مقالات مختارة

فوضى الإشاعات المغلوطة

محمد النغيمش

لفتني لقاء الإعلامي اللبناني علي جابر عميد كلية محمد بن راشد للإعلام حينما قال للبيان: إن الكلية تعتزم طرح فصل دراسي كامل بالتعاون مع جامعة جنوب كاليفورنيا الذائعة الصيت لتدريب طلبة الكلية على كيفية التعامل مع المعلومات المغلوطة في وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها. هذا بالفعل ما ينقصنا في عصر الإشاعات «والطوابير» الخامسة.
فهذه المعاناة تضاعفت في عصرنا حتى صار الطابور الخامس يندس في هواتفنا، ومواقعنا الإلكترونية بأنواعها الإخبارية والمدونة والمنتديات، وينتشر بسرعة غير مسبوقة في التاريخ البشري بسبب تقنية «التمرير الفورية» (Forward) حتى بات يربك تفكير الناس، ويهتك أسرارهم وخصوصياتهم، لاسيما إذا كان من حساب يتبعه ملايين ولم يتحر صاحبه الدقة والأمانة.
هذه المعضلة تحركها غريزة التفاخر والحرص على السبق بأي ثمن حتى وإن كان صاحبها مضطرا للترويج لإشاعة. وينسى هؤلاء أن المعلومات المغلوطة سرعان ما تتحول إلى إشاعة مشوهة بسبب تناقلها من قبل الآلاف.
والطابور الخامس ليس مقتصرا على المصطلح الذي أطلقه أحد الجنرالات إبان الحرب الأهلية الإسبانية، في حقبة الثلاثينات، حينما قال إن هناك طابورا خامسا يعمل ضد الحكومة، بل هو مصطلح صار يضرب كل شيء بما فيه الأفراد والمنظمات الخاصة والعامة وحتى مؤسسات المجتمع المدني التي تعمل بصمت ومهنية لم تسلم من أذى إشاعات الطابور المخرب.
وهذا ما دفع الشاب السعودي ريان عادل إلى محاولة التقليل من تنامي سيل الافتراءات والأكاذيب والإشاعات للطابور الخامس في وسائل التواصل الاجتماعي التي لا تجد من يتصدى لها، فأسس حسابا تطوعيا في «تويتر» سماه «هيئة مكافحة الإشاعات» يتقصى من خلاله صحة الإشاعة ثم ينشر «الحقيقة» و«الإشاعة»، عبر اتباع تقنية فنية للتأكد من صحة الصورة أو الفيديو.
وقد نفى قبل شهور ما أشيع عن مجموعة فرنسية تجوب شوارع فرنسا في أعقاب حوادث تفجيرات باريس الإرهابية، لتضرب العرب ضربا مبرحا، ثم تبين أنها أحداث شغب رياضية قديمة!
لا شك أن فعل التصدي للإشاعة يقلل أو يحد من تداعياتها الخطيرة، لذا يرى عادل أن الإشاعة الشهيرة في امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل، في عهد صدام، التي كانت مبررا لشن الحرب عليه عام 2003 ثبت أنها غير صحيحة، حسبما أشار في موقع الصحافيين الدوليين، الأمر الذي خلف أضرارا بشرية ومادية هائلة. وبالفعل لو وصلت إشاعات بهذا الحجم إلى طريق مسدود كيف سيكون حالنا؟
كلما كبر حجم الإشاعة زاد معه عدد المشاركين في خطيئة نشرها. ونحن نصبح وقود الإشاعات حينما نلهث وراء أسبقية نشرها.
وكم من إشاعة اندفع خلفها حشود من الناس، وأججت الرأي العام، ثم تبين أنها من وحي الخيال أو الخباثة. وما أكثر الإشاعات التي ترتبت عليها قرارات إدارية متسرعة وصارمة قطعت أرزاق الناس، وشتت شملهم، والسبب أن ناشريها شاركوا في خطيئة إذاعتها جريا وراء الشهرة.
ومن هنا نعقد آمالنا على مشروع كليات الإعلام العربية لتدريب الإعلاميين على كيفية تحري الدقة ونناشد الجهات التطوعية بأن تتنافس في حسابات وبرامج تنور الناس بالحقائق بصورة فورية أملا في وأد الإشاعات المغلوطة في مهدها.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صحيفة “البيان” الإماراتية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى