المرأة

هل باتت المساواة بين الرجل والمراة شعاراً منسياً؟

الباحثة المغربية خولة الزلزولي

سنتحدث بواقعية، أعتقد أن واقع المرأة العربية عامة، والمغربية خاصة لم يتغير كثيرًا، فهي كانت ولا تزال تعاني من القمع والعنف المادي والمعنوي، بل إن هناك نساء يفتقرن إلى أبسط ظروف العيش الكريم في مجتمع ينادي بالمساواة ومقاربة النوع، كما لا تزال المرأة المغربية في بعض المناطق محرومة وممنوعة من أبسط حقوقها، ومن التعبير عن رأيها، وتعاني من الجهل والتخلف والأمية، في زمن قيل فيه الكثير عن محاربة الأمية وما تزال ضحية مجتمع ذكوري، لم تنعتق منه وتنسلخ عنه إلا لممًا في الآونة الأخيرة.

رغم أن الدولة المغربية راهنت على إرساء المساواة بين النساء والرجال، من خلال المقتضيات الدستورية التي أولت أهمية بالغة لتعزيز المساواة اجتماعيًا وعلميًا وثقافيًا واقتصاديًا وسياسيًا، كمحدد أساسي لتدعيم دولة القانون، ورغم سعيها لبحث سبل تحسين المؤشرات الاجتماعية للمرأة، وبالرغم كذلك من الجهود المبذولة لتحقيق أهداف التنمية المجتمعية، وتفعيلاً لمضامين البرنامج الحكومي الذي أولى عناية خاصة للنهوض بأوضاع النساء وحمايتهن من خلال مجموعة من التدابير والإجراءات العملية؛ إلا أن اضطهاد المرأة وإقصاءها يستمر واضحًا في العديد من المجالات، وهناك نساء منسيات في أعالي الجبال، يستيقظن فجرًا ويذهبن مسافات طويلة لجلب الماء.

وقد أصبحنا نلاحظ في الآونة الأخيرة الاحتفاء باليوم العالمي للمرأة كعادة أو يمكن أن نقول عنه تقليداً، ترفع فيه جميع المجتمعات العربية والمغربية بصفة خاصة، الكثير من الشعارات الرنانة عن الدور المهم للمرأة وتُسلّم لها المشعل كأن تكون رئيسة تحرير أخبار مثلاً أو تُسلّم لها ورود في الإدارات وأماكن العمل، لكن بعد هذا اليوم اليتيم تعود كل الأمور إلى حالها القديم، ولا نلمس أي تغيير بين سنة وأخرى في وضعية المرأة الهشة والمقموعة من طرف الهيمنة الذكورية، ومن طرف المجتمع، فتصبح الشعارات الرنانة مجرد كلام براق، لا يجب أن ننخدع بها، وإنما يجب تحويلها إلى واقع سلوكي معاش يؤمن بالمرأة الفاعلة، ويتجاوز الصورية إلى التأثير في المضمون والقرار.

صدقوني إن قلت لكم إن الكثير من النساء اللواتي يعانين، هن نساء قرويات، ونساء جبليات مقصيات من أبسط الحقوق، المنصوص عليها سواءً في الاتفاقيات الدولية أم الوطنية، وهذه المرأة المُقصاة لا تهمها الشعارات المرفوعة هنا وهناك ولا توالي الحكومات وبرامجها الحكومية بقدر ما يهمها أن تتوفر على أبسط ظروف العيش، وأن تتوفر على مورد رزق لعيش كريم ومدرسة لأبنائها ومستوصف تلد فيه بأمان. وليس غريبًا أن نؤكد كفاح المرأة المغربية وكفاح أجيال من النساء لتحقيق المساواة في مجالات كانت حكرًا على الرجال فقط، رغم صعوبة العادات والتقاليد والحياة الاجتماعية، ورغم حصول النساء على شهادات عليا في العديد من الدول العربية، إلا أن وصولهن لمناصب قيادية عليا ما يزال أمراً صعباً، ونلاحظ ذلك حتى في التعيين في المناصب السامية أو الحكومية إذ غالباً ما تُسند لهن حقائب تُصنف في المراتب الدُنيا للمهام الوزارية، وهي إن وصلت لهذه المراتب؛ فإن ذلك يكون عن جدارة واستحقاق لما لهذا الأمر من تنافسية شديدة بين الباحثين، لا يشفع لها غير جودة بحوثها وأعمالها التي تصبح مرجعاً لأصحاب القرار في الدولة أو المؤسسات العمومية والخاصة.

الناشطة المجتمعية الدكتورة الليبية هدى المقيرحي

 

واقع المرأة الليبية اليوم ينبئ أن الطريق أمام مشاركتها المجتمعية والتربوية قبل السياسية؛ لا يزال شاقًا ومفروشًا بأشواك غياب الأخلاق والعرف قبل القانون.

المرأة مخلوق له خصوصيته وقد وصى الله ورسوله بها خير توصية، والماضي يخبرنا كيف كانت دول وجيوش تقوم وتقعد من أجل صرخة امرأة، قصص التاريخ تخبرنا كيف كان للمرأة دورٌ تربويٌ ومجتمعيٌ وسياسيٌ، زوجة وأم ورفيقة وشريكة في صنع القرار ووزيرة ومحاربة ومعلمة وفقيه، هل كان ذلك بمعزل عن الرجل؟ بل كان بالرجل ومعه سواءً كان أبًا أو زوجًا أو قائدًا أو نبيًا.

اليوم، أجزم أن وضع المرأة الليبية والعربية في حال يرثى لها ليست من وجهة نظر منظمات حقوق المرأة الغربية، ولكن من حال أصالتنا وموروثنا وديننا. وبدلاً من أن نتقدم بمساهمة المرأة رجعنا بها 100 سنة ضوئية إلى الوراء. اليوم تمارس كافة أنواع الجرائم الأخلاقية والإنسانية سواء واقعيًا أم إلكترونيًا على المرأة في مجتمعها المشوه.

لا بد هنا من وقفة جادة نقيم فيها الواقع الراهن الذي يطرح بذاته عددًا من الأسئلة حول: ما الذي قلب موازين دور المرأة بأشكاله كافة؟ ما الذي جعل من المحاولات المضنية لحركات حقوق المرأة لا تحقق أهدافها؟

ما النهج الذي يجب على المرأة العربية والليبية اتباعه لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وتصحيح الاختلال الراهن؟ ما هو دور المجتمع المناهض أو الداعم لدور المرأة؟

الإجابة عن تلك الأسئلة من وجهة نظري، تبدأ من فهم الدور البيولوجي والتمسك بالحسن من موروثنا وعاداتنا الأصيلة الحقيقة، وتصيح ما شوه منها وتوريثها لأجيال قادمة نقية وتطبيق وتبني المحمود من ديننا الحنيف الذي كرّم المرأة منذ آلاف السنين، قبل مواثيق حقوق الإنسان الحديثة التي تحصر المرأة في صورة نمطية كضحية ظلم وتعسف، ونكف عن الاستغاثة بمنظمات حقوق الإنسان التي نسجت من خيوط لا تناسب مقاس ثقافتنا ومجتمعنا الليبي. حملات التوعية الأسرية يجب أن تُفعّل وبخاصة التوعية الجندرية بإطار يليق بالحالة الليبية، التوعية السياسية والمجتمعية؛ كلها قد تساهم في تصحيح الاختلال الحاصل في دور المرأة والرجل.

المستشارة المتفرغة في قضايا المرأة والنوع الاجتماعي السودانية منال محمد عبد الحليم

 

سأتكلم عن واقع المرأة العربية بعد مرور عشر سنوات مما نُسميه ثورات الربيع العربي، أو التغيرات والتحولات في واقع المرأة العربية. لا شك هي ثورات عظيمة لا أحد ينكر ذلك، ولعل عظمتها جاءت من الفعل الثوري والذي مازال مستمراً ويتشكّل بتقديم إنتاج فكري أو مظاهرات أو احتجاجات أو بناء معارف أو توعية. هذا الفعل الثوري كان قوامه النساء العربيات بصورة غير مسبوقة، وكان هدف الثورات القضاء على الزمرة الفاسدة وجعل الأنظمة العربية مدنية، وسيادة القانون وتعزيز قيم المساواة.

ما الذي حدث على أرض الواقع في ظل هذه السنوات العشرة، الثورات أنعشت المطالبات ذات الطبعة القبلية والجهوية فدخلت المجال السياسي بصورة كبيرة في ليبيا والسودان والعراق واليمن، إلى جانب دخول المليشيات من أوسع الأبواب في الحياة السياسية، وأصبحت في سُدة الحكم في ليبيا والسودان. لذلك فإن ما نعيشه نحن اليوم في بلدان الربيع العربي يمثّل ردة.

مثّلت الثورات فرصة نادرة جداً للنساء العربيات مكّنتهن من فرض أنفسهن بصورة قوية على الساحة السياسية تحديداً، وهذا شاهدناه في ليبيا والسودان واليمن والعراق، أيضًا شكّلوا قوام الحركات الجديدة التي أنتجها الفعل الثوري.

النساء؛ اقتحمن مجال العمل التطوعي ونجحن، ونساء ليبيا أفضل مثال لذلك. هذه الإيجابيات غيّرت طبيعة وتركيبة عملية المناصرة والمدافعة التي كانت في السابق تتم بصورة خجولة، وكانت كل المطالب تتركز في تعديل قانون العمل وقوانين الأحوال الشخصية على سبيل المثال، لتصبح المطالبات أكثر جرأة وهي التغيير الكامل وليس مجرد تعديل نصوص قانونية كما كان في السابق.

وضع المرأة السودانية؛ لا يختلف عن وضع المرأة العربية في أي مكان، ولكن هذا الواقع اختلف من العام 1989 إلى حد 2019، ثلاثين عاماً تحت حكم الدكتاتور وأيدلوجية الإسلام السياسي، بالطبع أثرت على الحركة النسائية، ووجود تشريعات كان يقصد منها الحد من حرية النساء، بالرغم من أن تشكيل الحكومات كان يتضمن نساء وزيرات ونساء مناصب عليا، وكان الغرض من كل ذلك هو تحجيم النساء الفاعلات وذلك بتشريع قوانين قمعية، وأكثرها قمعية قانون النظام العام والذي تدخّل في طريقة لبس النساء وكيف يكون متوافقًا مع المعايير السودانية. وناضلنَ سنوات؛ من أجل إلغاء هذا القانون الذي تم إلغاؤه مع قيام الثورة في أكتوبر 2019.

الخبيرة الإقليمية للنوع الاجتماعي المصرية شذى عبد اللطيف

 

بشكل شخصي يعني اليوم العالمي فرصة دعوة للتغيير والحشد من أجل دعم قضايا المساواة بين الجنسين على المستوى الدولي ككل، وأيضاً مناسبة لإلقاء الضوء على القضايا المستجدة التي يتم العمل عليها من قبل المهتمين بقضايا المرأة.

فهذا العام يتوجه الجميع للعمل على قضايا تحقيق المساواة وعلاقتها بقضايا المناخ. فجاء عنوان اليوم العالمي لهذا العام “المساواة المبنية على النوع الاجتماعي اليوم من أجل غدٍ مستدام”، ليلقي الضوء على تأثير تغير المناخ على النساء بشكل أكبر، نظراً لظروفهن الهشة في مجتمعاتهن ولانعدام المساواة التي تؤدي لضعف حالتهن الاقتصادية، فتجعلهن أكثر عرضة للتأثر بأي كوارث طبيعية أو أوبئة.

المرأة العربية من منظور المنظمات الإقليمية والدولية قد تكون قد قطعت شوطاً كبيراً نظراً لأن معظم الدول العربية اهتمت في السنوات الأخيرة بتعديل عدد من القوانين، لكن في الواقع القوانين أداة غير كافية على التغيير، فلا تزال المرأة العربية قابعة تحت ثقافة تمييزية وعادات وتقاليد تحد من إمكانياتها وتُقلل من فرصها في الحياة، ولازالت تعاني من العنف الأسري بشكل كبير، وهو ما ظهر خلال فترة كورونا على سبيل المثال، ولازالت الصور النمطية عن دور المرأة يحصرها في الأعمال المنزلية، فبالتالي نجد أن معظم النساء لا يخرجن لسوق العمل ويكن غير مستقلات مادياً، مما يُضعف من أوضاعهن الاقتصادية. وفي السنوات الأخيرة ظهرت عدة حملات إلكترونية ضد العنف، تشجع النساء على الإبلاغ عن المتحرشين، وهي حملات إيجابية لكن لا يزال المجتمع لا يتجاوب معها بشكل كبير نظراً للموروثات، لكن في كل الأحوال هي خطوة إيجابية على طريق لازالت طويلة. أما في الدول العربية التي تأثرت بالحروب فأوضاع النساء مأساوية لأنهن يمثلن النسب الأكبر من اللاجئين والنازحين.

القاص التونسي سفيان رجب

مستوى الوعي الحضاري عند الإنسان العربي تراجع إلى درجات متدنية، وهذا ما ينعكس على واقع المرأة بطبيعة الحال. استطاعت المرأة العربية أن تخرج من شرنقة العائلة “البيت”، لكنها علقت في شبكة من العقد الذكورية المترسخة من الأزمنة القروسطية.

ربما انخفض مستوى التعنيف الجسدي للمرأة، لكن في المقابل ارتفع مستوى التعنيف المعنوي كالتحرّش مثلاً، تشعر المرأة المتحررة في لباسها في أي شارع عربي أنها مجرد وجبة خفيفة ضد الجوع الجنسي الذي يشكو منه “الفحل العربي الأصيل”، كما أنّ فكرة ارتباط اللباس بالأخلاق عند الإنسان العربي تعيده إلى المراحل الأولى لتطوّر الإنسان. إنّ الأخلاق لا تُقاس بطول قطعة القماش التي يرتديها الإنسان، ولا يجب أن يتحول هذا الموضوع الذي لا يتجاوز القشور إلى إشكال فكري. نحتاج الآن إلى مشروع لزرع الوعي الحضاري في عقل الإنسان العربي، وبعد ذلك ستتحسّن الأمور، وستتغير مواضيعنا كلها من القشور إلى اللبّ، وسنتحرّر من هذه الشرنقة القروسطية التي اختنقنا داخلها، ونُحلّق في الضوء.

الكاتبة والناشطة الحقوقية العراقية هيفاء زنكنة

من الصعب جداً توصيف واقع المرأة في عشرات الدول العربية كواقع واحد. فلكل بلد عربي خصائصه السياسية والاقتصادية والتاريخية والجغرافية، وإن كان المشترك الثقافي من لغة ودين واحداً.

إن انعكاس المتغيرات على واقع المرأة يجعله متفاوتاً من بلد إلى آخر. فالمرأة في فلسطين، مثلاً، تعاني بالدرجة الأولى من واقع الاحتلال الصهيوني وكونها أسيرة في بلدها. وهو واقع يختلف عن المرأة في السعودية، وهو يختلف عن اليمن ولبنان والسودان وليبيا وسوريا والعراق وبقية البلدان، حيث تعيش حروباً ونزاعات، وهيمنة حكومات محلية فاسدة، مع زيادة مخيفة في أعداد النازحين والمهجرين قسراً، ومعظمهم من النساء والأطفال، والمفقودين وأغلبهم من الرجال.

وباستثناء قلةٍ تُعد على أصابع اليد الواحدة من البلدان، تعاني المرأة، عموماً، من انتهاك حقوقها كمواطنة، آخذين بنظر الاعتبار أن الرجل نفسه، لا يحظى بكامل حقوقه في بلدان تفتقر إلى الحرية وتطبيق القانون وتوفير الخدمات الأساسية وأهمها التعليم والصحة. وعلى الرغم من إيماني العميق بقدرة المرأة على تجاوز ما يعيق تقدمها وتحقيق ما تصبو إليه لنفسها ووطنها، إلا أن العقدين الأخيرين، شهدا بروز تحديات جديدة اختزلت دورها إلى محاولة توفير أساسيات الحياة لنفسها وعائلتها، بدلاً من الارتفاع في سُلم الحقوق إلى مرحلة تثبيت الهوية.

المحامية والحقوقية الليبية هويدا الشيباني

سأتحدث هنا من واقع تخصصي القانوني عن قانون الأحوال الشخصية والتغييرات التي طرأت عليه، وتأثيرها على النساء الليبيات.

القانون رقم (176) لسنة 1972، هذا القانون كفل بعض الحقوق للمرأة فيما يتعلق بالزواج والطلاق للضرر والخلع. وفيما يتعلق بتحديد سن الزواج للرجال (18) عاماً وللمرأة (16)، بالتالي كان هذا المعيار موضوعي وعقود الزواج التي تتم بالمخالفة لا يتم إبرام عقدها. ثم جاء القانون رقم (10) لسنة 1984، هو القانون المعمول به إلى حد الآن، والذي حدد أهلية الزواج بسن (20).

ولكن التغييرات التي طرأت بعد ذلك والتي بموجبها صدر القانون (14) لسنة 2015، حدد المشرع أهلية الزواج بسن (18) عاماً، واللافت أن هذا القانون لم يحدد سناً أدنى للزواج سواء للمرأة أو للرجل، وهذا يعني أن هذا القانون يسمح بزواج القاصرين أي بمجرد موافقة ولي الأمر وصدر حكم من المحكمة المختصة يتم إبرام عقد الزواج، وهذا يحدث على أرض الواقع، نتفق أن ولي الأمر له أحقية في اختيار الزوج لابنته القاصر، لكنه وافق على زواج شخص ناقص الأهلية، والسؤال هنا، هل البنت عندما تكتمل أهليتها وترى أن والدها قد أخطأ في الموافقة على زواجها، هل يمكنها طلب فسخ عقد الزواج عملياً لا، وهل الفسخ يعتبر طلاقاً؟

مثلاً هناك طفلة تم تزويجها في سن الـ(14)، وبعد عام تم الطلاق وهي حامل، وبعد الولادة طلب زوجها بنزع الحضانة عنها. لأنها قاصر وبالتالي لا تملك أهلية تربية طفل، وفي هذه القضية لم يستطع القاضي إطلاق الحكم المناسب. وهذه إشكالية لها تأثيرها على وضع المرأة وحياتها في المستقبل. مع هذا النوع من الزواج كثيراً ما تتخلف المرأة عن مواصلة تعليمها وتضيع حقوقها.

وهناك عيب آخر في القانون رقم (10) من وجهة نظري كحقوقية، لا يسمح للرجل بالزوج مرة ثانية إلا بعد صدور إذن من المحكمة المختصة، والمحكمة تنظر لظروفه الاجتماعية والمالية والصحية، وكان هناك شرط آخر وهو تقديم إثبات بطلاق زوجته الأولى، وهذا سبب مشاكل كثيرة، ولكن سرعان ما قام المشرع الليبي بتعديل النص بعدم مطالبة الزوج بتقديم ما يثبت طلاقه من الزوجة الأولى.

في البداية طالب المشرع الليبي بأخذ إذن كتابي من الزوجة الأولى وفي المقابل هناك من التف حول القانون، وهنا حاول القانون وضع شرط إضافي غير الشرط الشرعي في موضوع الزواج بأخرى، وعليه كان يمكن للزوجة الأولى المطالبة بتطليق الزوجة الثانية في حالة غياب الشروط وهي موافقتها، وهنا تبقى الزوجة الثانية دون حقوق.

هذا القانون في تعديلاته كان يحاول تحقيق مصلحة عامة هدفها منح عدالة اجتماعية للمرأة وتكريس مبدأ المساواة، لكن من الناحية العملية لم يتحقق شيء واستغل البعض بعض الثغرات وفي النهاية تكون المرأة هي الضحية.

وبالرجوع إلى القانون رقم (14) للعام 2015، ألغى قيد الزواج بأخرى، وهو الحصول على موافقة الزوجة الأولى، لم يلتفت القانون لوضع ضمانات ترفع الضرر عن الزوجة الأولى من ضمنها العلم بزواج زوجها بأخرى. للأسف اشتراط العدالة بين الأزواج لا تتحقق في الواقع، وكثير من الزوجات تعرضن للعنف الأسري، والاعتداء الجنسي. وتقف العادات والتقاليد في طريق وصولهن للقضاء.

كثير من الليبيات يتعرض للضرب سواء من الأب أو الأخ أو الزوج، وللأسف لا تملك القدرة لتقديم شكوى لأسباب اجتماعية. خاصة أن ليبيا لا يوجد بها قانون إلى الآن يمنع العنف ضد النساء، وهذا قصور من وجهة نظري. ومن جانب آخر موقعة على عدة اتفاقيات تخص المرأة خاصة اتفاقية سيداو.

الانتهاكات ضد المرأة الليبية، لو تحدثنا على قانون الجنسية نجد الليبيات المتزوجات من غير الليبي يتعرضن لمعاملة سيئة هن وأبناؤهن. هذا القانون معاييره غريبة. لذلك المشرع الليبي لا بد أن يعيد النظر في هذا الجانب.

قانون العمل في ليبيا لم يُفرق بين المرأة والرجل ووضع ضمانات للمرأة في حالة الحمل وحقها في الإجازة وساعات الرضاعة، وفرض وجود حضانة في الجهات الحكومية، ولكن من الناحية العملية هناك تفرقة عنصرية بدرجة كبيرة، ففي بعض الجهات هناك جهات إدارية تحرم النساء من الدرجات الوظيفية والتدرج الوظيفي.

هذا الاضطهاد الوظيفي الذي يطال الليبيات، ورغم ذلك لم أرَ امرأة تتقدم بشكوى قضائية لحرمانها من درجتها الوظيفية.

القاص الليبي حسام الثني

ثمة إرث تاريخي ثقيل خلّفته قرون طويلة أثقلت كاهل المرأة عموماً، إرث تاريخي يصعب الفكاك منه، انعكس سلباً على وضعها الثقافي وخلّف آثاراً على نفسيتها وصورتها عن ذاتها. المرأة الليبية ليست بمعزل عن نساء العالم، بل إنها تقبع في مجتمع هو في الواقع من أشدها قمعاً وعداءً للمرأة، مجتمع برمَجَ قيمه بطريقة تدفع الضحية إلى تبنّي سرديّة جَلّادها، مستميتَةً ضدّ كل أشكال الفِكاك.

لقد صمّم المجتمع الليبي فضاءه العمومي المادي والقيمي للذكور، فالمقاهي ومدرجات الملاعب والحقول النفطية والشوارع وصفحات مواقع التواصل كلها مصمّمة للرجال تقريباً، وإذا ما قررت المرأة الخروج – أو التصفّح – فهي ضيفة ثقيلة على فضاء الذكور، ملزمة بالتقيد بقوانين مرورهم من حجاب ولباس فضفاض، ولم يعدَم المجتمع إيجاد تبريرات اجتماعية للقمع والسيطرة بحجج دينية غالباً ما تحتذي بها المرأة نفسها؛ كثيراً ما تجيز المرأة الليبية قيماً مجتمعية تعمل ضد مصالحها، وتوافق على مزاعم تضعها في مرتبة دونية في علاقة الشراكة الزوجية وفي التعاملات الاجتماعية كالمساواة في الميراث مثلاً. بل كثيراً ما تعيد إنتاج منظومة القمع في نمط تربيتها لأبنائها، إذ غالباً ما نصادف نموذج الأم التي لطالما كانت ضحية تسلط أخيها، والتي بدورها تسلّط ابنها الذكر على ابنتها بالطريقة ذاتها بكامل القناعة على أن هذا الوضع هو الوضع الطبيعي الجدير بالاحتذاء.. ما أريد قوله هنا: إن الفكاك يبدأ مبدئياً من تدمير فكرة المرأة الليبية عن ذاتها، ورفضها الصريح للامتثال لقوانين المجتمع التي تقيد حريتها وتطورها بحجج دينية.

الإعلامية والناشطة النسوية الليبية مروة سالم

مع تفاقم وتزايد التحديات إلا أن مستوى الوعي في ارتفاع. وكيف لنا أن نعود جهالاً بحقائق من بعد أن رأيناها. وهذا يمكننا لمسه في ازدياد المشاركة النسائية التي نطمح يوماً ما لتكون مشاركة نسوية وليست نسائية فقط.

الكثير من الفتيات والنساء لم يعدن يرضين بأنصاف الحلول. بأنصاف الحقوق. بالتفاوض حول حقوقهن وكأنها خضار على طاولة. كما تفعل ويفعل الكثيرات والكثيرون. وفعلوا لأزمنة طويلة.

وهذا بالذات سبب عدم تمكين المرأة الليبية من حقوقها حتى اليوم ومنحها المواطنة الكاملة كنظيرها الرجل. والمتمثلة في العديد من الإجراءات والتشريعات القانونية التي تلغي التمييز الممارس ضدها. ومن بين ذلك منح الجنسية للأبناء وللزوج الذي تختاره لها.

لقد كان للحركة النسوية الفضل في تشجيع الإقدام النسائي، ونجد اليوم الكثيرات يتقدمن والكثيرات يتشجعن لتقلد المناصب. على الرغم من قلة الضمانات لحمايتهن. وعلى الرغم من التمييز الممارس ضدهن، فنحن في هذا اليوم لا ننسى أن نذكر الاغتيالات التي تطال النساء وكذلك الترهيب والتطاول وحملات التشويه، وحتى محاولات الخطف التي تطالهن لدحضهن عن المشاركة المجتمعية.

نذكر ما تعرضت له مراسلة قناتكم في بنغازي مبروكة المسماري من إساءة، وتعرّض الحقوقية م. أ لمحاولة خطف، وما طال رائدات الأعمال من خطاب كراهية.

أيضاً قضية القتل الأسري التي حدثت الأسبوعين الماضيين للسيدة فاطمة بن مسعود في قصر بن غشير على يد زوجها. وأيضاً ريم بوقيلة، وهويدا محمد الزنتاني. هؤلاء النسوة قتلن داخل بيوتهن وتم تزوير تقارير الدفن. كل ذلك مر دون معاقبة الجناة.

ولا يمكن أن ننسى سلوى بو قعيقيص، فريحة البركاوي، حنان البرعصي، مقبولة الحاسي، انتصار الحصائري، سهام سرقيوه، ومحاولة اغتيال وزيرة العدل حليمة البوسيفي الشهر الماضي، وأيضا تلفيق تهم فساد لوزيرة الثقافة مبروكة توغي. ومنح المرأة وزارة دون صلاحيات تحت اسم وزارة شؤون المرأة بقيادة الوزيرة حورية طرمال واستدعائها للتحقيق بعد توقيع مذكرة دعم المرأة في مناطق النزاع. والانتهاء بإلغاء المذكرة.

حيث كشفت هذه الحادثة قلة وعي حقوقي عالي المستوى داخل الوسط القانوني والإداري وممثلي الدولة. وتلك القرارات المخزية بتشكيل لجان للنظر في منح الجنسية الليبية للمتزوجات من غير الليبي.

وسأتحدث هنا عن كل ما تواجهه المرأة كصوت حُر، كصانعة قرار من تهديد ووعيد، والذي أدى بالكثيرات منهن للهجرة خارج البلاد.

إن تمكين المرأة الحقيقي هو بضمان إجراءات وتشريعات عادلة خالية من التمييز العنصري وحمايتها، كصانعة قرار وكسيدة ومواطنة تتمتع بكامل حقوقها.

وفي اليوم العالمي للمرأة، أدعو الدولة وممثليها لإلغاء كافة إجراءاتها وتشريعاتها التمييزية ضد المرأة.

زر الذهاب إلى الأعلى