اهم الاخبارمقالات مختارة

غسان سلامة … (له وعليه)

سالم الهمالي

فرصة أخرى تضيع على الليبيين، وهم غارقون في أتون حرب أهلية مدمرة تأكل الأخضر واليابس، فقدنا فيها الأبناء وثروة الأحفاد مع دمار واسع في البلاد. بالتأكيد أن مهمة المبعوث السادس للبعثة الأممية فشلت فشلا ذريعا، إذ لا يزال الصوت الأعلى هو للبارود والرصاص والقذائف مصحوبا بعويل الأيتام ونحيب الأرامل ولوعة الثكالى، ولا بصيص أمل في إنهاء الصراع الدموي العنيف في الأجل القريب.

دخلت ليبيا عامها العاشر، مسجلة سوابق لم يشهد لها التاريخ مثيل: حرب تُمول من خزينة واحدة، تستخدم فيها جميع أنواع الأسلحة عدا النووي والكيماوي والبيولوجي، وأزعم أنه حتى تلك كانت لتدخل ميادين المعارك لولا لطف الله أن هيأ من اجتثها قبل اندلاع هذا الصراع.

الدولة الوحيدة في العالم أجمع التي تقول الإحصاءات إن جميع مواطنيها مسلمون (100%)، ولم يسجل التاريخ أنها شهدت صراعا دينيا في الخمسة قرون الماضية، تبدل فيها الحال إلى محرقة بكل ما تعني الكلمة لم تغب فيها كل المصطلحات التي ظن البعض أنها اندثرت في سحيق التاريخ مثل الخوارج والقرامطة والروافض إلى ما استحدث لتأجيج الصراع في العصر الحديث مثل العلمانيين والملاحدة.

أتى غسان سلامة مؤملًا أن يجد حلًا يوقف إزهاق الأرواح ونزف الدماء بين الليبيين، وغادر والعشرات يتساقطون يوميا ومئات الآلاف مهجّرون داخل البلاد وخارجها، وعدد كبير يلقي عليه باللوم بل هناك من يتهمه أنه كان سببًا في إطالة الصراع وارتفاع أثمانه.
المثقف اللبناني الفرانكفوني، الذي عمل أستاذا جامعيًا ووزيرًا ورئيسا لمعاهد أكاديمية ومبعوثًا أمميًا جال ليبيا شرقا وغربًا وجنوبا، وتحدث مع مثقفيها وشعرائها وسياسيّيها وقادة تشكيلاتها المسلحة وقف عاجزا عن إيجاد الصيغة التي تفك طلاسم الصراع الليبي. عمل باجتهاد لتهيئة الأجواء الى مؤتمر غدامس وسط تشجيع من هذا وتلكؤ من الآخر، لكن تلك الفرصة تبخرت مع اندلاع الحرب، وانحسار لغة التفاوض وسيادة مبدأ الحسم.

قالها مرارًا وتكرارًا، إن المجتمع الدولي منقسم على نفسه في الشأن الليبي، والدليل الساطع على ذلك فشل مجلس الأمن في التوافق واستصدار قرار ملزم يوقف الصراع ويدعم الجهود السلمية لإنهاء الأزمة.

طُلب منه المستحيل !!… كل طرف يريده أن يكون متحدثا بلسان حاله، يؤيد خطابه ويغض الطرف عن تجاوزاته وأخطائه … أمر لا يمكن أن يحدث إلا بوجود إرادة موحدة من المجتمع الدولي لحل الأزمة، والموجود فعليا في الواقع وعلى الأرض أن ليبيا أصبحت مسرحا دوليا لتصفية الصراعات الإقليمية بين دول المنطقة.
إذا زار الدوحة احتجت أبوظبي، وإذا توجه إلى القاهرة أنكرت عليه إسطنبول، وإذا جلس مع الطليان غضب الفرنسيس … وهلم جرا

لا شك، أن بعض خياراته من الليبيين كانت مستغربة عند البعض، لكنهم هم الليبيون من اختاروا أعضاء برلمانهم ومؤتمرهم الوطني ومجلسهم الأعلى .. و(بعضهم) يخجل الإنسان السوي أن يعيد كلامهم أو سيرتهم في فنادق دول العالم وما يتبع ذلك.

يتحدثون عن الشرعية، وهي مثل أصنام قريش، يعبدونها في النهار ويأكلونها أوقات الجوع في الليل، فكل الموجود غير شرعي … سوى شرعية (الأمر الواقع)؟!

تحدث عن الفساد، وقال إنه (نهب) لثروة الليبيين جهارا نهارا، ولم نر أي نتيجة لما قيل إنها لجنة أممية تراجع إنفاق أموال الدولة … ما السبب يا ترى ؟!

غسان سلامة ليس ملاك ولا هو فاروق جديد ولا حتى ريتشارد هولبروك (دايتون)، .. موظف اممي يلتزم بما تطلبه منه البعثة الأممية، التي تمثل إرادة امريكا وروسيا وفرنسا وبريطانيا والصين، ولا يوجد اتفاق بين هذه الأطراف في الشأن الليبي على الإطلاق.

فشل غدامس لم يثنيه عن مواصلة العمل، فاستحدث مسار برلين، وأفلح في جمع قادة العالم عدا دونالد ترمب الذي مثله وزير خارجيته، وهذه سابقة، يومين متواليين من الاجتماعات والمفاوضات بين أطراف الصراع الدولي واتفاق طويل من خمسة وخمسين بند، اصطدمت مع تعنت ساسة وقادة شعب (صعيب عّناده).

لما لا نعترف أن الأزمة هي أزمة ليبية، والفشل هو فشل الليبيين بمختلف أطرافهم، إيجابا أو سلبا، في عدم الاعتراف بالآخر والقبول بتعدد الرأي وحل الخلاف بوسائل سلمية تستبعد السلاح والمسلحين، الذين يهددون كل اتفاق لا يجعلهم هم من يحكمون فعليًا ويتحكمون في كل شيء من الاعتمادات إلى تهريب البنزين وحديد الخردة ؟!

لما لا نعترف أنّ رفضَ ممثلي الأطراف كانوا أبعد ما يكونون عن باحثين لحل الازمة، فكيف لمن يرفض التقابل والاجتماع في مكان واحد أن يكون ساعيا للخروج باتفاق مع خصمه الليبي، الذي يراه عدوا، أكثر عداوة من الذين كفروا.

لم لا نعترف أننا أصبحنا لا نملك قرار الحل في ليبيا، بعد أن أصبحت الدول الأجنبية هي من تتفاوض فيما بينها ونيابة عنا لتقرير مصير ليبيا وشعبها.

فشل سلامة أم لم يفشل، فقد رحل قابضًا مرتباته على (داير دولار)، وريع كتابه الذي أخمن أنه سيفضح المزيد من مهاترات ممثلينا وتسلقهم إلى البعثة الأممية … وتبقى طاحونة الحرب (تدهك) الليبيين، تزهق المزيد من الأرواح وتسفك المزيد من الدماء وتضيع ما بقي من ثروة …

لكننا لم نفشل؟!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى