أخبار ليبياحياة

منصور بوشناف لـ218: حين أكتب عن طرابلس فإنني اكتب ليبيا كلها

خاص 218| خلود الفلاح

منصور بوشناف، روائي وكاتب مسرحي ليبي، ترجمت روايته الأولى “العلكة” إلى عدة لغات أجنبية، ولكنه يرى أن الأدب العربي المترجم لا يلقى الاهتمام المطلوب.

منعت ” العلكة” من التوزيع في ليبيا مرتين. فهل هذا يعني أن قوانين المنع والمصادرة في عصر التدفق الحر للمعلومات ما زالت سارية في ليبيا؟

في هذا الحوار تحدث منصور بوشناف عن طرابلس. وعن الكوني، والفقيه، وحسين مصطفى، والنيهوم. الرباعي الذي أسهم في تطور الرواية الليبية.

الحوار

ـ هل تؤمن بالإلهام في الكتابة؟

ـ الإلهام أساس الكتابة، بذرتها التي تندس فينا وتمد جذورها، شرارتها التي توقد المشعل وحتى الحرائق، هو ولادة الزمن الآخر، القفزة الحرة نحو ذلك الضد الذي لا نعرف، قد يكون ابتسامة وقد يكون حربا أهلية، قد يكون بيت شعر، وقد يكون مدينة تلتهم ريفها ويلتهمها بدوها، قد يكون حكمة مجنونة، أو قطة تعبر طريق شاحنات، ربما قشة تهم بالتهام البحر، أو فتاة أمام المرآة. ربما صدفة البحر أو حتى الصحراء التي تولد منها “فينوس”.

ـ في السنوات الأخيرة، ظهرت عدة أصوات روائية ليبية، ما الذي تتوقعه من تلك الأصوات؟ وكيف ترى المشهد الروائي الليبي حاليًا؟

ـ ثمة أصوات روائية ليبية ظهرت أخيراً واللافت للنظر أنها ظهرت في غالبها متمكنة ومتميزة وطموحة. أمثال محمد الأصفر، عبدالله الغزال، مجاهد البوسيفي، عمر الكدي، أحمد الفيتوري، فرج العشة، نجوى بن شتوان وعائشة الأصفر وعائشة إبراهيم وفاطمة الحاجي ورزان المغربي، وغيرهم أسماء كثيرة أوحت بربيع رواية ليبية قادم، والمشهد الروائي الليبي طموح وواعد ويراكم تجاربه بالطبع إلى جانب التجارب الرائدة للنيهوم والكوني وأحمد إبراهيم الفقيه وخليفة حسين مصطفى ومرضية النعاس وصالح السنوسي، وبالتأكيد تجربة الرواية الليبية باللغات الأخرى وأهمها تجربة هشام مطر.

ـ للرواية الليبية بذور تعود إلى العام 1961، وتجسدت عبر أعمال روائيين مهمين، لكن المثابرة كانت هي الفريضة الغائبة. ما رأيك؟

ـ أعتبر رواية (من مكة إلى هنا) للصادق النيهوم البداية الناضجة للرواية الليبية ليمضي ربما عقد من السنوات قبل أن تظهر تجربة مهمة أخرى هي تجربة أحمد إبراهيم الفقيه وإبراهيم الكوني ثم خليفة حسين مصطفى، لتظهر عبر هذه التجارب ملامح الرواية الليبية، ولتأخذ مكانها في المشهد الروائي العربي، مما يجعلني أقول إن هذا الرباعي أسس وطور الرواية الليبية وأخذها إلى آفاق أبعد؛ عربية وعالمية “تجربة الكوني” مثلا، إن نتائج مثابرة وجهد هؤلاء الأربعة كانت حقا مرضية، بل وباهرة في بعض الأحيان.

ـ إلى أيّ مدى أصبح القارئ مؤثرا في نجاح أو فشل التجربة الإبداعية؟

ـ القارئ كان دائما مهما لأي تجربة أدبية والرواية الليبية ليست استثناء من هذا فانتشار أحمد إبراهيم الفقيه عربيا ثم إبراهيم الكوني عربيا وعالميا حجز للرواية الليبية مكانا في عقل ووجدان القارئ العربي، ورسخ هذه التجربة وبالطبع لولا الناشر والناقد العربي لما وصلت أعمال هؤلاء إلى القارئ وتلك مشكلة الأدب الليبي غياب الناشر والناقد الصحفي والمتخصص الذين في غيابهم يظل الكثير من الأعمال مجهولا ولا يعرفها القارئ.

ـ روايتك “العلكة” ترجمت إلى الإنجليزية والإيطالية والفرنسية. كيف تجد واقع ترجمة الأدب العربي إلى اللغات الأخرى؟

ـ بكل أسف ما زال الأدب العربي لا يلقى ذلك الاهتمام العالمي الكبير؛ لأن الترجمة إلى اللغات الأخرى قليلة ومحدودة. ولو استثنينا تجربة الكوني وأحمد إبراهيم الفقيه في الأدب الليبي لكدنا ألا نجد أدبا ليبيا باللغات الأخرى، فمن المثير للدهشة ألا يترجم النيهوم، فرغم أهميته لم يترجم له الأوربيون إلا رواية (من مكة إلى هنا) وقد ترجمت إلى الإيطالية تقريبا. طبعا الكوني استثناء فهو الكاتب الأكثر ترجمة الى اللغات الأخرى ليس بالنسبة للكُتاب الليبيين بل العرب.

ـ منعت رواية “العلكة” من التوزيع في ليبيا مرتين. العام 2008، والمرة الثانية زمن الربيع العربي. ما الذي تغير بين الزمنين؟

ـ المنع والمصادرة سنّة عربية ليبية دائمة، فالعلكة منعت عام 2008م، ثم بعد الربيع العربي منعت للمرة الثانية حتى يبدو لي أن منع العلكة والخمر والأحزاب أهم الثوابت الوطنية التي لن نتخلى عنها. رواية العلكة لا تستحق كل هذا فهي رواية صغيرة علكت عبث وفراغ ثمانينيات القرن الماضي حين تجمد كل شيء ولم يتبق لليبيين من حراك عدا اللوك ومضغ الفراغ وسط خرائب وقمامة المدن والأرياف والبوادي.

ـ في “الكلب الذهبي”، و”العلكة” تحدثت عن خراب الإنسان والمكان. واللاعدالة الاجتماعية والأزمات السياسية. لأيّ درجة تشعر بالمسؤولية تجاه الكتابة عن هذا الخراب؟

ـ في “الكلب الذهبي” يبدو التغير مسخا لكل شيء ويبدو الاستقرار والنهضة ليس إلا أحلام هدنة مؤقتة بين هويتين ظلتا تتصارعان عبر التاريخ “ليبيا الصحراء والتاريخ وأيضا القبلي والجفاف” و”ليبيا البحر المتوسط ” ببساطة “ليبيا الغزالة والحسناء” وصراعهما والهدن المؤقتة بينهما وكل ذلك يجري في ظل هيمنة قوى قاهرة أجنبية وقوى مستبدة محلية، والنتيجة المسخ والتشوه والزومبي. وأنا لا أكتب عن كل هذا الخراب متعمدا وملتزما بل أكتب تطهرا وضحكا يشبه البكاء.

ـ البطل الأساسي في رواية “العلكة” هو المكان، وهو طبعاً مدينة “طرابلس”. ما الذي يختلف في علاقتك مع المدينة حين تكتب عنها؟

ـ طرابلس بطلة رواية “العلكة” و”الكلب الذهبي” أسميها “فرن التحول الليبي” لأن كل التحولات الليبية تحدث في طرابلس أولا، طرابلس “المركز المهمش” و”الهامش المركزي” حتى أعتقد أنه لا يمكننا فهم ليبيا دون فهم طرابلس أولا، لذا حين أكتب عن طرابلس فإنني أكتب ليبيا كلها.

ـ في “العلكة” و”الكلب الذهبي” تبدو طرابلس كمدينة هي المشترك بين الروايتين. مع اختلاف الشخصيات ورؤيتها للحياة. كيف ترى الأمر؟

ـ تبدو “الكلب الذهبي” جزءا أول و”العلكة” جزءا ثانيا من قصة لا يمكن في ظل القمع الثقافي والاجتماعي والسياسي كتابتها إلا مناورة. ولا يبدو المتن ذا بال بل الهوامش ولا يبدو الحاضر كما قالت الدكتورة كاريس أولسوك عن العلكة “لا يبدو الحاضر إلا طبقة أخرى من ركام خرائب الماضي” وطرابلس مسرح كل ذلك بطله وضحيته وقصته المتكررة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى