مقالات مختارة

يِّعكِّر

سالم الهمالي

أغلب الناس تعرف ركوب الخيل، حتى من لم يركبها قط في حياته، فهي مدعاة للتفاخر، القلة فقط من يعرفون ركوب الحمير، على الرغم من ان ركوبها أسهل بكثير، ربما يرجع السبب في ذلك إلى ازدرائها، والتعفف من أي شيء له صلة بها.

الحمار حيوان مطيع قليل المشاكسة، يأكل البرسيم أو التبن، يشرب الماء، يبقى في مكانه بلا كثرة حراك، إلا من بعض نهيق، يقولون إنه يصدره عندما يتراءى له أحد الشياطين. ولأنه طيِّع، يمكن لأي أحد أن يمتطي ظهره بسهولة إذ لا يتزحزح عن مكانه حتى يستوي على ظهره الراكب، ولسوء حظه لا يسمى من ركبه فارس، بل “راكب الحمار”، لا أدري هل في ذلك احتقار للحمار أو راكبه أم كليهما !

البعض يتهم الحمار بالغباء، .. لا أعرف مصدر هذا الاتهام الباطل، فهو بالتأكيد يعرف طريقه متى ما تعود عليها، ألا يقول (بني الإنسان) إن: التكرار يعلم الحمار !!… وكأنهم يغفلون أن هناك ممن يركبون الحمار لا يتعلمون ولو أعدت لهم ألف مرة.

الحمار إذا غضب، وهذا يحدث أحيانا يعبر عن مشاعره بالتنكيس، فيأخذ قفزات في الهواء على جميع المحاور يطلق فيها العنان لأرجله مصحوبا بفرقعة من الريح … يرى البعض أنها لغة بلغية يواجه بها راكبه.

لا شك أن الحمار يحسد الحصان، فلا تكاد تجد حتى صفة واحدة للتقليل من قيمة وقدر الحصان، لكن لا يسلم الحمار من التقريع والسخرية، فينادون على من لا يفهم أو لا يسمع أو لا يطيع: يا حمااااااااار
لكن الحمار مطيع ولا يعترض وبالتأكيد يفهم، وإلا لما تبع الطريق كل مرة بدون إعادة تنخيس!
وسبب الحسد للحصان ليس فقط لأنهم يقدرونه أكثر من الحمار، بل لأنهم أيضا يعطونه أفضل الطعام، تمر، وشعير، فيما يترك للحمار لوك وطحن النوى المدشش، إذ قدروا أنه لا يستحق الحلويات. هذا ولّد حقدا دفينا بين الحمار والحصان، لا يعرف مقداره إلا من يخبرهما.

يظل صوت الحمار مزعجا، فقد وصفه القرآن بأنه أنكر الأصوات، وإن كان هناك من ينافسه، فبعض الأصوات الناعقة أشد وطأة على النفس وليس الأذن فقط.

اللهيد، صفة اجتمعت لجري الحمار والحصان، إلا أن الحصان استأثر بها، تاركا للحمار التبرطيع، مكر وخبث لا حدود له، فاللهيد تنبئ بالرشاقة والثقة فيما التبرطيع ارتبطت بالغباء والعشوائية… وهذا ما أزعج الحمار إزعاجا كبيرا حتى ذهب إلى الحصان طالبًا المنازلة، وبعد تلكؤ وافق الحصان على أن يسابقه يوم الخميس وقت العشية:

اجتمع الناس وصفَّر الحكم، انطلق الحصان كالسهم تاركا وراءه غبار الأرض، والحمار على أقل من مهله، يتمخطر يمشي الهوينا كما يمشي الوجي الوحل … بعد لحظات التفت الحصان باحثا عن أي أثر للحمار فلم يجد شيئا وراءه إلا غباره، فقفل راجعا على عقبيه، ليجد الحمار يمد رقبته طويلا في الهواء ومناخيره مفتوحة عن آخرها يستنشق الهواء ناحية اليمن ثم الشمال … باستغراب سأله:

– وين يا سي الحمار، هذا السباق؟
أجابه بتكبر: من اليوم أنت وكل الناس تعرف أني سابقت الحصان

ثم بدأ فِي التنكيس والفرقعات … المهم سابقت الحصان !

ومن لا يعرف يِّعكِّر لا يعرف الحمير !!

المصدر
صفحة شخصية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى