مقالات مختارة

لبنان يواجه “المستحيل”!

سالم الهمالي

من بين كل الدول العربية، ودون استثناء؛ لا يوجد ما يمكن أن تسميه تعدد الآراء بزاوية مقدارها “360 درجة”، كما هو عليه الحال في لبنان، فمنذ أن عرفنا الدنيا؛ كان لبنان ولا يزال على صغر مساحته بوتقة، اجتمعت فيها كل ألوان الطيف السياسي والديني والعرقي.

احتضنت المسلمين بمختلف مذاهبهم، والمسيحيين بطوائفهم، مع خليط آخر من الأرمن والشركس والدروز، بل إنه حتى اختلافات الفلسطينيين وفصائلهم وجدت مكاناً في لبنان، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار.

هذه التركيبة الفسيفسائية العجيبة؛ هي ما يميز لبنان، وفرض عليه نمطاً سياسياً وحكومياً مختلفاً عن بقية الدول العربية، إذ إن لكل فصيل أو طائفة أو مذهب رأس خارج لبنان، يحركه لصالحه، وكان ذلك واضحاً إبان الحرب الأهلية اللبنانية التي استمرت 15 عاماً.

ولصغر مساحته “10.450” كم مربع؛ أصبحت هجرة أهله شيئاً معتاداً، فوصلوا إلى أمريكا في القرن التاسع عشر، ولهم وجود كبير في أمريكا اللاتينية وغرب أفريقيا.

الصراع داخل لبنان وعليه؛ أمران لا يمكن التفريق بينهما، إذ أن فرنسا ترى نفسها معنيةً به، لارتباطها بالطائفة المسيحية، كما هو الحال عند إيران التي ترى أنها الداعم والراعي والمدافع عن الطائفة الشيعية، وفي هذا الصراع كانت دول الخليج، وأهمها السعودية، تقف وراء الطائفة السنية، وإن كان بشكل لا يساوى ما تفعله إيران أو فرنسا.

انحسار المد القومي العربي واضمحلال قوته؛ أفسح المجال لتنامي المد الشيعي “الإسلامي”، فإيران لا تخفي نواياها بالتمدد داخل الدول العربية، خصوصاً أن الطائفة الشيعية وجدت فيها مناصراً، بالمال والرجال، وبلا حدود!!

هزيمة التيار القومي؛ دفع ثمنه التواجد الفلسطيني، الذي أُخرج (سياسياً وعسكرياً) بعد حرب ضروس، استغلت الطائفة الشيعية فيه الزمان والمكان؛ فازدادت قوتها المسلحة وأصبحت الطرف الأقوى في معادلة الصراع داخل لبنان.

الحرب على العراق والحرب على سوريا؛ دعمت “حزب الله”، الذي اتخذ المقاومة شعارًا له، مستغلًا تفكك الكيانيْن المسيحي والسني وانشغالهما بصراعات بينية داخل الكيان الواحد.

قوة “حزب الله”، اليوم، أكبر من قوة الجيش اللبناني، وبذلك؛ أصبح يضع ويفرض شروطه، ولأنه مدعوم من إيران؛ يمثّل تواجدها ومصالحها.

توقع أو انتظار بروز أي قوة داخل لبنان لمواجهة “حزب الله”؛ أمر غير منطقي أو عقلاني، فاللبنانيون جربوا الحرب، المدعومة من أطراف خارجية، ودفعوا ثمناً باهظاً بسببها، لذلك؛ فإن التسليم بالأمر الواقع هو السبيل المتوفر، والأقرب للواقع.

مقاطعة لبنان، لا تفيده، ولا تفيد أحداً، لكنها لن تدفعه للخضوع بسهولة كذلك، فالقوى التي وقفت ضد أعنف وأشرس حرب على سوريا؛ لن تستسلم اليوم في ظروف أكثر ملائمةً لها.

التاريخ علمنا أن مقاطعة نظام “السادات” لم تغير من سياساته ولم تهزمه، وما حدث هو العكس، إذ عاد العرب، أفرادًا وجماعات، إلى مصر، المُوقّعة على اتفاقية “كامب ديفيد”.

المصدر
salem.alhamali

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى