اهم الاخباركتَـــــاب الموقع

ليبيا .. رحلة إلى شواطئ الشرق الهادئ

سليمان البيوضي

تقديم

قبل الغوص في تفاصيل الرحلة وجب القول أن معاناة السيولة والأزمات الخانقة المفتعلة ضد المواطنين، من سراق الموارد الوطنية هي ذاتها، وأن حصارهم لنا في جزر معزولة هو أكبر وأعمق أزماتنا، وهو ما تسعى القوى الراديكالية والانتهازية لتعميقه كل يوم، وتهدف من خلاله لاستمراره في المشهد السياسي الليبي، وهي تحافظ على وجودها بالعبث والفوضى والفساد، وتدافع عن حلفائها من قوى البغي والإرهاب ببث خطاب الكراهية والتحريض، إن المعاناة الإنسانية والاقتصادية بنِسَب متفاوتة يكابدها الليبيون بشكل مشترك، أما الفارق الحقيقي هو استتباب الأمن وعودة هيبة الدولة .

 زيارة زمن الإرهاب

في يناير 2014 كانت آخر رحلة عمل زرت فيها المنطقة الشرقية، ففي بنغازي وقتها كانت كل الحكايا مرعبة، ولم يكن المرور من البوابات إلا مرورا في سراديب المجهول وأنفاق الموت والخيانة، وكانت شوارع المدينة قاتلة،  وقتها اختفت تقريبا الراصية الوطنية، فكل الرايات مرفوعة أما نصيب الأسد فكانت للرايات السوداء، كان الوجود الجزئي للراية الوطنية، ضمن محاولة يائسة لإسقاط رمزيته، أما الوجوه في البوابات فقد كانت مختلفة أيضا، فالبدلة الأفغانية الملتحية هي رمز السطوة !!!!!!!؟

 زيارة بعد الانتصار

بعد أربع سنوات زرت المنطقة الشرقية ومروجها الخضراء وربوعها الفسيحة، لقد مثلت رحلة مختلفة بكل المقاييس، أثناء التجوال كان بالإمكان تقدير الوضع المختلف عن آخر زيارة، إنه وضع مستقر آمن، إنها الشواطئ الليبية الهادئة، فبالرغم من الدمار القاسي لأجزاء من بنغازي وبقايا المخلفات القاتلة، إلا أن المقاومين هناك أعادوا الحياة لطبيعتها، لقد سمحت لي هذه السانحة أن ألتقي كل الأطياف من قيادات ونخب ومثقفين ومواطنين باختلاف مشاربهم وتوجهاتهم، إن الهموم الوطنية لم تغب عنهم جميعا، أما تقديم الأطروحات والمعالجات فهي تتباين ولكنها تتقاطع فقط مع وحدة الليبيين ومصيرهم المشترك، وكان لافتا ومهما ما يدور من نقاشات وتقييم ومعالجات لاستمرار مشروع استعادة الدولة، لا حديث عن التحالفات والمليشيات واستيراد السلاح والذخائر ومن يهاجم من ؟، أو من يحمي من ؟، فالشرطة في الشوارع ولا مظاهر لانتشار السلاح بأشكاله المقززة، بالتالي فالأحاديث منصبة عن الدولة الوطنية والمدنية، الكل متفق تقريبا عن المعنيين بالمصالحة وآليات محاسبة المتورطين وتحديدهم .

 قضايا

تزامنت زيارتي للمنطقة الشرقية في احتفالات ذكرى الكرامة، لقد كانت مناسبة مهمة للاستماع لذكريات الجميع هناك، ففي كل شارع حكاية وقصة ألم وأمل، المثير أني لم أشعر مرة واحدة أني من مصراتة، إحدى المدن التي أُرسل منها المدد من الجرافات، فالناس هناك يفصلون تماما بين سكان المدينة، والمختطفين لقرارها السياسي من تيارات العنف المصلحي، بكل أسف وآسى وأنا هناك أعلن عن استشهاد مدني ببقايا المخلفات التي زرعها الإرهاب في بنغازي .

كانت إقامتي بحي الماجوري ” الشعبي “، وكانت فرصة حقيقية للقاء أولياء الدم، والاستفسار عن قضايا جوهرية، أهمها قضية التهجير للعائلات المصراتية وحقيقة ” الطرد ” لأسباب جهوية وعرقية ، فسمعت شرحا وافيا وتفصيليا لما حصل، وكان بالإمكان تصور تلك الحالة من الهيجان وردود الفعل، للأسف أن الحرب دائما ما تبرز وجهها القبيح، وهو ما حاول الإعلام المضلل الداعم لقوى البغي والإرهاب تزكيته بهدف تفتيت النسيج الاجتماعي وتصويرها بأنها حرب أهلية ففشل مسعاهم، وما يثبت ما قلت هو الخطاب المفاجئ لقادة حزب الراديكاليين التائبين بأن ما حصل في برقه، كان حربا مقدسة ضد الإرهاب .

أما المفاجئة الميدانية الحقيقية فكانت بزيارة مباشرة لبيت عائلة من قبيلة برقاوية عتيدة على بعد منازل معدودة حيث إقامتي، لديهم 5 أبناء ماتوا وهم يقاتلون في صف الإرهاب، بالرغم من ذلك لا زالت والدتهم وأختهم يقطنان المنزل، ونقلت لحي مجاور لأشاهد بيت تسكنه عائلة من مصراتة، قتل لهم شابان مع الأنصار وأبوهم من قيادات الإرهاب في ليبيا ولا زال صوته يصدح بالأراجيف، ولقد أكد الجميع أن كل من لم يتورط مع الإرهاب يمكنه أن يعود معززا مكرما، فتذكرت عوائل وقبائل مهجرة من 2011 لأنها تنتمي لقبائل ضَعُفَت بعد الثورة !!!!!!!!!!!؟

أما المفاجئة الكبرى هي عندما اطلعت على إحصائية رسمية، تثبت أن 800 شهيد من الجيش أو القوى المساندة، ارتقوا في معركة الكرامة ضد الإرهاب، هم من أبناء قبائل مصراتة القاطنة في برقة .

و كان لزاما علي أيضا أن أسأل عن ” تمشيط ” احتلال المنازل والأرزاق دون وجه حق فنقلت لتلك البيوت التي تم إخلاؤها بقوة القانون وحماية الدولة، وعلمت أن قضايا منظورة أمام المحاكم لاسترداد الأراضي المنهوبة، فتذكرت أراض ومنازل أخرى !!!!!!!!؟

أعي تماما وأقدر، أنه لا شيء مثالي بالمطلق، وقد يكون هناك ما لم أطلع عليه، لكن ما تم تأكيده لي، بأنه لا مجال أمام العبث، وأن رد الحقوق والمظالم قرار لا رجعة فيه، إلا من دعم وتورط مع الإرهاب بشكل مباشر فذاك يجب عليه المثول أمام القضاء .

 واقع

و من نافلة القول : إن طبيعة العلاقات الاجتماعية وتركبها في المشهد البرقاوي، كانت صمام الأمان لحمايتها من السقوط في يد الإرهاب، رغم المحاولات اليائسة لتفتيت الكيان الاجتماعي الجامع، ومحاولة توظيفه في السياقات الدامية في معركة بنغازي ضد الإرهاب التي بدأت في 2014، وهو نجاح مضاف لمشروع استعادة الوطن  .

أما تلك الحالة من التنافسية السلطوية فهي جزء من الصراع الكامن في المجتمع المحلي الليبي، وهو متفاوت نسبيا من منطقة لأخرى ” إقليما أو مدينة أو قرية أو قبيلة “، أما اختفاؤه فهو رهين بمشروع بنيوي آخر لا يعتمد الولاء للقبيلة أو المدينة أو القرية وسيلة له .

 نصيحة

في النهاية أنا سعيد بهذه الزيارة، وسعيد أيضا بذاك الترحاب الذي قوبلت به في مناطق برقة المختلفة التي زرتها، وأشد سعادة بما رأيت من عودة للدولة واسترداد للوطن من قوى البغي والإرهاب والفوضى، وأرجوا أن تتخلص النخب الوطنية والمدنية من هواجسها وتمد يدها لتوحيد الخطاب باتجاه استعادة الوطن، وأن تعمل متحدة على تصحيح المسارات التي تعتقد بخطأها، أما الإعلام الليبي في خندق المواجهة الوطنية فحري به أن ينقل تلك الصورة للحركة الاجتماعية والمدنية في الشواطئ الليبية الهادئة، وأن يتوقف المد التعبوي بما لا يخل بأدبيات المشروع، أما المواطنون فهم صمام الوحدة الوطنية وفك ارتباطهم من مشاريع العبث هو ما سيعجل بإنقاذ ليبيا .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى