اهم الاخبارمقالات مختارة

ليبيا … 2019 (بلا عنوان)

(9)

سالم الهمالي

ليبيا بلد غني، شواطئ طويلة صحراء واسعة وجبال تثبت أركانها الأربعة، تزخر أراضيها بثروات معدنية ونفطية كفيلة بأن تجعل من شعبها لو احسن استخدامها مستوى اقتصادي رفيع. إلا أن ما يعيبها هو انعدام ثقافة القبول بالرأي الآخر و “تضخم الشخصية” الذي يجعل البعض يظنون أنهم لا قبلهم ولا بعدهم في تحديد ما يجب أن تكون عليه البلاد في حين أن خبرتهم ومعرفتهم تتوافق مع هذه الطرح الشوفيني المتعصب.

مفهوم “المواطنة” ضعيف إلى أبعد الحدود، حتى من يَرَوْن أنفسهم مثقفين وأكاديميين تجدهم من أكبر المروجين للتعصب بالقبيلة والمدينة والحزب والطائفة الدينية. أغلب المرافق التي أنشأتها الدولة أصبحت “ملك مقدس” للمدينة التي أقيم فيها، وإن كان للقبيلة أغلبية في المكان أصبح لزاما أن يكون ذلك المرفق حكرا عليها.

الغريب والعجيب أن هذا الصراع الدموي على السلطة والثروة والقوة يتجاهل أن كل ذلك يعتمد أساسا على ثروة النفط، التي تمثل أكثر من ٩٥٪؜ من مداخيل الميزانية، ولا يوجد منه شيء في كل المدن والقبائل التي تتقاتل على الغنيمة. انفصام كامل عن الواقع!

والحال كذلك ليس مستغربا أن تغرق ليبيا في الظلام والفقر والعازة، فالمستهدف ليس ضمان إنتاج البترول واستمراره بل نهب الأموال من المصرف المركزي بمختلف الطرق على شكل اعتمادات وميزانيات طارئة ومنح توزع بطريقة غير منضبطة.

البنية التحتية تتآكل والمقدرة على إنتاج حصة ليبيا من النفط تتناقص لسوء الصيانة والتطوير للحقول النفطية والشركات والاستثمارات الليبية في الخارج تنهب وتضمحل يوميا، بما ينبئ بمستقبل محفوف بالكثير من المخاطر.

رمال زلّاف تقع محاذية لبلدة تمنهنت، وفيها وجدت فسحة مع الطبيعة من مؤثرات الحالة العصيبة التي تعيشها البلاد. رمال ذهبية نقية تتناثر عليها كثبان تزينت بشجرة (الرسو) كانت الملجأ الذي تركت فيه العنان لبصري وقلبي وعقلي أن يسرح بلا حدود.

عاجلتني ذكريات الطفولة والصبا عندما كنّا نجول تلك الفيافي نجمع الحطب من أعواد شجرة “الرسو” التي تغطت بالرمال كأنها طمرت حتى تنضج وتصبح مهيأة للاستعمال في التدفئة والطبخ. هذه الشجرة تتميز عن حطب الفحم بالرائحة الزكية التي تعبق المكان وهي تشتعل بدون أدخنة أو سواد يلوث الأيادي والألبسة.

من كان يظن أو يتوقع أن نعيش في ظلام دامس وانقطاع شامل للكهرباء في ليبيا النفطية في القرن الواحد والعشرين ؟! مأساة أهلنا هي فرصة نادرة لتجار ودراكولات الحروب والاعتمادات المصرفية لتوريد عشرات الآلاف من المولدات لمواطنين عجزوا عن شراء الخبز وتوفير ماء الشراب.

عموما، سعدت بقضاء وقت جميل في أحضان الطبيعة وكانت سعادتي أكبر عندما وجدت أن تلك الخبرة التي اكتسبتها في الصغر لازالت راسخة، جمعت الحطب وملأت صندوق السيارة في فرح غامر إذ خمنت أنني وفرت على أهلي ثمن ثلاثة أو أربعة أكياس فحم بتكلفة تزيد عن المئة دينار.

إلا أن الأجمل هو أن يتعرف الليبيون على ما تحويه بلادهم من خير وفير، فالصحراء ليست جذب وفقر بل في بطنها رزقكم وعلى ظهرها أهلكم وفي أجوائها ما يسر الناظرين.

———————————

يتبع (10)

المصدر
صفحة الشخصية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى