مقالات مختارة

كيف يفكر الكلب المسعور؟

ممدوح المهيني
وزير الدفاع الأميركي القادم جيمس ماتيس يلقب بـ”الكلب المسعور” وهذه ليست شتيمة كما يعتقد بل ثناء. كلب متحمس وشغوف بالعمل ومسعور بأدق التفاصيل. يقال إنه لا يحب هذا اللقب، ولكنه أيضا يوصف بـ”راهب الحروب” لأنه لم يتزوج ويجمع في مكتبته أكثر من سبعة آلاف كتاب وقادر على الاقتباس من أشهر الفلاسفة والمحاربين القدامى. سُئل عن هذا السبب الذي يجعله يحمل معه كتاباً إلى ساحة المعركة فأجاب أن التقدم التكنولوجي لم يغير كثيرا في طبيعة الحرب. الدرس للانتصار بحروب السيوف والرماح القديمة هو نفسه لم يتغير مع حروب الدبابات والطائرات بدون طيار. عليك أن تفهم عدوك جيدا لكي تهزمه.

وبسبب هذا ينتقد ماتيس بلطف رؤساءه من القيادات المدنية التي لم تفهم أعداءها جيداً ولم تحدد أهدافها وتسببت في النهاية بإفشال الجهود العسكرية الكبيرة. في حرب العراق نجحت القوات الأميركية بتحقيق نصر خاطف في ثلاثة أسابيع فقط ولكن الأهداف السياسية لم تكن واضحة وواقعية وانزلق العراق بعدها بالفوضى. في خمس حروب خاضتها الولايات المتحدة بعد نصرها على النازية في الحرب العالمية الثانية انتصرت بواحدة فقط. فشلت في الحرب الكورية والفيتنامية والأفغانية والعراقية الأخيرة، وانتصرت بعاصفة الصحراء. القائد السياسي جورج بوش الأب حدد بالضبط أهدافه السياسية بتحرير الكويت وليس الإطاحة بصدام حسين، ولم يورط القيادات العسكرية بحرب لا يعرفون نهايتها.
عرف ماتيس بأقوال شهيرة مثل قوله “كن مؤدبا، كن مهنيا، ولكن لتكن لديك خطة لتقتل جميع من تقابلهم.”، ولكن هذه المقولات الرنانة تقال للترويج والاستهلاك الإعلامي، ولكن طريقة تفكيره أكثر استراتيجية ووضوحا عن دور الولايات المتحدة وأكثر الشرور التي تهدد العالم، وبسبب هذا اختلف مع رؤية الرئيس أوباما.
معرفة كيف يفكر “الكلب المسعور” الذي انضم للجيش بعمر الـ18 ضرورية لمعرفة طريقة نهج الإدارة الأميركية القادمة بقيادة الرئيس ترمب وتوقع ماذا سيحدث مستقبلا. الواقع أن ملامح سياسة الإدارة الأميركية القادمة بدأت تتوضح من الآن بسبب طبيعة اختيارات ترمب لقياداته التي تتشابه في طريقة تفكير تؤمن بدور أكبر للولايات المتحدة في العالم، ومعاكسة لوعود ترمب الانتخابية النارية الداعية لانعزال وتدفيع الحلفاء مقابل الخدمات المقدمة لهم.
نظام طهران بالنسبة لـ”الكلب المسعور” الخطر الأكبر. سُئل مرة عن أكبر الشرور التي تهدد منطقة الشرق الأوسط، فردد “إيران.. إيران.. إيران.” وعلى العكس تماما لفهم أوباما ورجاله المقتنعين بسياسة نزع مخالب نظام الملالي واستدراجه للدخول في النظام الدولي، يؤكد ماتيس أن نظام طهران لا يؤمن بهذا النظام الليبرالي، ولا يفكر أو يعمل على طريقة الدولة ولكن الثورة والتوسع. مواجهة إيران تحتل موقعا أساسيا في عقل هذا الجنرال الخبير وقال في أحد حواراته إن إركاعها عسكريا ليس بالمسألة الصعبة. إيران بالنسبة له ليست الدولة الساعية لامتلاك السلاح النووي، بل فيلق القدس وسليماني والميليشيات الإرهابية التي أسستها ودعمتها. رؤيته للدور الإيراني في العالم أكبر وأوسع وأكثر واقعية وتاريخية من نظرة المحللين والصحافيين الذين يرددون عن مغالطات الصراع السعودي الإيراني في منطقة الشرق الأوسط. في لقاء خاص سأل أحد الصحافيين السؤال الذي يعرف أهل المنطقة إجابته حيث قال له: “ما هي الدولة الوحيدة التي لم يهاجمها داعش؟” لم ينتظر منه جوابا وقال: “إيران بالطبع”.
الخطر الثاني بالنسبة لماتيس بعد الإسلام السياسي الشيعي هو الإسلام السياسي السني وكل الجماعات المتولدة عنه. ومرة أخرى، فإن تحليله يستوعب جذور الأزمة الفكرية الغائصة في أعماق التاريخ. التطرف ليس وليد اليوم ولكنه يعود لقرون قديمة. من الممكن أن تهزم أميركا عسكريا القاعديين والطالبيين والدواعش ولكن هزيمة أفكارهم ليست سهلة ولا يمكن أن يقوم بها الأميركيون أو الغربيون بل المسلمون أنفسهم. يتحدث ماتيس بود عن الأنظمة السنية المعتدلة ويؤكد أنه قاتل إلى جانبها ويشدد على دورها الأساسي المستقبلي في هزيمة الإرهاب وذلك من خلال شن حرب شرسة على أفكار المتعصبين التي تمثل المصدر الفكري للعنف والإرهاب وشوهت صورة الإسلام وفتكت بالمسلمين قبل غيرهم. مع إيران حربه مصيرية مع نظام يصدّر الإرهاب ولا يلتزم بالمعايير الدولية (هو يقول إن الحرب عمليا مع الإيرانيين لم تنقطع منذ عام 1979)، ومع العرب داعم للدول المعتدلة للقضاء على المتطرفين والمحرضين.
تحظى شخصية الجنرال ماتيس بالاحترام والتقدير وبعد سنوات أوباما التي توصف بمرحلة الضعف أو الانسحاب الأميركي قال أحد المعلقين ساخرا: “من الجيد أن يكون لقب وزير دفاعك الكلب المسعور لإخافة إيران وروسيا”، ولكن مواجهته الأكبر وهو الطامح لعودة النفوذ الأميركي في المنطقة والمؤمن بالنظرة المثالية الأخلاقية للعالم ستكون مع بوتين الذي يختلف معه في كل شيء تقريباً.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
موقع العربية نت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى