كتَـــــاب الموقع

مخالفة صن تزو

عمر أبو القاسم الككلي

حين فاجأته، كنت قد انتهيت، منذ دقائق فقط، من قراءة كتيب لجنرال صيني اسمه صن تزو، يرجح أنه عاش في الفترة بين 544 و496 (أي بين القرنين السادس والخامس) قبل الميلاد. عنوان الكتاب “فن الحرب”. وبالرغم من كرهي البالغ للحرب والذين يدعون إلى إتقانها والتفنن فيها وإشاعة فنونها ويشيدون بعبقرية بعض القادة العسكريين، إلا أن الكتيب (والإنصاف واجب، حتى مع الجنرالات) شدني، وأثارت دهشتي قدرة مؤلفه على جعل كلامه يبدو غنيا بالاكتشافات والإلمعات العبقرية، رغم أن الأمور التي يتكلم عنها بديهيات أو في حكم البديهيات (لعلها لم تكن في زمنه بمثل هذه البداهة، أو أنها بدت لي كذلك بسبب الجلاء البالغ والبساطة المتناهية التي شرحها بها).

على أية حال، ليس غرضي هنا عرض الكتاب أو تقديم قراءة له. فقط أريد القول بأن محتوى الكتاب كان يتفاعل في ذهني ساخنا، حين دخلت في شأن عادي (بمعنى أنني لم أكن أترصده) وفاجأته هناك (لا يمكن القول بأنه فاجأني بوجوده هناك، هو الآخر. فهو، بكل تأكيد، لم يكن يعد لي كمينا). وبحسب تعبيرات صن تزو، كان هو في أرض محصورة Hemmed in ground كنت أسيطر على مخرجها الوحيد، ما يعني أنها كانت تمثل بالنسبة إليه ما يسميه المؤلف نفسه أرض اليأس [أرض الاستقتال] Desperate ground حيث تنعدم أية إمكانية للفرار ويكمن بصيص النجاة الوحيد في القتال حتى الموت (والجنرال تزو لا ينصح بوضع العدو في هذا الموقف. لأن تكلفة الطرف المُحاصِر في الأرواح ستكون فادحة. وإنما ينبغي أن يُترك له مسرب للنجاة). إضافة إلى أنني كنت مسلحا بسلاح متطور وكان هو، بطبيعته، أعزل، إلا من ضآلة حجمه وقدرته على الحركة السريعة والتخفي في الزوايا والأماكن الضيقة. أكثر من ذلك، كنت أكن له ضغينة حارة موارة. ذلك لأنه (هو شخصيا أو أفراد آخرون من رهطه) كان يهاجم كتبي التي لا يمكنني حمايتها ويزيد قضا إلى مضجعي، المقضوض أصلا، بما تحدثه حركته في الليل من صوت.

لذا سمحت لنفسي أن أخالف نصيحة أول منظري عسكري معروف ومرموق في التاريخ، في معركتي هذه.

تطلع إلي في ارتباك المذعور وحاول، دون لحظة تردد، إيجاد مأمن بعيدا عني. بادرت إلى إقفال باب الحمام علينا كلينا وتناولت مكنسة كانت مسندة على الحائط بشكل يتيح سرعة تناولها وسهولة استعمالها، كأنها كانت مهيأة خصيصا لهذه اللحظة.

لقد وجد نفسه في لحظة نحس من جميع الوجوه، وكنت، من جميع الوجوه أيضا، في لحظة توفيق. وكوني لم أكن مقتنعا، في هذا الوضع العياني بالذات، بنصيحة الجنرال صن تزو، مع كامل الاحترام لنصائحه، القاضية بوجوب ترك بصيص أمل بالنجاة للعدو، فقد أحكمت الحصار عليه بالكامل.

في البداية حاول تجنب الاقتراب مني وإيجاد منفذ أو ملجأ نجاة يجنبه مواجهتي، وعندما أدرك أنه في “أرض استقتال” تحول إلى الهجوم. فعلا صار يهاجمني قافزا باتجاهي، لأنني كنت أقف بينه وبين الباب المحكم الإغلاق وكان يعتقد، حسب استكناهي لتكتيكه لحظتها، أن المنفذ الوحيد هو الجهة التي دخل منها.

إلا أن ضربتين على رأسه بالمكنسة، جعلتا جسده الصغير الهش ينطرح فاقدا الحياة، وقطرات دم تسيل من فمه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى