اهم الاخباركتَـــــاب الموقع

قصة سقوط معلن

محمد العجمي

يخرج المتظاهرون في الشوارع، تتخذ السلطة إجراءات قمعية، تتزايد الأعداد، تعلو الاحتجاجات ضد حاكم فاق جلوسه على الكرسي عقدين أو ثلاثة، وربما أربعة، ثم تخرج الأمور عن السيطرة، ثورة مسلحة، أو عصيان مدني، تجمعات ضخمة، ولا مجال سوى السقوط أو الحرب الأهلية.

هذا السيناريو دار بحذافيره عام 2011، بدأت تونس، من حادثة البوعزيزي إلى اعتصام القصبة، انضمت مصر في ميدان التحرير، ثم تحولت الموجة إلى ثورة مسلحة في ليبيا، وانتشرت الاحتجاجات في عدد من دول المنطقة، كل منها تحمل طابعا، حسب النظام الحاكم، والتدخل الدولي، وأسباب الصراع والاحتجاج.

بعد نحو ثماني سنوات، يتكرر الأمر بشكل مشابه، وإن لم يكن نسخة أخرى من ما سمي حينها بالربيع العربي، لكن ضيق الأحوال يدفع بالمتظاهرين إلى الشوارع في عدد من البلدان.

الاحتجاجات انطلقت في ديسمبر الماضي في السودان، لتستمر لما يربو عن شهرين متتاليين، بدأت بالضيق من الوضع الاقتصادي، لكنها لم تلبث أن توجهت نحو النظام الحاكم برمته، عند إحراق المتظاهرين دور حزب المؤتمر الوطني الذي ينتمي إليه عمر البشير في 19 ديسمبر في مدينة عطبرة شمال البلاد، وتطالب بسقوط النظام.

البشير الذي يحكم البلاد منذ ثلاثين عاماً بعد وصوله إلى السلطة عبر انقلاب عام 1989، اتخذ عدة إجراءات منذ بداية الاحتجاجات، بدأت بالتجاهل لمدة أسبوع، ثم الظهور الجماهيري المتكرر وحشد الناس في إظهار للشرعية والتأييد، ووصلت إلى إعلان حالة الطوارئ، وحل الحكومة، وتكليف ولاة عسكريين لولايات السودان التي يبلغ عددها 18 ولاية.

حمى الاحتجاجات وصلت إلى الجزائر في فبراير، قبيل تقديم ملفات المرشحين الرئاسيين إلى الانتخابات بشكل قاطع ونهائي، تحت شعار رفض ترشح عبد العزيز بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة.

بوتفليقة الذي يحكم البلاد منذ عام 1999، وصل إلى السلطة عبر انتخابات في ربيع ذلك العام، انسحب فيها جميع منافسيه عشية الاقتراع، لينجح بنسبة 73 في المائة تقريباً، ويظل في السلطة منذ ذلك الحين، بنجاحه في أربع دورات انتخابية، طالتها العديد من الانتقادات.

وصول بوتفليقة إلى السلطة، أنهى فترة العشرية السوداء في الجزائر، وساهم في وضع أسس للمصالحة تنهي الحرب الأهلية في البلاد، لكن الرئيس الجزائري، لم يتحدث إلى شعبه منذ عام 2013، بعد إصابته بسكتة دماغية، وظل ظهوره نادراً وعلى كرسي متحرك.

منظمو حملة ترشح بوتفليقة للرئاسة، لم يأبهوا باحتجاجات الشارع، وأصروا على كون الانتخابات هي الفيصل في بقاء بوتفليقة أو مغادرته السلطة، ومضوا في تقديم ملف ترشيحه رسمياً، فيما يراه الشارع إعلان فوز لا ترشح، مع توجيه الانتقاد المستمر لتزوير الانتخابات.

تتكرر أمام المراقب، مشاهد 2011، في حديث حسني مبارك قبل تنحيه، أنه لن يترشح لدورة انتخابية أخرى، وتهديد القذافي لمعارضيه، وتوعد علي عبد الله صالح، واستغاثات زين العابدين بن علي الأخيرة، ثم المشاهد الحالية للأزمات في عدد من هذه الدول، لكن يبدو أن الأنظمة السياسية لا ترى المشاهد ذاتها.

ومع استمرار الأحداث بلا تغيير، يبقى التساؤل حول إجراءات التهدئة الواجب على الأنظمة اتخاذها للسماح بإصلاح جذري، وتجنب الحروب الأهلية، التي يتوعد بها الحكام شعوبهم، بدلاً من الانزلاق إلى ذات المآزق مراراً وتكراراً، لكن المشهد بتفاصيله الحالية، لا يروي إلا قصة سقوط معلن.

*  العنوان الأصلي يعود لرواية الكاتب الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز “قصة موت معلن”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى