أخبار ليبيا

قمة (عدم الضيافة ) في مالطا

 

يبدأ اليوم مؤتمر فاليتا الأوروبي-الأفريقي، الذي يستمر ليومين، في مالطا، وعلى ما يبدو فإن نتائج الردع والمراقبة والعسكرة قد كتبت سابقا 

بمواجهة أزمة اللاجئين، يمعن المراقبون المستعجلون النظر في الاتجاه الذي سيتخذه الاتحاد الأوروبي: هل سيتجه نحو احترام "القيم المشتركة" المدافع عنها من قبل "الكريمة" انجيلا ميركل، التي بسطت ذراعيها للاجئين السوريين، أم ستتبنى منهجا أكثر عدوانية، اتباعا لمثال "الفاضح" "فيكتور اوربن"، ببناء أسوار حول هنغاريا لمنع ذات الباحثين عن ملجأ من الدخول؟

في التطبيق، وجدنا أن الموقفين بعيدين عن أن يكونا متناقضين. مع أن ألمانيا فتحت أبوابها لللاجئين السوريين، إلا أنها في الوقت نفسه طبقت سياسة لإعادة عشرات الآلاف من الباحثين عن ملجأ، والواصلين من البلقان على وجه التحديد، تحت زعم أنهم "لاجئون مزيفون". والأسوأ من ذلك، أن الحكومة ووزير الداخلية، ينظرون إلى تمييز اللاجئين المستقبليين ليصبحوا غير مرحب بهم، من خلال اتخاذ إجراءات مثل الاقتطاعات في الرواتب، والإقامة الجبرية، والضغط على دول الأصل.

في المقابل، بإغلاق هنغاريا لحدودها، تطبق ببساطة، سياسة تهدف إلى منع اللاجئين من الوصول للأراضي الأوروبية. في الواقع، يشجع الاتحاد الأوروبي هذه التصرفات منذ زمن طويل على حدوده الجنوبية والشرقية الخارجية، وبالخصوص حول مقاطعات سبتة ومليلة الإسبانية في المغرب.

سيشهد المؤتمر الأفريقي-الأوروبي الذي يبدأ اليوم في لافاليتا، مالطا من 11-12 نوفمبر، المزيد من التطبيق لسياسات (عدم الضيافة) التي يطبقها الاتحاد على جيرانه. سيجمع المؤتمر 35 من قادة الدول الأفريقية، و28 من الدول الأوروبية، وسيتطرق رسميا إلى خمسة مواضيع للتفاوض، هي، محاربة أسباب الهجرة، الهجرة والتنقل القانوني، الحماية الدولية واللجوء السياسي، محاربة تجارة وتهريب البشر، وتحسين عمليات العودة للوطن وإعادة الدخول. التجمع يتبع مؤتمر الهجرة والتنقل الذي عقد في بروكسل في أبريل 2014، و(يستند) إلى نتائج عمليات الرباط والخرطوم، والتي ركزت كلاهما على السيطرة على الهجرة بأي ثمن.

كتابات "مايغريوروب"، شبكة مكونة من 46 مؤسسة و53 عضوا ومتمركزة في 17 دولة من الاتحاد الأوروبي، وأفريقيا والمغرب والشرق القريب، وليلة مؤتمر مالطا، تستنكر الأسبقيات خلف رد فعل الاتحاد الأوروبي. 

"مايغريوروب"، المعروفة بخرائطها لمخيمات الاحتجاز وأطلسها للهجرة في أوروبا، تهدف إلى تحديد استنكار ونشر المعلومات حول السياسات الأوروبية التي تهمش المهاجرين، كالاحتجاز والطرد، وتخريج إدارات الهجرة بأنها "غير مرغوبة" على الأراضي الأوروبية، وحول عواقب هذه السياسات على الدول الجنوبية.

تروج الشبكة لتآزر ممثلين من الشمال والجنوب من أجل الوصول لرؤية وتحليل مشتركين في مثل هذه العمليات، وعلى وجه التحديد حول تخريج السياسات التي تدير تدفق الهجرة، واحتجاز المهاجرين وزيادة عسكرة الحدود. 

نبهتنا خبرات شبكتنا إلى عواقب تحويل الاتحاد الأوروبي وأعضائه، واجبهم اتجاه المهاجرين واللاجئين إلى "دول ثالثة" ومتضمنة لدول ذات أنظمة قمعية، كالسودان وأريتريا. الاقتراحات التالية، والتي ستناقش في مؤتمر مالطا، مقلقة على وجه الخصوص: الحد من عدد اللاجئين المرحب بهم في أوروبا عبر التوزيع في "البؤر"، وإعادة تطبيق نسب الترحيل ومقاولة مراقبة الحدود وعسكرة السيطرة على الحدود.

سياسات الردع والمراقبة والعسكرة

سببت البؤر الكثير من الجدال، منذ أن أعلنت كمراكز استقبال مبدئية للمهاجرين، في وقت سابق من هذا العام. ستجعل البؤر احتجاز المهاجرين، بما فيهم اللاجئين، أكثر انتشارا. في عرض للمنطق الغريب، في ايطاليا، حيث خفض الحد الزمني لاحتجاز المهاجرين إلى فترة 30 يوما مبدئيا، إذا طبقت اقتراحات خطة عمل الاتحاد الأوروبي، ويحذر محامون بأن اللاجئين يمكن أن يحتجزوا في "البؤر" الجديدة، لمدة تصل إلى عام كإجراء روتيني. وستستعمل هذه المخيمات لفرز "اللاجئين الجيدين" من "المهاجرين السيئين". وتعلن دول أوروبية بأنها مستعدة "لمشاركة عبء" استقبال أعداد صغيرة من اللاجئين، ولكن بشرط التخلي عن الحقوق القليلة والضمانات العملية المنصوصة في القانون لجميع المهاجرين. تتصور البؤر بالشكل الأكبر، كمحفزات للطرد، والسماح بزيادة "نسب الإعادة" للاجئين غير الجديرين بكأس "التوطين" المقدسة، فإمكانية الاشتمال في الحد المطلوب من اللاجئين يناقش بامتعاض من قبل الدول الأعضاء.

في اتفاقية فاليتا، يعاد التأكيد على مقاولة مراقبة الحدود، بالإضافة إلى استقبال اللاجئين في الدول المجاورة للاتحاد الأوروبي، ففي ال7 من أوكتوبر، استطاع رئيس الجمهورية الفرنسية، التصريح أمام البرلمان الأوروبي بأن "على اللاجئين أن يستقبلوا في تركيا، بأكبر قدر ممكن"، واتخذ المجلس ومعظم الدول الأعضاء عبارات مشابهة، مع أن أكثر من مليوني سوري قد اتخذوا ملجأ في الواقع، في دولة يتخذ رئيسها " اردوغان" – بازدياد – اتجاها استبداديا، ويثير توترا مع الأقلية الكردية والقوات الديمقراطية.

وفي النهاية، مع مؤتمر مالطا، تصل عسكرة السيطرة على الحدود إلى مرحلة جديدة، وهي اتجاه تم انتقاده بصخب على "الديمقراطية المفتوحة 50.50" سابقا من قبل أهم نشطاء حقوق الإنسان في الشمال والجنوب، مثل زهرة لانغي من منبر المرأة الليبية من أجل السلام، ومادلاين ريس من اتحاد المرأة الدولي للسلام والحرية. باسم الحرب على مهربي البشر، "المتاجرين بالبشر" الآخرين، نشهد حربا على المهاجرين. تستطيع الآن، السفن العسكرية المستعملة في عملية "القوات البحرية للاتحاد الأوروبي في البحر الأبيض المتوسط"، التي أعيدت تسميتها بسخرية "صوفيا"، ان تركب السفن المشتبه بها بالتورط في تهريب الناس في البحر. إذا وافقت الأمم المتحدة على ذلك غدا، سيتم تفويض هذه الاعتراضات في المياه الليبية، بالإضافة إلى تدمير السفن. المصير المحتم للركاب المنقذين ممن يفترض أنهم مضطهدون، هو أن يرسلوا إلى مخيمات في ايطاليا، أو أن يتم إرجاعهم إلى الأيادي التي حاولوا الهرب منها، سواء في ليبيا أو أي مكان آخر.

الأمن المشدد، ووكالة حدود الاتحاد الأوروبي العسكرية "فرونتكس" على وجه التحديد، لن تكون الحل لـ"أزمة اللاجئين"، كما جادلت "نينا بركوسوكي" في هذه الصفحات سابقا. عبر تعزيز الموارد الاقتصادية، والمادية، والقانونية لوكالة فرونتكس، يحقق الاتحاد الأوروبي بكفاءة، شبكة مراقبة حقيقية، تهدف إلى السماح بالحد الأدنى من الناس فقط، بالاقتراب من سواحله. وبإيقافهم لإمكانية الوصول جويا، عبر رفض التأشيرة لمن يعتبرون أنه يمثل "خطر هجرة"، يحلم صناع القرار الأوروبيون الآن بحصار غير قابل للاختراق على امتداد سواحل شمال أفريقيا وتركيا، وما سيشكل إضافة لرؤياهم, هو الممر الجوي للإعادة القسرية لكل أولئك الذين سينقلول إلى هذه المستوطنات الأوروبية التي تحولت إلى "بؤر"، والجزر الإيطالية واليونانية تحديدا، واضعين حياتهم في خطر.

من أجل تبرير الإفلاس الأخلاقي للاتحاد الأوروبي ورفضه لاحترام الاتفاقيات العالمية لحماية حقوق الإنسان، بما في ذلك المنطبقة عل طالبي اللجوء، ستستمر السلطات الأوروبية بالاتكاء على سياسة الخوف: فيقال إن اتزان الدول الأعضاء، والاتحاد الأوروبي بشكل عام، في خطر من "أكبر تيار هجرة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية". للمزيد من التشديد على هذه النقطة، يستمرون بتغذيتهم بالإحصائيات التي يتم التزويدبها  بطريقة ملائمة من قبل فرونتكس. إلا أن فرونتكس نفسها اعترفت بإعادة العد، احصاءً لعدد اختراقات الحدود وليس عدد الناس. أما عدد الناس فيتم إحصاؤه عدة مرات عبر رحلتهم نحو ألمانيا أو شمال أوروبا.

                            رئيسي وزراء مالطا واسبانيا في حوار جانبي اثناء القمة     

                  

تخبئ الإحصائيات حقيقة أن في 2015، كان الاتحاد الأوروبي سرب مئات الآلاف من اللاجئين، ولكنه لم يعدّ الملجأ الملائم، فهو يستقبل فقط من نجا من العوائق الضخمة التي وضعت في طريقهم، وبأعداد ضئيلة جدا، حيث تظهر سياستهم بعدم الضيافة كما هي في الحقيقة. وبذلك، تستقبل تركيا، والتي يريد الاتحاد الأوروبي أن يجعلها حارسا على استحالة اختراق حدودها، أربع أضعاف عدد اللاجئين السوريين التي تستقبلهم 28 من الدول الأعضاء معا.

للوصول إلى أهدافهم، يظهر الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء استعدادهم للاشتباك في جميع أنواع التصرفات المخزية، عمليات عسكرية تقودها فرنسا وبلجيكا في الساحل، ترى الآن كطريقة لقطع ممرات الهجرة، وتم التخطيط لبناء مخيمات في النيجر، لتسهيل عمليات العودة الإجبارية أو "الطوعية"، بعيدا عن الحدود الأوروبية، وستلقى الدول التي تمتلك أكثر الأنظمة قمعا، كالسودان واريتريا، اللتين تنتجان عشرات آلاف الباحثين عن ملجأ، دعما لاحتواء سكانهم و"تأمين" حدودهم. هذه النقاشات الضخمة، وأيضا قضية اتفاقيات إعادة الدخول، أو بكلمات أخرى، التزام دول الأصل أو دول الانتقال المؤقت، بـ"استرجاع" الناس المطرودين من أوروبا. ستكون هذه أهم نقاط الحوار في فاليتا.

هذه القيم، عدم الضيافة، والحرمان من الحقوق الأساسية والمساومات المثيرة للسخرية، هي القيم التي يحضرها الاتحاد الأوروبي إلى طاولة التفاوض اليوم في فاليتا، ويبدو أن النتائج قد كتبت سابقا بالفعل. لتحقيق أهدافها، سيستخدم الاتحاد الأوروبي أية وسيلة متاحة. في التطبيق، وكالعادة، سيدافع بعناد عن الإقامة الجبرية لغالبية سكان العالم وعن الترسيخ الواقعي لـ"جريمة الهجرة"، مخالفا لجميع الاتفاقيات العالمية، وخصوصا فقرة 13 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948.

 

أوبن ديموكراسي

إمانيويل بلانكارد, بيل ماكيث, ياشا ماكانيكو

ترجمة سارة غرايبة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى