اهم الاخبارمقالات مختارة

نضحك مع اللي جفاني

مصافحة إلى أحمد النويري

أمين مازن

إستطاعت الفضائية الليبية 218 في معرض سعيها لتجاوز أجواء الكآبة و خطاب الإثارة و التحريض، و ردَّات الفعل و الفعل المضاد، أن تُعيد إلى الذاكرة ما سبق أن تغذّت به من كنوز الأدب الشعبي، رواياته؛ و أمثاله و نصوصه الشعرية المُعبِّرة، تلك التي كان من أشهرها ما كُنا نستمتع به من مساهمات الشاعر و الفنان أحمد النويري الذي طالما أتحفَنا به من رواياته مرة و ما كتب هو مرات، و لا سيما في شهر رمضان المبارك الذي اِشتهر فيه ببرنامجه قال صاحب العقل، فإذا بها تفرد له مساحة من الوقت عقب ساعات الإفطار، فيذكرنا بنصوص كثيراً ما إستمتعنا و إتعضنا بها بل و خرجنا بواسطتها من أقسى لحظات القنوط، هي كلمات مُرسَلة و مُنَغّمَة هدهدتنا بها أمهاتنا ذات يوم و هن يُخففن من آلامهن بإستشعار الأمل، كما لجأ إليها أباؤنا و هم يواجهون مِحن الأيام. لقد إستظهرناها في البدء دون أن ندرك معانيها البعيدة و مراميها القوية، و عُدنا إليها و نحن نُكابد ما نُكابد عبر مشوار العمر الذي صار لمجايلينا ممن إمتد بهم الزمن مُتقدماً، و من عاجلهم جزءً من ذكرياتنا، أولئك الذين شارَكَنَا منهم النويري و أمثاله في مجال الأدب و الفن عندما كان هذا الشاعر الشعبي يُسهم في عديد الأنشطة التي أُقيمت حول عدد الأعلام الوطنيين و لا سيما إدارة الثقافة و الفنون التي أنشأها المرحوم خليفة التليسي و هو وزير الثقافة و لم يستطع أن يُعيِّن لها المسئول الذي يرى فيه الكفاية، جرّاء ما كان يسود العهد من التردد و الإنغلاق، مما حرص التليسي على عدم التصريح به في حينه و قد علم النويري شيئاً منها و وثقها في الكثير من قصائده التي كان يكتبها عَفو الخاطر و هو يعايش شئوننا اليومية، نُرزَق الأولاد فيُبارك بشعره، و نتعرض لمِحنة السجن فلا يبخل بمواساة الأسرة في شهر الصوم، فيأتي حاملاً ما تيسَّر على الرغم من أن العهد لم يرتكب يومئذ جريرة مُضايقة الأُسَرْ، فتبقى الأحداث مجتمعة محفورة في الذاكرة كما هي مواقف آخرين أمثاله ممن كسبنا في المدينة الكبيرة من علاقات تجاوزت قرابة الدم أضعافاً مضاعفة بما حملت من المواقف الصادقة و ما أشاعت من المشاعر الجميلة بوصفها نتاج الجهود المتكافية و الذات المُقتدرة القانعة بما أنجزت و المُصرة على ما اِختارت، إنها التجربة التي بدأت مع السبعينيات و لم تزدها الأيام إلا المزيد من الحرص على المشترك و ما زلت كبير الشوق إليها و اِزداد هذا الشوق أضعافاً و أنا أشاهد النويري يرسل نصوصه الشعرية بإسم الرجل مرة و على لسان المرأة مرات و لكنها على العموم مِحنة الإنسان، الذي يجد في قولها أو قوله :

يا ليعة اِللي تغرّب واِللي جلا من بلاده
الفم يضحك و يلعب و القلب صابغ سواده ..

ليش ما اِدزّوا المراسيل و ليش ما تهنّوا الخواطر
أنا القلب سهران ما بات و الدمع يسكب قواطر

لقد هزتني بدون شك أبيات النويري و أكبرت للفضائية منحها إياه مثل هذه المساحة التي تخرج بالمشاهد من دنيا الرصاص و رائحة البارود و خطاب الكراهية فيحل خطاب الحكمة و الجمال و التسامح و التسابق نحو المعروف و نصرة المسكين و الملهوف. و مع أني كنت في حاجة إلى أن أُسمعه ما كتبه على لساني أحدهم ذات مرة و أكابد ذات رزية “لُو كان يا حمد عزّيتني في الغالي .. اِنتَ قبل ديما يشغلك موالي” فعبّْرَتْ عن حالة مررت بها و لم أستطع بعد الخروج منها و ما أظنني قادر أبدا، إلا أنني ما لبثت أن ضمرت نصاً آخر فأُذكِّر به النويري إن قرأ ما أكتب و ربما قرأ غيره و أدرك من ذات الأقوال التي طالما تسلّى بترديدها كل من عضّهم الدهر و اِستعانوا عليه بالصبر و الإيمان و قوي الأمل فقال قائلهم

نرقد على الشوك عريان و نضحك مع اِللي جفاني

و نصبر على جور الايام لين يستوي لي زماني .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عن موقع الكاتب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى