مقالات مختارة

ما الفائدة من استضافة كأس العالم؟

د. عبد الله الردادي

بدأت منذ أيام حمى كأس العالم بكل ما فيها من الحماس والإثارة التي عادة ما تصاحب المونديال العالمي، كما تزامن مع هذا الحدث فوز الولايات المتحدة وكندا والمكسيك بتنظيم مشترك لكأس العالم عام 2026، وخسر الملف المغربي تنظيم كأس العالم للمرة الخامسة على الأقل خلال الثلاثة عقود الماضية.
وعادة ما تسوق ملفات الاستضافة أن استضافة المونديال تنعش الاقتصاد من خلال زيادة الموارد السياحية وإنشاء فرص عمل جديدة وزيادة الاستثمارات في البنية التحتية. هذه الأفكار التي عادة ما تتكرر، أقنعت العامة أن استضافة كأس العالم ليست نافعة فقط على المستوى الاجتماعي والنفسي، بل قد تلعب دور المنقذ للاقتصاد الوطني، وهي المبرر لموجة السخط التي عادة ما تصاحب خسارة ملف الاستضافة. فهل تؤثر كأس العالم فعلاً في الاقتصاد المحلي كما يسوق لها الكثيرون؟
دينيس كوتس بروفسور الاقتصاد في جامعة «ميريلاند» الأميركية أشبع هذا الموضوع دراسة منذ أكثر من عشر سنوات، وخلص من أبحاثه إلى أن ملفات الاستضافة تبالغ كثيراً في التأثير الإيجابي لكأس العالم على اقتصاد الدولة المستضيفة. خلاصته هذه لم تأتِ من فراغ، بل من استدلال بأرقام وبيانات توضح هذا التأثير. فعلى سبيل المثال، توقعت اللجنة المنظمة لكأس العالم 1994 في الولايات المتحدة الأميركية أن كأس العالم ستضيف 4 مليارات دولار للاقتصاد الأميركي، ولكن الواقع أن أميركا خسرت 9.6 مليار دولار من التنظيم، بفارق خسارة 13 مليار دولار على الأقل عن المتوقع. والواقع أن الربح المتوقع (4 مليارات دولار) هو رقم ضئيل جداً مقارنة بالاقتصاد الأميركي، وقد يصرف في مشروع هامشي في الولايات المتحدة.
وفي روسيا، صرفت الحكومة الروسية ما يزيد على 11 مليار دولار خلال الأعوام الماضية، غالبيتها في إنشاء وتطوير ملاعب كرة القدم، وتوقعت الحكومة الروسية أن تبلغ العوائد 31 مليار دولار على مدى العشر سنوات المقبلة، فماذا تشكل 31 مليار دولار مقسمة على عشر سنوات لدولة يبلغ حجم اقتصادها 1.3 تريليون دولار؟ هذا بالطبع إن صدقت هذه التوقعات التي ستنسى غالباً بعد عقد من الزمان. أما ألمانيا التي استضافت كأس العالم عام 2006، فقد أعلنت أن أرباح كأس العالم بلغت 194 مليون دولار، وهو رقم لا يذكر بجانب الناتج القومي الألماني حينها والبالغ 3 تريليونات دولار.
كما تشير الأرقام إلى أن كأس العالم لا تنعش السياحة كما هو شائع، ففي ألمانيا، بلغت الزيادة في إنفاق السياح 60 مليون يورو مقارنة بالعام الذي سبق كأس العالم، ويبلغ دخل ألمانيا من السياحة أكثر من مليار ونصف المليار يورو. أما في كوريا التي استضافت كأس العالم 2002، فلم يتغير عدد السياح في سنة كأس العالم عن العام الذي سبقها بشكل كبير. كما أن حكومة جنوب أفريقيا صرفت ما يقارب 13 ألف دولار لكل سائح (مجموع الإنفاق الحكومي مقسوماً على عدد السياح)، وهو رقم يقل كثيراً عن معدل الإنفاق الفردي للسائح. كما أن الناتج القومي لجنوب أفريقيا في عام 2016، قلّ بنسبة 2.2 في المائة عن عام 2009 (قبل استضافتها كأس العالم بعام)، وهو رد صريح لمن يدعي أن عوائد الاستضافة تظهر على المدى الطويل.
والإنفاق الحكومي على كأس العالم عادة ما يكون على المنشآت الرياضية ذات العوائد الاقتصادية المنخفضة، فعلى سبيل المثال، ستحتاج الولايات المتحدة لإنفاق المليارات لتطوير ملاعب كرة القدم فيها، وهذه الملاعب غالباً لن تستخدم بشكل فعّال بعد انتهاء كأس العالم بحكم انخفاض شعبية كرة القدم في الولايات المتحدة، وهو ما يبين أن «تكلفة الفرصة البديلة» عالية جداً لهذه المشاريع، فلو تم إنفاق هذه المبالغ في مشاريع أخرى لعادت على الاقتصاد المحلي بفائدة أكبر.
المونديال احتفال عالمي، وهو من بواعث البهجة ولا شك للدولة المستضيفة ولجميع محبي كرة القدم حول العالم، إلا أن الوقائع السابقة تشير إلى أن المنفعة الاقتصادية من استضافته مشكوك فيها، وهي مجرد وسيلة لتسويق ملف الاستضافة، والفائدة الاقتصادية كلها تعود للفيفا نفسه، وليس للدولة المستضيفة، فما قدمه الفيفا من معونات لجنوب أفريقيا في عام 2010 لا يعادل حتى ربع مما حققه من أرباح، وخرج بعدها الفيفا بمظهر المنتصر للقارة الأفريقية، وقد كسب ما يقارب ملياري دولار من الرعاة والنقل التلفزيوني، بينما اجترت جنوب أفريقيا خسائرها الاقتصادية بصمت، مكتفية بكونها أول دولة أفريقية تستضيف كأس العالم، وهو شرف لها بلا شك، إلا أنها كبدتها خسائر اقتصادية… وهي غالباً الحال نفسها التي ستؤول إليها الدول المستضيفة لكأس العالم في المستقبل.

الرئيسية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى