اهم الاخبارحياة

مفاهيم مغلوطة في عالم السينما

الفن السابع، الشاشة الكبيرة، المزيج الفني الأخّاذ، وعشرات العشرات من المسميات الأخرى تُطلق على فن السينما من حينٍ لآخر. لكن الذي لا شك فيه هو أن السينما هي الفن الوحيد الذي لديه القدرة على إيقاف الزمن لبضع ساعات، ثم كبس زر التشغيل مرة أخرى بعد انتهاء الفيلم. السينما قادرة على شحذ الذهن، تأجيج المشاعر، وأيضًا استثارة الفضول والإبداع بداخلنا.

لكن من الناحية الأخرى، كل الفنون التي لديها قاعدة جماهيرية واسعة النطاق، بالتأكيد بداخلها آلاف الفصائل المتناحرة في حلبة الفن الكبيرة. كل شخص لديه رأي، وكل رأي له تأثير، وكل تأثير عبارة عن فعل، ولكل فعل؛ رد فعل. إنها حلقة مفرغة ومغلقة الطرفين، كلنا نركض في قلبها سويًّا، ولذلك الحل وهو تقبل الآخر حسب المبادئ المنطقية، وعدم السخرية من الآخرين.

وللأسف، ليس الجميع هكذا. لذلك مع الوقت باتت هناك الكثير من المفاهيم المغلوطة عن صناعة السينما بشكلٍ عام. ولم تطل تلك المفاهيم السينما كمفهوم عام فحسب، بل طالت أيضًا كل عناصرها التكوينية كمفاهيم خاصة. مثل الإخراج، التمثيل، الكتابة، وحتى طريقة انتقاء طاقم العمل، وفي بعض الأحيان أيضًا آلية اختيار البلدان التي يتم عرض الفيلم فيها أولًا. وانتهى الأمر بوجود قواعد غريبة وعجيبة لدى لجان الجوائز الكُبرى، كما شهدنا مؤخرًا مع الأوسكار.

اليوم سنتحدث عن ثلاثة من تلك المفاهيم المغلوطة، مسلطين الضوء على كيفية التخفيف منها (ومنعها)، للحصول على مجتمع سينمائي هادئ ومتعاون.

الفيلم القصير؛ هزيل

قد يعتقد البعض أن الأفلام القصيرة، لا تقدم قيمة سينمائية كبيرة. لكن هذا خاطئ تمامًا، والدليل هو وجود شريحة كاملة للأفلام القصيرة في المهرجانات السينمائية الكُبرى، وكذلك بعض الجوائز البارزة. يرى النقّاد في العادة أن الأفلام القصيرة لها آلية صناعة ودلالة، مختلفة تمامًا عن تلك الخاصة بالأفلام التسجيلية أو القصصية.

يتكون الفيلم القصير من عناصر الفيلم الطويل بالضبط، لكن الفكرة كلها في الاعتماد على مبدأ ضغط الأحداث، وتسطيحها. حيث أنه لا يمكن أن يحتوي فيلم قصير على شخصيات متعددة وأماكن كثيرة وخطوط زمنية متشابكة، كل تلك العناصر تخلق مدة عرض طويلة على الشاشة، فبالتالي مدة تصوير مهولة في الواقع. وهنا يمكن القول أن تلك النوعية تحديدًا من الأفلام، تعتمد على تقليص عدد الشخصيات والأحداث والخطوط الزمنية، بهدف التركيز على فكرة واحدة وموضوع واحد، لضمان أقوى وأكبر تأثير على المُشاهد.

كلما كانت الفكرة أبسط، باتت أسهل في التوصيل، فبالتالي صار تأثيرها أقوى. والأمر يظهر بشدة عند مقارنة فيلم طويل عن التفكك الأسري مثلًا، مع آخر قصير يتحدث عن نفس الموضوع.

الطويل سيقدم قصة كاملة بأبعاد مركبة، لكن القصير سيقدم في الأغلب قصة قصيرة بشخصيات محدودة للغاية. يمكن للقصير أن يُخرجك باكيًا، والطويل ألّا يؤثر فيك على الإطلاق. لأنه مع ضخامة العمل الفني، تصبح السيطرة على كل شيء من قِبل المخرج، مهمة صعبة. ولهذا عندما يصدر فيلم درامي طويل، بعناصر محبوكة وإخراج متزن، يكون مرشحًا للجوائز السينمائية مباشرة.

ولا يمكن نسيان الفائدة الهامة جدًا للأفلام القصيرة، فهي العتبة الأولى لأي مخرج أو ممثل أو كاتب سيناريو، في العالم الواسع للسينما. أغلب الذين يبدأون في المجال، يبدأون مع الأفلام القصيرة لأن تكلفتها ليست كبيرة، ويمكن التمرين فيها أكثر من مرة، ومعالجة الأخطاء مع الوقت.

تلك الأفلام قادرة على إكساب صنّاعها الخبرة اللازمة لصناعة أفلام كُبرى، طويلة في المستقبل. ولا يوجد هدف لأي شغوف بالسينما، إلا صناعة فيلم طويل، متكامل ويستحق لقب Feature Score، أليس كذلك؟

أفلام الأبطال الخارقين ليست سينما

هذه الشريحة ظهرت من بعد تصريحات المخرج مارتن سكورسيزي، أن أفلام مارفيل بالنسبة له ما هي إلا جولة في الملاهي، وأنها ليست سينما حقيقية.

بالطبع تصريح سكورسيزي يُحترم، وأعماله رفعته لمكانة كبيرة في الوسط السينمائي، لكن لا يمكن أن ننسى أن السينما للجميع، والفن غير مقيد على الإطلاق. المشكلة الحقيقية ليست في رأي المخرج، بل في تيقن البعض أن كلامه منطقي 100%، وأنه يجب تطبيقه على كل شيء في الصناعة. في الأول والآخر هو رأي فردي، والقامة الفنية لصاحبه، لا تجعله واحدًا من ثوابت الكون مثلًا.

لأنه في النهاية، ما هي السينما؟

السينما ببساطة هي الفن الذي يقدم قصة ما، عن طريق الصوت والحركة. لذلك أي قصة يمكن تجسيدها بهذين العنصرين، مهما كانت فكرتها أو توليفتها. إذا قدمت أفلام الأبطال الخارقين قصة تنطوي على صدّ عدوان كائن فضائي من عن طريق الصوت والحركة؛ انتهى، هذه سينما.

نظرًا للاختلاف الطبيعي (والصحي) لشرائح المشاهدين، هناك تصنيفات فنية نستند إليها. فقد يصنف فيلم الأبطال الخارقين على أنه خيال علمي وأكشن ودراما. فإذا أتى مشاهد محب للأكشن والدراما، لكن كاره للخيال العلمي؛ فلا يجب أن يشاهد الفيلم، وإلا كان تقييمه سلبيًّا.

العاشق للسينما الأصولية، يجب أن يبقى في السينما الأصولية. لا يجب إجبار أحد على مشاهدة تصنيف أو نوع معين من الأفلام، إنها ذائقة فنية بعد كل شيء.

بالطبع لاحقًا جلس سكورسيزي في أكثر من لقاء صحفي، وشرح وجهة نظره بالنسبة لعالم مارفيل السينمائي، ووصلنا مجملًا إلى أن الرأي نبع من ذاته، لذاته. ولا يجب تعميمه من قِبل الآخرين، ولا يجب ظلم سينما الأبطال الخارقين بموجبه.

الأفلام مكانها صالات العرض

عندما يتم تصوير فيلم، حاليًّا يتم تصويره بكاميرات عملاقة، قادرة على إخراج جودة خرافية. هذا شرط هام لأن الفيلم في الأساس سوف يُعرض على شاشات دور العرض الكبيرة بجميع دول العالم، وتلك الشاشات لا تمزح فعلًا من حيث الجودة. لكن من الناحية الأخرى، ظهرت أفلام نيتفليكس و HBO وغيرهم على الساحة، مما قلب الموازين تمامًا.

هنا الأفلام ليست موجهة لصالات السينما، بل إلى كل شاشات الأجهزة الذكية حصرًا. بدلًا من أن تصبح مشاهدة الفيلم مقتصرة على دور العرض التي تحتاج إلى شراء تذكرة، ثم الهبوط من منزلك لأجل الجلوس فيها؛ أصبحت ممكنة على شاشة هاتفك، حاسوبك المحمول جهازك اللوحي، تلفازك المنزلي، وحتى ساعتك الذكية. بجانب الأسعار الزهيدة للاشتراكات الشهرية، هذا العامل بالتحديد جعل سوق الأفلام الأونلاين كبيرًا للغاية، ومرغوبًا.

هذا ساعد على كَون الجودة الخارقة للأفلام، غير ضرورية لإنتاج أعمال مؤثرة في الجمهور. فالفيلم الذي لا يحتاج إلى تقنيات عرض IMAX مثلًا، ستكون تكلفته أقل من الذي يحتاج، فبالتالي يذهب فرق الميزانية إلى تطوير الديكورات وبيئة العمل؛ مما يرفع من كفاءة الفيلم كعمل فني مجملًا. لكن تبقى مشكلة واحدة للأعمال الأونلاين، هي أنها لن تستطيع الترشح لأغلب الجوائز العالمية، إلا إذا تم عرضها في السينما، ولو لفترة محدودة.

وهذه مشكلة تعرض لها فيلم The Irishman العام الماضي من إنتاج نيتفليكس، إلا أنه تم التغلب عليها عبر عمل عروض خاصة في سينمات محدودة، فاستطاع الفيلم التحايل على قوانين الأوسكار، والترشح لها.

والجدير بالذكر أن هناك أفلام أُجبرت على الانتقال إلى الفضاء الإلكتروني بسبب فيروس كورونا المستجد. ومنها فيلم Mulan الجديد، والذي انتقل إلى ديزني بلص بسبب هذا الأمر. وأيضًا لا يمكن إنكار الحالة الشعورية التي تقدمها السينما للجمهور، والتي تُعتبر نقيصة أساسية في تجربة المشاهدة على الشاشات التقليدية.

وفي النهاية، السينما للجميع، لا يجب أن توضع قيود عليها، ولا يجوز أن تُتاح لشخص دون الآخر. السينما لغة عالمية يستطيع أي شخص أن يفهمها، حتى وإن لم يتدارك السيناريو جيدًا. ستظل الأفلام العشق الأول والأخير لأغلبنا. وتذكروا: الفن يبقى حرًا، ولو غللته الأحكام.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى