كتَـــــاب الموقع

حراك العلاقات الإنسانية

عمر أبو القاسم الككلي

تنطوي العلاقات الإنسانية، بصفتها هذه (أي: بصفتها إنسانية)، على تعقيدات وتضاربات بالغة، ورغم أن العلاقة بين طرفين قد تبدو مستقرة وثابتة، إلا أنها، في الحقيقة، تكون متحركة، بهذه الدرجة أو تلك، في الأعماق، بحيث قد يؤدي تراكم هذه التحركات إلى تغيرات على المدى الطويل، تكون فجائية أحيانا.

وهذه التغيرات الفجائية تفضي إلى تخريب العلاقة، ونعني بالعلاقات الإنسانية هنا العلاقات التي توصف بأنها عاطفية وتشمل علاقات الصداقة، سواء كانت بين طرفين من نفس الجنس أو جنسين مختلفين، وعلاقات الحب وعلاقات الزواج.

في هذا الإطار، غالبا ما ينحو كل طرف باللائمة على الطرف الآخر الشريك في العلاقة، إذ هناك ميل إنساني عام إلى أن نعتبر أنفسنا غير مسؤولين عما يَلحق علاقتنا بالآخر من تدهور.

لذا لا ينبغي النظر إلى هذه التحولات التي تمر بها العلاقات الإنسانية على أنها شيء مفاجئ وسلبي، وإنما يجب اعتبارها خاصية من خصائص الطبيعة الإنسانية ذاتها، فالإنسان ليس حجرا جامدا.

وبالتالي فإن من طبيعته التفاعل مع شروط حياته وواقعه، وهذا التفاعل يقود دائما إلى تغير ما، فمثلما يغير الفعل الإنساني من الواقع، يرد الواقع بالتأثير في نفسية الإنسان وأفكاره ومواقفه، أحيانا في سياق وإطار توجهه الأول (أيا كان موقفنا من هذا التوجه) وأحيانا بالانشقاق عن هذا التوجه والانقلاب عليه.

وما يميز الإنسان هو تنوع الاستجابات الشخصية في التعامل مع الواقع، فعند تعرض شخصين أو أكثر من نفس البيئة الاجتماعية والثقافية، وحتى من نفس العمر، لظروف معينة، قد تحدث ردات فعل نفسية وعقلية، خفية في البداية، تختلف من شخص لآخر، تترتب عنها، لاحقا، توجهات سلوكية متباينة، وحتى متعارضة.

فالإنسان، في سياق تفاعله مع الواقع الشامل الذي يكتنفه، يمكن أن يغير أفكاره وآراءه على جميع الأصعدة والمستويات الفكرية والاجتماعية والسياسية والدينية.

وعلى المستوى الديني، يمكن للإنسان أن يعيد النظر في بعض الأفكار والمعطيات الدينية المتوارثة، ويمكن أن ينتقل من مذهب ديني إلى آخر، وأن يُبدل دينه أو يختار أن يكون لا دينيا، وعلى المستوى الاجتماعي، يمكن أن يتمرد على العادات والتقاليد الموروثة ويخرج عنها خروجا كاملا، أما على المستوى السياسي فكثيرا ما تحدث التحولات على المستوى الفردي ونلاحظها بشكل جماعي في انشقاقات الأحزاب السياسية، وهذه التغيرات الدينية والاجتماعية والسياسية تؤثر في شبكة علاقة الفرد مع الآخرين، وتنشئ علاقات جديدة.

وإذن، فالتغير هو القانون الثابت المتحكم في الإنسان، وهو، بشكل عام، أساس التطور والتقدم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى