مقالات مختارة

«كورونا» يحطم حواجز الطب عن بُعد

فيرجينيا بوستريل

في ظل الظروف العادية، كانت الطبيبة الباطنية جيني ليفي تُجري المكالمات المنزلية، وتتابع حالات المرضى الذين يعانون من الحالات المزمنة، وتوفر ما يُعرف بخدمات الرعاية الطبية العاجلة والمستمرة. وهي تعمل لدى شركة «لاندمارك هيلث»، التي توفر الزيارات المنزلية الاستكمالية من المشتركين في خدمات «ميديكير أدفانتيج»، ومن ذوي المخاطر الكبيرة التي تستلزم دخول المستشفى.
علمت الدكتورة ليفي حال انضمامها إلى فريق العمل بشركة «لاندمارك» أنهم يعملون على تطبيق خدمات الطب عن بُعد. وبعد مرور عامين ونصف العام، لم تشهد أي تنفيذ فعلي لمثل هذه الخدمات في الواقع. واتضح بعد ذلك أن تطوير البرمجيات الاحتكارية التي تتوافق مع أحكام الخصوصية الصارمة من قانون قابلية التأمين الصحي للنقل والمساءلة – المعروف إعلامياً باسم «قانون هيبا»، هي من العمليات التي تستغرق الكثير من الوقت. وحتى الآن، تملك الشركة بعض البرامج التجريبية التي تعمل في بعض الأسواق القليلة فقط.
أما الآن، وفي ظل الظروف الأكثر استثنائية، بدأت الدكتورة ليفي وزملاؤها –وعلى نحو مفاجئ– في متابعة حالات المرضى عبر تطبيق «فيستايم» أو «واتساب». وفي استجابتها لانتشار وباء «كورونا» الراهن، خففت الجهات الرقابية الأميركية اعتباراً من الشهر الماضي من التفسير المحكم الصارم لـ«قانون هيبا» فيما يتصل بالطب عن بُعد. وعوضاً عن المنصات الصحية الخاصة المتوافقة تماماً مع «قانون هيبا»، يمكن لموفري خدمات الرعاية الصحية، من الذين يعملون بحسن النية، الاستعانة بأدوات التواصل اليومية، ما دامت ليست مفتوحة على المجال العام. بمعنى أنه لا ضير من استخدام تطبيق «فيستايم» في تلك الخدمات، ولكن يُحظر استخدام تطبيق «تيك توك» لنفس الأغراض. وقالت الدكتورة ليفي إن التغييرات الجديدة سهّلت عليهم الشروع في تنفيذ الوسيلة التي كنا نحاول تطبيقها منذ فترة طويلة.
وحتى وقت قريب، كان الطب عن بُعد يبدو مثل تلك الوعود التكنولوجية الحالمة التي كنا نتصورها في المستقبل فقط وليس في الواقع الراهن. وفي حين أنها من الممارسات الجيدة من الناحية النظرية، إلا أنها واجهت العديد من العقبات الاقتصادية والعوائق الرقابية، وربما المقاومة من بعض الأطباء والمرضى على حد سواء.
بيد أن شيوع فيروس «كورونا» على النحو المشهود قد أسفر عن تغيير جذري في البيئة المحيطة بنا. وعلى الرغم من أهواله الفتاكة، وفّر ذلك الوباء الفرصة الذهبية المنتظرة لكسر الروتين القاتم، الذي يعيق التقدم في المجال الطبي.
وبغية إبقاء المرضى بعيداً عن غرف الانتظار في العيادات والمستشفيات، مع الحد من انتشار الوباء قدر الإمكان، يحاول الأطباء، وشركات التأمين، والجهات الرقابية الحكومية، والوكالات الفيدرالية التوسع في استخدام التقنيات التي كانت من قبل مقصورة على المنافذ الإعلامية والبيانات الصحافية المتفائلة.
وفي الولايات المتحدة، تهاوت الحواجز الرقابية، مع زيادة معدلات سداد التكاليف، وارتفاع معنويات الأطباء المتشككين إثر حالة الارتياح التي انتابتهم من تحول الاستشارات الطبية إلى التواصل المرئي عن بُعد. ويتعيَّن على الأطباء والمرضى والشركات، التغيير من طريقة تفكيرهم في ممارسات الطب عن بُعد. وإن كنا قد تعلمنا الدروس الصحيحة من الأزمة الراهنة، مع تجنب العودة إلى الأوضاع السابقة بعد انقضاء الجائحة الحالية، فربما تكون النتيجة المنتظرة هي توفير الرعاية الطبية الممتازة بأقل التكاليف الممكنة، ومن دون تقويض الموارد المالية الشحيحة لدى الأطباء الذين يقدمون الرعاية الطبية الأولية لمختلف فئات المرضى.
وبمناسبة التخفيف من أحكام «قانون هيبا» المذكور، عندما أقر الكونغرس الأميركي تمرير القانون في عام 1996 لم يكن أحد يفكر في كيفية تطبيقه على زيارات خدمة «فيستايم» الطبية، حيث كنا لا نزال نعيش في عصر ماكينات الفاكس، والخطابات المكتوبة، والمكالمات الهاتفية المكثفة –بمعنى التقنيات التي كان القانون يتناولها في غياب أزمة طاحنة مثل وباء «كورونا». وكشفت حالات الطوارئ الراهنة عن مدى سوء القيود التي تستند إليها أحكام القانون القديم.
ومن شأن السماح للأطباء باستخدام البرمجيات المتاحة على نطاق كبير، وربما المجانية لدى الجميع، في فحص المرضى عن بُعد، أن يوسع بصورة كبيرة من عدد الممارسات التي تشتمل على تقنيات الطب عن بُعد. ولا يتطلب الأمر بعد ذلك وجود المؤسسات الكبيرة القادرة مالياً على بناء أو شراء الـنظم المتخصصة. كما ليس عليك أن يتحول الطب عن بُعد إلى الممارسة الرئيسية للخدمات الطبية، إذ يكفي تعيين الممرضين أو الممرضات المكلفين بتلقي المكالمات من أنحاء البلاد كافة. ويمكن أن تكون عيادة صغيرة للغاية مع الرغبة في توفير وسائل الراحة المناسبة للمرضى المعتادين الذين يعانون من الوعكات الصحية الشديدة أو الذين يعيشون في أماكن بعيدة للغاية فلا يمكنهم الوصول إلى العيادة بسهولة.
وهذا بدوره يؤدي إلى تغيير الاقتصاد السياسي للمفهوم ذاته. فالعديد من أطباء الرعاية الأولية قد قاوموا ممارسة الطب عن بُعد، الأمر الذي يؤيّد قيود الولايات التي ترغب في الحد من نطاق تطبيقه. وهم يخشون –بصورة مبررة– من أن الاستشارات الطبية الافتراضية تقضي على الحالات المربحة وتحيلها إلى خارج نظام العمل تماماً. وحتى إذا كانت الممارسات الصغيرة يمكنها توفير الزيارات الطبية عبر الإنترنت، يصبح الطب عن بُعد وسيلة من وسائل توسيع نطاق الرعاية الطبية مع الزيادة المحتملة للدخل. وهي من الوسائل الرخيصة والمريحة، ولكنها لم تتحول بعد إلى بديل أساسي للعلاقة المباشرة والمستمرة مع طبيب الرعاية الأولية.
ولكن، إذا طلبت الجهات الرقابية العودة إلى القواعد التنظيمية القديمة على منصات الطب عن بُعد، كما يُحذر غرادي غيبس، مستشار التكنولوجيا، الذي يقر باهتمامه الذاتي بهذه التقنية تحديداً، نظراً لأن عملاءه من ممارسي الرعاية الطبية الأولية، فإنه من شأن ذلك تقويض ممارسات الطب عن بُعد –ولا أعني القضاء عليها تماماً، ولكن سوف تجعل من الممارسات أكثر صعوبة على المتعاملين معها، ذلك لأن العيادة الصغيرة التي تضم طبيباً واحداً من المستوى المتوسط، لن يكون قادراً على الذهاب والحصول على منصة جيدة تكون متوافقة مع «قانون هيبا».
واللوائح التنظيمية ليست الحاجز الوحيد أمام انتشار ممارسة الطب عن بُعد. يقول ستيف سبيرمان، الخبير لدى مجموعة «هورون» الاستشارية والمختص في قضايا الرعاية الصحية: «المشكلة الكبرى التي أعاقت انتشار تلك الممارسة حتى الآن، كما هو الحال في كثير من الأحيان، كانت سداد التكاليف». ومرة أخرى، غيّرت أزمة الوباء الراهنة من الوضع القائم. ويغطي برنامج «ميديكير»، الذي اعتاد تقديم معدلات سداد أدنى بكثير بالنسبة لممارسة الطب عن بُعد، مجموعة واسعة من خدمات الطب عن بُعد بنفس معدلات السداد التي تقدمها العروض الشخصية. وتتبع شركات التأمين الخاصة توفير الخدمات على نحو طوعي أو بناءً على طلب من الجهات الرقابية الحكومية.

المصدر
الشرق الأوسط
زر الذهاب إلى الأعلى