مقالات مختارة

عِناد مُدخن سابق

أحمد الشارف

كانت فكرة الإقلاع عن التدخين غير واردة بالمرة لمن يعرفني ، ولم أكن بأي حال من الأحوال أفكر في ذلك قبل اتخاذ ذلك القرار والذي كان قد وُلد في نفس ذات اللحظة التي رميت فيها آخر سيجارة .
ولمن يعرفني عن قرب يعلم كم كنت مدخنا شرها بشدة ، وبأني من الأشخاص الذين لا يتخذون قرارا يعرفون سلفا أنهم غير قادرين على إنجازه أو لم يحن وقت اتخاذه، ولهذا لم أكن أصرّح بأني سأتوقف عن التدخين في يوم ما، بل وكنت أعبر عن حبي ولذتي بالتدخين (علما بأني إلى حديث الآن لا زلت أراه كذلك)، ولكن الذي حدث غير مُفسر إلى الآن، ربما هو إخطار داخلي بالتوقف الفوري ودون رجعة، وعلى ذلك اتخذت قراري ورميت السيجارة الأخيرة إلى غير رجعة ودون حساب أو مساومة، ولا أنكر أني قد عانيت وبصمت وهدوء تبعات هذه القطيعة.

وأذكر أني تقصّدت بأن أزيد من مقدار كل عمل كنت أفعله بمسايرة التدخين، فقد زدت من عدد ساعات قراءتي للكتب أكثر من ذي قبل بكثير، وفضّلت الزيادة في نوعية الكتب العسيرة الهضم وذات التوجه البحثي السميك والثقيل في مواضيع شائكة، واعتمدت موقفا صلبا في الإكثار لا التقليل من مجالستي لأصدقائي المدخنين وعدم الابتعاد عن الأماكن والمجالس المعتادة لي قبل والتي كانت تشعرني برغبتي في التدخين، ومع كل هذا كانت السنة التي توقفت فيها عن التدخين من أصعب السنين في واقعنا الليبي المعاش وأشدها عسرا وكدَراً ومعاناة، ومنذ توقفي دخلت على الفور في الامتحانات النهائية لآخر فصل لي من دراستي الجامعية ، واجتزتها بنتيجة جيدة، وبعده سنحت لي الفرصة للدخول في عمل تطلّب مني إعلاء حس المسؤولية والتفكير الشديد والانتباه والجديّة والعمل المضني .

بعد سنتين من ذلك أقف على نتائج هذا القرار الفوري الغير متساهل أبدا، لأجد أن ثماره كانت جدا غنية ومهمة، فقد عزز ذلك من ثقتي بنفسي وقوّى من عزيمتي وزاد من صلابتي في مقارعة هذه الحياة ، وساهم في إسقاط كل الأعذار الواهية في نظري وكل تذرع يروّج لصعوبة واستعصاء التوقف عن عمل ما مضر أو عادة سيئة بداعي أي سبب أو أزمة أو حالة، أو حتى التمكن من إنتاج عمل إو إبداع معين، فكل ذلك تنتجه الرغبة للاستمرار في الهزيمة وترسم لك استحالة صمودك و ضعفك أمام غرائزك وملذاتك .

جعلت مني هذه التجربة سعيدا بنفسي اذ انتصرت على ذلك كله واغتنمت كامل المنفعة التي لم أكن أتوقعها أن تكون بهذا الشكل والمحتوى، وأعتبرها تجربة مهمة وملهمة في حياتي القصيرة جدا . والحمد لله على ذلك .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى