كتَـــــاب الموقع

صناعتنا المحلية

عمر أبو القاسم الككلي

في بلداننا، بلدان “الجنوب”، مقارنة م بلدان “الشمال”: أوروبا، ولاحقا مجمل “الغرب”، بإضافة أمريكا، ليست لدينا ثقة في صناعاتنا المحلية (=الوطنية)، باستثناء الصناعات التقليدية والأكلات الشعبية (باعتبار الطهي نوعا من الصناعات والأكلات نوعا من المصنوعات). ومهما كنا وطنيين ومناصرين للتنمية الوطنية المستقلة فإننا نفضل شراء سلع ومصنوعات غربية بدلا من سلع ومصنوعات محلية. ولا يوجد في الأمر خيانة للمباديء أو ازدواجية في المواقف أو الكيل بمكيالين أو نفاقا وطنيا أو ادعاء مجانيا. ذلك لأن صناعات بلداننا (صناعاتنا المحلية) لا تلتزم بمعايير الجودة، وعلى وجه الخصوص تلك الصناعات التي تمتلكها الدولة، لأن الدولة لا تراقب نفسها ولا تحاسبها. ولأن السوق في مثل هذه الحالات تكون مقفلة أمام السلع والمصنوعات الواردة، ولا توجد صناعات محلية مستقلة، فلا يبقى أمام المواطن سوى الإذعان.

في هذا الإطار لدي قصة معروفة لدى القراء المتابعين والمهتمين بالقصة الليبية، وترجمت إلى أكثر من لغة، من ضمنها الألمانية والروسية، عنوانها “صناعة محلية” تلعب على هذا الوتر.

تنطلق القصة من واقعة حقيقية حدثت لي سنة 1992، تحديدا في شهر 5. كنت محتاجا إلى كراسة للكتابة فدخلت محلا بسيطا لبيع لقرطاسية والأدوات المكتبية قرب سكني. طلبت من البائع كراسة بأربعة هوامش. قال لي البائع بأنه لا يوجد لديه هذا النوع من الدفاتر. لديه نوع واحد فقط به هامش واحد على اليمين. ورمى أمامي على النضد واحدا منها. فتحته، فلم أجد به أي هامش!. ابتسم البائع وخرجت دون أن أشتري الكراسة. لم أكن حينها أملك سيارة. وفي المسافة من المحل إلى البيت، التي تستغرق أقل من عشر دقائق، كانت القصة جاهزة، وباشرت كتابتها بمجرد دخولي.

تلعب القصة على وتر الصناعة المحلية، بالمعنيين العياني والرمزي. لا أريد أن أشرح مدلول القصة. إذ، علاوة على أنه ليس من وظيفة الكاتب تفسير أعماله، فهي واضحة بذاتها. ولكن يمكن القول أن كل ما تعانيه شعوبنا من مآس هو، على الأقل بالدرجة الأولى، من صناعتنا نحن أنفسنا. هو صناعة محلية. إليكم النص:

صناعة محلية

دخل محلا لبيع القرطاسية والأدوات المكتبية. كان يريد كراسة أوراقها بأربعة هوامش: اثنان: واحد في أعلاها والثاني في أسفلها، واثنان: واحد على اليمين والآخر على اليسار، وكان الهامشان الأخيران الأهم لديه.

– ليس عندنا كراسات صناعة أجنبية.

رد البائع، ثم رمى أمامه بواحدة :

– لدينا فقط هذا النوع. به هامش واحد على اليمين.

لم يفحص الكراسة، وفكر فى الانصراف. لكن خطر له أن هامشا واحدا قد يكفي، فهو سيكون على يمين وجه الورقة التي ستكون شفافيتها كافية لتعويض الهامش الآخر، الذي ينبغي أن يكون على اليسار، بالهامش الموجود على يمين ظهرها.

أعجبته نباهته، وأحب أن يصوغ ذلك في قاعدة عامة:

إذا توفر هامش وقليل من الشفافية، يمكن التحايل لتعويض الآخر.

ارتضى هذه النتيجة، وأخذ الكراسة دون أن يفحصها، فهو محتاج، في جميع الأحوال، إلى ورق للكتابة.

عندما جلس وفتح الكراسة للكتابة تبين أنه لايوجد بها أي هامش .

..إطلاقا.

00/ 5/ 1992

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى