اهم الاخبارحياة

هل تعيش الصحافة الثقافية أزمة؟

خلود الفلاح

هل الصحافة الثقافيةّ تعاني من تراجع ملحوظ؟ وهل توقف العديد من الملاحق الثقافيّة المهمة دليل على هذاالتراجع؟ ولماذا صفحات الثقافة أكثر الصفحات عرضة للحذف والتأجيل؟ ولماذا يتهم القارئ بانه متابع غير جيد للصفحات الثقافية؟

هذه الأسئلة يجيب عليها كتاب مهتمين بالشأن الثقافي في وطننا العربي. يتحدثون عن الملاحق الثقافية ويحذرون من المصير المجهول للصحافة العربية.

أزمة مهنة

أشار رئيس تحرير مجلة أدب ونقد عيد عبد الحليم إلى أن الصحافة الثقافية تعيش بالفعل أزمة عاصفة منذ فترة طويلة، لكن الأمر تزايد مع انتشار فيروس كورونا وإغلاق كثير من الصحف والمجلات فأصبحت المسألة هي أزمة مهنة تكاد أن تندثر وهي مهمة الصحافة بشكل عام، كل ذلك يأخذنا إلى سؤال مهم حول جدوى الكتابة في هذا الزمن الصعب.

ونتخيل،مثلا، هذا العالم بلا كتابة، كيف يكون الوضع، نحن نعيش الآن مرحلة تلاشي الوعي واندثار القيم الإنسانية، مع المحاولات المستميتة، من كثير من مالكي الصحف، لتهميش الإبداع والفعل الثقافي بشكل عام.

في المقابل، ترى الكاتبة الجزائرية أسماء جزائري أنه بالقدر الذي نستطيع فيه الحديث عن مشكلة الثقافة عموما في حياة شعوب يرون فيها ترفاً يستطاع الاستغناء عنه ينتقل ذلك الهاجس المخيف إلى الصفحات الثقافيّة ومن ثم الصحافة الثقافيّة ككل، الأمر يتعلق إذن بتاريخ أو عادة أو فكرة تم جلبها من الهامش أو اختراعها كحل استعبادي ثم تعزيزها وزرعها في الحياة اليومية إلى أن تسيدت الفضاء العام، فكرة أن كل ما هو ثقافي هو بالضرورة ترف قابل للتفريط فيه عند اللزوم إنه نوع من قتل المعرفة الحرة والمخيفة في الآن ذاته،

وعلى جانب آخر ـ تتابع جزائري ـهذه الحالة الاجتماعيّة العامة تنتقل إلى الإدارة وتظهر في تلك الجرأة على تعويض صفحات من الثقافة بالإشهار دون أن يشعر القارئ بشيء ما ينقصه، تظهر كذلك في ذلك السلوك الذي يتخذه أرباب العمل دون أن يشعروا بأي تأنيب، ففي أية أزمة أول ما سيفكرون فيه هو تقليص أو إلغاء الصفحات الثقافية، ما يجعل علاقة الصحافة الثقافية مرتبطة دائما بهاجس الأفول والمقدرة على الاختفاء فجأة، هذا الأمر تحديداً يصنع المزيد من الصحفيين المهتمين بالشأن الثقافي المهددين بالهزيمة حتى قبل أن يُعلن عن ذلك.

الصحافة في خطر

وأفاد عيد عبد الحليم في هذا الصدد “إغلاق الكثير من الصفحات والمباحث الثقافية والمجلات المتخصصة هو تعبير عن بؤس ثقافي. أعرف أن المواقع الإلكترونية الثقافية مهمة لكن الصفحات الثقافية في مطبوعاتنا العربية كان لها أكبر الأثر في ارتقاء وعي أجيال وأجيال.أنا خائف، بحق، من المصير المجهول للصحافة العربية بشكل عام”.

ولا تعتقد أسماء جزائري أن يكون دائماً الجانب المادي سببا في تهديم الصفحات الثقافية، وتلفت جزائري إلى أن هناك صفحات ثقافية لازالت تحظى بمساحاتها إلاّ أنها غير قادرة على تقديم نفسها كما يليق بالثقافة، مساحات بيضاء وأقلام عاجزة عن مواكبة التطور الثقافي، إنّ المضمون أيضاً يتعرض للهزيمة، تلك الهزيمة التي يجد فيها نفسه داخل أزمة”الفكر” و”التجدد”وقتها يتحول مباشرة إلى شأن يستغنى عنه لكن هذه المرة ليس من طرف أرباب العمل بل من طرف القراء أنفسهم.

القارئ والقراءة

من جانبها، ترفض الكاتبة السورية فدوى العبود ما يقال عن أن الصحافة الثقافية في الوطن العربي كانت فترة الخمسينات والستينات والسبعينات أفضل حال.، وتضيف: ” يناقش الجميع اليوم أسباب الأزمة في انعدام الاستراتيجيات عند محرري الصحف والمجلات الثقافية.

أو العجز المالي والشلليّة، ويتحدث البعض عن تقليص مساحتها في الصحف العربية واستبدالها بأخبار المشاهير والطلاق والفضائح. وينصح آخرون بضرورة تماس الثقافة مع مشاغل الناس كالرياضة، العادات، والطبخ والموضة؛ باعتبارها مكون ثقافي.

كما يتهم البعض وسائل التواصل والميديا وعصر الصورة وأمزجة القراء وتراجع القراءة وغيرها”.

وتتابع: قبل سؤالنا عن الصحافة الثقافية نسأل عن الثقافة؟وقبل هذا وذاك نسأل عن الحياة الحقيقية؟إنها عملية انعكاس شبيهة بالمرأة. ولا يمكن للمرأه ان تكذب. في عصر الصورة ومجتمع الفرجة، وتدمير ملكة الفهم؛ صار القارئ مهتماً بفضيحة كاتب أكثر من مراجعة قيمّة حول كتابه.وكأن على الكتاب أن يتحدى قيم الإنسان أو عقائده أو يكون بذيئاً حتى يدفع لقراءته.

واستطردت: يتم الآن يتم تسييس كل شيء من الأفكار إلى اللباس إلى الشعائر والقناعات. أميل شخصياً إلى نظرة الناقد أيهاب حسن للسياسة باعتبارها تسطيح للشخصية فهي (تحيل دائما إلى لي ومليكتي وحقي)

الثقافة بالعكس تتطلب المشاركة أولاً والعدالة الذاتية والوعي الداخلي الذي يجعل أحدنا يمارس العمل الثقافي بحرية ونزاهة. أعتقد أن هذه الملكة مفقودة الآن.أن كلمة أزمة هنا تستدعي التأمل. لكن لماذا نبدو وكأننا أمام وضع طارئ؟ هذه ليست سوى نتيجة طبيعية لما تؤول إليه عادة الأمور.

أتذكر أنني شاهدت فيلماً لأحمد زكي (البيضة والحجر) على ما أعتقد. يجيب فيه رداً على سؤال وُجِّه له عن تحوله من مدرس للفلسفة إلى مشعوذ: (الناس لا يريدون سماع الحقيقية يريدون الخداع). طبعاً هذه ليست دعوة للخداع لكنها الحقيقة سواء أنكرتها أم لا. المسألة التي لها دلالتها هنا: أن أستاذ الفلسفة نسي مبدأه الأساسي وبدأ يركز في الدجل!

السلطة والثقافة

واعتبرت أسماء جزائريتوقف العديد من الملاحق الثقافيّة لا يعني توقف الثقافة. الفكرة ستستمر خاصّة في ظل البديل الالكتروني الذي لا يخلوا هو أيضاً من مشاكله، محاربة الكلمة في بلداننا ومراقبتها ومحاولة القبض عليها وإدخالها الزنزانة وتشويه مكانتها هو ما يجعل منها وللأبد في أزمة إضافة لما هي فيه من أزمات، فالأمر لا يتعلق بإيقاف الملاحق الثقافيّة كنوع من غروب الحركة الثقافيّة المهمة بل أيضا بتوقيف الكلمات مرات عند حدّها ومرات كثيرة داخل الاعتزال، مما يجعل الكثير من الأقلام المهمة تتوقف عن الكتابة بسبب المراقبة.

وتضيف: المال غالباً لا يدعم فكرتك فحسب بل يحرسها بالتعديل عليها أو رفع دعوة قضائية ضدها، فأزمتنا الحقيقيّة تكمن في أن السلطة هي المشرفة على الثقافة بشكل غير مباشر ولها حق شرعنته لنفسها بسلب حبرك من قلمك كلمة كلمة، ومن ثم من الصعب جدا انتشار الثقافة بشكلها الصحيح أو ممارسة الصحافة الثقافية بحريتها الشريفة، أنت دائماً ترفٌ إلى أن تصبح خبزاً فيتغير كلّ شيء.

وأوضحت فدوي العبود أنه حين تعاني الصحيفة من ضعف التمويل فأول ما يُستغنى عنه الملاحق الثقافية
كتأكيد على عدم فعالية الثقافة؟ ناهيك عن الحروب والنزاعات.

وعلى جانب آخر ـ تتابع العبود ـ في رواية (استسلام) لــ راي لوريغا نرى أن كل قنبلة تفتح ثغرة تعجز الثقافة عن سدّها.تهديد الذات الذي سببته الحروب لا يمكن مقاومته إلاّ عن طريق الإلهاء وتحقق (برامج الترفيه والعروض ذا فويس وغيرها) نتائج جيدة في هذا الاتجاه.

في كتابه (حفلة التفاهة) يورد كونديرا عبر بطله آلان صورة للناس الذين يقفون بالدور أمام معرض لشاغال، وهو يسأل إذا كانوا مهتمين حقاً بفن شاغال!أم يقفون في طابور لتزجية الوقت!

نبدأ من أجل هدف ثم نبتعد عنه دون أن ننتبه، إنه عصر الشك في كل ما حارب الإنسان طويلاً من أجله. ولا يمكن تبرئة السياسات الخفية في العالم كله. هناك حكمة تقول: إن الثعلب موجود طالما أثر أسنانه فوق الاخشاب المجاورة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى