اهم الاخباركتَـــــاب الموقع

ليبيا من الفساد إلى النهب.. (المدرسة الوهمية) نموذجا!

الحسين المسوري

أعتقد أن الحديث عن الفساد في ليبيا، أصبح أمرًا مكررًا ولا جديد فيه، لكن الأمر لم يتوقف عند الفساد المالي والإداري الذي يعرفه العالم، والذي تبذل الكثير من الدول جهودًا حثيثة لمحاربته عبر ملاحقة المسؤولين الفاسدين ومحاكمتهم واسترجاع الأموال التي حصل عليها المسؤول بطريقة غير مشروعة عبر الرشوة والكسب غير المشروع.

فقضايا الفساد في أغلب دول العالم يكون فيها حصول المسؤول على رشوة أو نسبة مقابل إرساء العطاء لتنفيذ المشاريع على هذه الشركة أو المؤسسة المتنافسة مع عدد آخر من الشركات والمؤسسات المنافسة لها، وعندما تفوز هذه الشركة بعقد المشروع سواء كان بناء محطة كهرباء أو طريق سريع أو مستشفى أو مدرسة فإنها تنفذ المشروع وتنجزه، فيتمتع المواطن بخدمات الكهرباء والمستشفى والمدرسة ولكن يكون موضوع الفساد هو أن تكلفة المحطة أو المستشفى أو المدرسة مبالغًا فيها وتبدأ التحقيقات وتتم ملاحقة المتورطين ومعاقبتهم.

أما في بلادنا فأصبح الفساد عملية نهب منظم وممنهج لأموال الشعب الليبي دون أن يتم إتمام أي إنجاز سواء محطة كهرباء أو مستشفى أو مدرسة، وبالتالي فإن المواطن لا يتمتع بالكهرباء والخدمات الصحية، وفي نفس الوقت تنهب الميزانيات التي تقدر بمليارات الدولارات، وهناك عدد من القصص التي يرويها بعض الموظفين بالدولة عن حجم ومستوى الفساد الذي يضرب غالبية مؤسسات الدولة باستثناء بعض الموظفين الشرفاء.

من قصص الفساد المذهلة أن أحد المسؤولين عن قطاع التعليم خلال عهد القذافي بإحدى المناطق صدر قرار بإقالته وتعيين مسؤول جديد بدلًا عنه، وخلال عملية التسليم والاستلام طلب المسؤول المقال من المسؤول الجديد أن يجتمع به على انفراد في مكتبه، وهنا كانت المفاجأة حيث قال للمسؤول الجديد إنه يريد منه خدمة فلديه مشكلة تتطلب منه مساعدته في حلها وهي أن هناك (مدرسة وهمية) يتم صرف ميزانية لها، وتم تعيين كادر لها من أقاربه لا يحضرون للعمل وأن المدرسة غير موجودة على أرض الواقع، فهي موجودة في سجلات الدولة فقط!

هناك كانت المفاجأة الكارثية وهي أن المسؤول الجديد قال له: (اطمئن سوف أقوم بصيانة للمدرسة الوهمية).

وبعد قيام ثورة فبراير لم يختلف الحال، ففي شهر مارس العام الماضي قال المبعوث الأممي إلى ليبيا المستقيل غسان سلامة، (هناك مليونير جديد كل يوم في ليبيا، والطبقة الوسطى تتقلص يومًا بعد آخر، والطبقة السياسية في ليبيا لديها كم كبير من الفساد يندى له الجبين، وهناك مَن يجني ثروات طائلة من المناصب يجري استثمارها خارج ليبيا، وما نراه في ليبيا أمر مؤسف. يستولون على المال العام ثم يوظفونه في الخارج).

ما قاله المبعوث الأممي المستقيل، غسان سلامة، ليس سرًّا ويعرفه أغلب الليبيين، وربما هو الشيء الوحيد الذي تتفق فيه الحكومتان، فرغم الانقسام المؤسساتي والسياسي الحاد إلا أن تقارير ديوان المحاسبة وهيئة الرقابة الإدارية مليئة بالمخالفات والتجاوزات سواء من قبل الحكومة المؤقتة أو حكومة الوفاق، فالفرقاء الليبيون يفرقهم كل شيء، ولا يجمعهم سوى الفساد الإداري والمالي، والمفارقة أن الطرفين اعتبرا الدعوات للتظاهر ضد الفساد المالي والإداري في المناطق التي يسيطران عليها (دعوات مشبوهة ومؤامرة من خصومهم).

فالتقارير الصادرة عن ديوان المحاسبة وهيئة الرقابة الإدارية بطرابلس ومدينة البيضاء كشفت الكثير من المخالفات والتجاوزات المالية وقضايا فساد في الوزارات والهيئات والشركات العامة والقطاع المصرفي، ونتفق أن ما جاء في هذا التقرير أمرًا ليس بالمفاجأة وليس جديدًا ولن يغير شيئًا على أرض الواقع، لكن أعتقد أن ما ينقصنا هو أن تكون هناك خطوة من رجال القانون والمحامين الوطنيين والمحاسبين القانونيين بتشكيل هيئة وطنية أهلية لتجهيز قوائم وملفات بالمسؤولين المتهمين بالفساد المالي والكسب غير المشروع وتقديمها للقضاء الليبي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى