أخبار ليبياخاص 218

“فاطمة الشفاء” أول وآخر ملكة ليبية

تقرير 218

خلف أحداث التاريخ السياسي هنالك دائما نساء رائدات قد يغفل المؤرخون عن تدوين مسيرتهن المؤثرة داخل المجتمع.

فاطمة الشفاء، أو فاطمة الإدريس كما تحب أن تذيل رسائلها الملكية تحت هذا الاسم، على غرار التقاليد الملكية البريطانية، هي ابنة السياسي والمناضل الكبير “أحمد الشريف السنوسي” وزوجة مؤسس الدولة الليبية “إدريس السنوسي” وحفيدة مؤسس الطريقة السنوسية “محمد بن علي السنوسي” وهي شخصيا، كانت ملكة ليبيا الأولى والأخيرة في العصر الحديث.

السيدة فاطمة السنوسي، التي ولدت في عام الحرب 1911 في مدينة الكفرة، ونشأت هناك حتى بلغت السابعة عشر من العمر، ثم تزوجت من ابن عمها إدريس السنوسي عندما كان أميرا لبرقة في عام 1934 وانتقلت للعيش معه في مصر.

تحملت الملكة فاطمة الهموم مبكرا، فقد تكبّدت عناء السفر إلى مصر فوق ظهور الإبل، وعاشت الغربة والفقر والتقلبات الحياتية مع زوجها حتى تمكن ومن معه من نيل الاستقلال وتأسيس الدولة الليبية الحديثة.

كانت لبقة في الشكل والحديث والملبس، وكل من عرفها تحدث عن طيبتها وأخلاقها وطريقة استقبالها للضيوف وكرمها البالغ، إضافة إلى هذا، فقد مارست دورها الدستوري كملكة ليبية على أكمل وجه، وقامت بالعديد من الأعمال الاجتماعية والخيرية المتميزة التي جعلت الأهالي يحبونها ويحترمونها حتى هذه اللحظة.

وبعد أقل من أسبوعين على الانقلاب أرسل المفوض المقيم للحكومة البريطانية في ليبيا ديك أندول الذي جمعته علاقة وطيدة بالملك الراحل رسالة مواساة، وكان رد الملكة فاطمة الشريف آخر ما وصل من رسائلها إلى الإعلام وجاء فيه:

“قبل أن أنهي رسالتي أحب أن أقول إننا نحمد الله على أن تيجان الملكية لم تبهرنا قط ولا نشعر بالأسف لفقدها، فنحن كنا دائماً نعيش حياة متواضعة ولم يغب عن أذهاننا مثل هذا اليوم، كما نحمد الله كثيرا لأننا لا نملك مليماً واحداً في أي مصرف حتى يشغل بالنا المال، ولم نغير أبداً معاملتنا لأصدقائنا وهي لن تتغير مع الأيام”.

نأت الملكة فاطمة بنفسها عن الكثير من الجدل أو الخلافات، وعندما سافرت مع زوجها إلى المنفى بعد انقلاب 69، لم يكن لها ولا للملك أي ثروة مالية رغم حكمهم الذي دام نحو 18 عاما كاملة، ولم تجد حتى حق الرجوع إلى ليبيا وبقيت حبيسة المنفى بقية عمرها.

وتوفيت السيدة فاطمة في مثل هذا اليوم 3 أكتوبر في مكان إقامتها بالقاهرة عام 2009 عن عمر يناهز 99 عاما، بعد أن عاشت حياة حافلة ومتغيرة ومتقلّبة، فقد ولدت في ظروف قاسية وحرب عالمية ثم سافرت وتزوجت في عمر صغير وعاشت توتر مرحلة الحرب العالمية الثانية وكواليس ما قبل الاستقلال، وكانت شاهدة على التغييرات الجذرية الكبرى ليس في ليبيا فقط وإنما في عدد من دول العالم آنذاك.

ونالت الملكة فاطمة أعلى درجة يمكن أن ينالها مواطن، فصارت ملكة الدولة الناشئة التي ذهبت خطوات مميزة نحو الحضارة والتقدم، لكنها لم تلبث أن نُفيت عن بلادها هي وزوجها وماتت وحيدة مثله، من دون التقدير الذي استحقوه طوال حياتهم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى