مقالات مختارة

علينا أن نحضن أبناءنا وأزواجنا وأنفسنا

عبدالرؤوف طريش

الخوف في ثقافتنا نقيض الرجولة. فحينما يوصف الرجل بـــ “الخواف” وكأنه وصف بأنه أثنوي. الحقيقة مسألة الرجولة في بلادنا، وفي اصقاع العالم الغير متحضر مرتبطة بالواقع الحياتي، وهو موضوع معقد شيئ ما ويطول الخوض فيه، ولست هنا بصدده. لكن يمكن القول بأنه في كثير من الأحيان يعد المجرم في نظر الإنسان المدني المتحضر بأنه حيوان وجبان، بينما يصفه أبناء المجموعة التي ينتمي إليها على أنه رجل شجاع. والسبب هو أن مجموعته وصلت إلى قناعة أن الجريمة ضرورة من أجل البقاء. إذا هناك إختلاط في المفاهيم حتى بين المجموعات في المجتمع الواحد، والذي يؤدي إلى إرباك المجتمع ككل. ما اود التطرق إليه هنا بالتحديد هو إختلاط مفهوم الخوف والجبن.
.
الخوف شعور وليس قرار . شعور بقلة الأمن وبأن شيء ما يهدد الإنسان في كيانه أو فيما أو من يحب. ليس من الضروري أن يكون الخائف على علم بما يخيفه، فقد يشعر بالخوف ولكنه لا بعلم سببه. الخوف مثل السعادة والجوع هو إحساس داخلي ينجم عن تغيرات في إفرازات الجسد العديدة والتي تؤثر في الدماغ بطريقة تجعل من الإنسان إما أن يكون سعيد أو حزين، خائف او متهور. إذاً لا علاقة لقرارات الإنسان بالخوف، والحقيقة أنه كلما شعر الإنسان بأن الامور تخرج عن سيطرته ونطاق تحكمه كلما إزداد شعوره بالخوف. فهو ينتاب الإنسان ويسيطر على كيانه كاللباس الذي يغطى الجسد كله، ويتصور صاحبه إستحالة التخلص منه. والخوف مفيد وضروري للمحافظة على الحياة وهو ايضا إبتلاء من الله ليميز الصابرين.
.
قال تعال في محكم كتابه “وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ” (155:البقرة). صدق الله العظيم. ذُكر الخوف بعد الجوع لان الجوع يزيد من شدة الخوف. فالجوع يودي إلى هبوط السكر في الدم، وهبوط السكر في الدم لوحده يؤدي إلى الخوف، فما بالك إذا رافق الخوف الناجم عن قلت الأمن. ولم يذكر الله سبحانه وتعال الجوع أولاً لان الخوف المشار إليه ليس سببه الجوع وإنما قلت الأمن نتيجة قلة الأموال والأنفس. والدليل على ذالك أن الله أشار بعد ذالك النقص في الانفس والثمرات وهما يوديا إلى الأحساس بقلة الأمن والخوف الناجم عن الجوع على التوالي.
.
إذاً الخوف أمر طبيعي، وإذا ما نقص الشعور به عند الحاجة يجعل من الإنسان متهور، والكثير من المتهورين ينهون حياتهم مبكر. ولكنه إذا زاد عن حده يسبب إضطرابات نفسية لاحصر لها، وأسوها القلق النفسي الحاد، وهو الخوف من الخوف، والذي من علاماته إزدياد سرعة حفقان القلب، حفقان القلب بقوة، إرتفاع ضغط الدم، التنفس السريع، تصبب العرق، العرق في الكفين، إضطرابات الجهاز الهظمي، آلام المفصال، الصداع المستمر، تشنج العضلات، الأرق، قلت ساعات النوم، الإفراط في النوم، التعب المستمر… وهناك عشرات الأعراض التي تصاحب القلق.. ربما من أفيد علاجاته السريعة والمؤقته هو التنفس البطيء المنتظم… 8 – 4 – 8 ثواني __ شهيق – حبس – زفير. ولله الحمد علاج القلق بدون الحاجة إلى المخدرات والعقاقير أصبح متوفر لمن يبحث عنه.
.
أما الجبن فهو قرار. الجبن هو التنصل من المسؤلية التي يعلم الإنسان الجبان أنه مكلف بها، ولكنه يفر منها ويدعى الفرار نتيجة الخوف. والحقيقة أنه ليس للخوف علاقة بالجبن. فقد يترآ للبعض أن الجبان إنسان حكيم في قرارته لانه يتفادا شيء يرونه مخيف. وهو في الواقع تنصل من المسؤلية. فمثلا الإنسان الذي يهمل مسؤلياته لأسرته أو عمله أو أصدقائه أو وطنه عندما يكونوا في حاجة إليه، ويدعي الخوف إن هو قام بواجبه، فهو إنسان جبان، لانه إعتقد أنه ليس من مصلحته المساعدة، والتي غالبا ما تكون في إمكانه، ولو بالكلمة الطيبة أو بالمواساة. لكنه لا يريد أن يعطي من وقته أو من ماله، فيفر من الموقف ويتنصل من المسؤلية بإدعائه الخوف.
.
لذالك أقول، علينا أن نحضن أبنائنا وازواجنا وانفسنا إذا ماشعروا أو شعرنا بالخوف، وأن لا ننهر أحد منهم ولا أنفسنا على الشعور بالخوف، ولكن علينا أن ننهرهم وانفسنا إذا ماتخلينا عن مسؤلياتنا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نقلا عن صفحته الشخصية- فيسبوك

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى