرهم. لماذا لا نسمع أن مهمشاً صينياً ارتكب عملية إرهابية في دولة غربية؟ ولماذا لا نرى جماعة داعشية صينية تقطع الرؤوس؟ السبب يبدو واضحاً. الثقافة المسكونة بعقولهم لا تحرضهم ولا تشجعهم على هذا. هناك وسائل أخرى للاعتراض على التهميش، إحداها العزلة عن العالم.
التفسير الخطير الثاني أن الإرهاب هو ردة فعل على الغزو الغربي العسكري والثقافي لديارنا. مع تجاوز المغالطة الأخيرة إلا أن الرد البسيط على هذا التفسير الخطير هو لماذا إذن يقتل الإرهابيون المسلمين أكثر من غيرهم وفي بلاد المسلمين؟ ولماذا يقتل شاب أمه التي ربته؟ هل هي مثلاً جاسوسة للجيوش الغربية وتسهل مهماتهم لغزو بلاد المسلمين، لهذا استحل هذا المجاهد المراهق إزهاق روحها؟ الغزو الذي يتحدثون عنه هو الاندماج الثقافي والحضاري الذي خلط الشرق مع الغرب، وأصبحت ترى في شارع واحد مئات الجنسيات التي تشكل الهوية العالمية الجديدة. منتج حضاري يحوله داعية متطرف إلى وسيلة للتجييش والتحريض في خطبه وبرامجه التلفزيونية. يستخدم فيه مصطلحات مثل “المؤامرة” و”التغريب”. في كل مرة تسمع هاتين الكلمتين تحسس رأسك.
التفسيران الآخران ثقافيان، أما الثالث فتفسير طبي. المبرر الثقافي يتحول إلى معالج نفسي، ويشخص حالة الإرهابي بالمجنون أو المختل النفسي والمصاب بالذُّهان. تفسير مغلوط لأنه يحيل المسألة الإرهابية كلها إلى قضية جسدية فردية، حيث يعاني الإرهابي من مشكلة في عقله، لذا يقوم بأعمال لا يصدقها إنسان عاقل. الجنون هو المذنب، إذن الثقافة بريئة. يريدون منا أن نلقى الحل في المستشفيات والصيدليات، حيث نشتري أودية مضادة للإرهاب، ونقعد الإرهابيين على أسرة المعالجين النفسيين، حيث يفضفضون عن أحلام الطفولة المكبوتة التي جعلت منهم قتلة محترفين باسم الدين. تفسير مضحك ومخادع بذات الوقت.
التفسير الرابع السياسي حيث يقول البعض إن الإرهابيين دعاة حرية وديمقراطية. بسبب الكبت السياسي ورغبتهم في البرلمانات فجروا غضبهم في أجساد الأبرياء. يقولون افتحوا المناخ السياسي وسيضعف تلقائياً العنف. سنصدق مثل هذا الادعاء إذا كان زعماء الإرهاب والدماء من بن لادن إلى البغدادي يقتبسون من كتابات جيفرسون ودي توكفيل، ولا يرددون دعوات مفتوحة لسبي النساء وقتل الرجال.
التفسير الخامس هو التفسير الجنائي. يوصف الإرهابيون بالمجرمين، وهذا خطأ فادح. هناك فرق بين المجرم والإرهابي. المجرم على عكس الإرهابي، لا ينطلق من خلفية فكرية تبرر له فعلته. لا يوجد سارق أو مغتصب يتقرب إلى الله بسرقته على عكس المتطرف. عندما نقول مجرم فإن المسألة كلها تتحول إلى جنائية ولا يمكن أن تحل، لأن المجرمين عرفوا منذ بدء الخليقة، وسيعيشون معنا إلى يوم القيامة. تفسيرات مرتكبي الجريمة تعود إلى السلوك الشخصي أو التربية.
التفسير الأخير وهو أخطرها يعبر عنه بجملة واحدة متكررة تقول “ليس لدي تفسير”. تقال كتعبير عن الصدمة العاطفية، ولكن هذه تنازل سلبي واختياري، وخطورته أنه يترك الساحة للمخادعين لينشروا الشائعات والتبريرات المغلوطة حتى تضيع دماء الأبرياء على شماعات وهمية. التشدد هو التفسير الأول للإرهاب، وهو نفسه التفسير الأخير. هل يوجد إرهابي واحد لم يكن متطرفا سابقا؟ هل يوجد إرهابي واحد استيقظ من النوم فجأة وقرر أن يجز رؤوس “الكفار”!؟ هل يوجد إرهابي واحد علق على جدران غرفته صور الفلاسفة والمفكرين؟ هل يوجد إرهابي واحد قرأ رواية لنجيب محفوظ قبل أن يقرر تفجير نفسه؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
موقع العربية نت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى