مقالات مختارة

مرتزقة الدين

طارق حسن

صلى بِنَا على النبى، وكل من له نبى يصلى عليه. ما من نبى أو رسول إلا وكان صاحب مهنة. آدم كان مزارعا. نوح نجارا. إدريس خياطا. إبراهيم بزازا، أى تاجر أقمشة. إسماعيل قناصا. داود كان يصنع المكاتل (سلال الخوص). إسحاق ويعقوب وشعيب وموسى كانوا يعملون فى الرعى. إلياس نساجا. عيسى نجارا. محمد خاتم الأنبياء والرسل كان راعى غنم ثم تاجرا. صحابته أيضا كانوا أصحاب مهنة. أبوبكر الصديق تاجر أقمشة. عمر بن الخطاب دلالا. عثمان بن عفان تاجرا. على بن أبى طالب عاملا. كان يقول مفتخرا: لحملى الصخر من قمم الجبال.. أحب إلىّ من منن الرجال. يقول الناس فى الكسب عار.. فقلت العار فى ذل السؤال.

بربك قل لى: ما وظيفة أو مهنة رجل الدين الآن سوى أنه رجل دين؟ ما وظيفة من يسمون أنفسهم أو تحسبهم دعاة سوى أنهم دعاة؟ كيف نفهم أنه لا نبى، ولا رسول، ولا صحابة كسبوا قوتهم من الدين. بينما رجال دين ودعاة، وكل من يتخذ الدين وظيفة أو مهنة يرتزق، بل يغتنى، ومنهم من بلغ ما بعد الغنى المالى من الدين؟

يمكننى أن أسرد لك عبر التاريخ كيف تحول الدين عند البعض إلى وظيفة أو مهنة متعددة الأغراض، لكنى أقول إجمالا إن كله صنع قطاع من البشر مهما بلغوا من مكانة مالية أو اجتماعية أو سياسية، فهم لم يربحوا شيئا سوى ربح المرتزقة من الدين. اسأل نفسك: كيف يكون للدين جلاله فى نفوس المجتمع وهناك من يرتزقون منه؟ كيف تكون مجتمعا سويا ومرتزقة الدين صاروا نجوم البلد والمحطات الفضائية والإذاعية والإعلانات، شلل ومجموعات منظمة ومؤسسات، وهيئات وأفرادا. تروج كل بضاعة بالدِّين من تجارة السياسة إلى تجارة الجنس. يفتون فى كل شىء. وتحت الطلب فى كل شىء، إلا أن ينطقوا فى شىء واحد هو حكم ارتزاقهم من الدين؟

يربحون هم ولا تربح أنت. إنما تخسر حياتك وبلدك ومجتمعك بتغذية الجهل والتخلف والنزاعات الدينية والطائفية والمذهبية ليس على مستوى وطنك ومجتمعك فحسب إنما فى عموم منطقتك ومكانتك وسمعتك على مستوى العالم تعرفهم بالاسم فلا داعى لتفصيل أو تمييز بينهم وآخرين يخدمون الدين وأتباعه بعلم وإتقان فى صمت وتعبد وخشوع. إنما لابد أن تعرف أن الدين فى عرف هؤلاء ليس سوى صناعة مثلهم كما دول وأجهزة دولية وإقليمية وإدارات سياسية تلعب بالدِّين والمذهب والطائفة. كلهم واحد. كلهم فى مصلحة واحدة. لابد أن تعرف أيضا أن مرتزقة الدين ليسوا فى خدمتك أو خدمة الدين كما تعتقد أو تتخيل، فهم إن خدموا لا يخدمون سوى خصم، فما من بلد أو مجتمع سيطر عليه مرتزقة الدين من أى صنف، إلا وأفسدوه، ومزقوه وخربوه، وبقوا وحدهم يقعدون على تله. لن أعود بك إلى تاريخ سحيق، إنما خذ عبرتك من أول شبه الجزيرة الهندية، التى قسموها لصالح الاستعمار البريطانى، وهكذا حتى تصل إلى تدمير العراق وسوريا وليبيا واليمن وتقسيم السودان والوطن المحتل فى فلسطين والطائفية، التى كرسوها تكريسا فى مصر.

ما الحل إذن؟

بسيطة يا سيدى: قل قانونا إن الدين ليس مهنة. نفذ قانونا يمنع امتهان الدين. حاسب قانونا كل من يرتزق من الدين. الدين ليس مهنة أبدا ولا يجب أن يكون، فكيف به أصبح مهنة من لا مهنة له؟

……………………….

موقع المصري اليوم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى