اهم الاخباركتَـــــاب الموقع

صلح يؤدي إلى حرب

طه البوسيفي

هنالك صلحٌ يؤدي إلى سلام هذا طبيعي ومعقول ومنطقي وضروري، وهنالك أيضاً نوع آخر من الصلح يؤدي إلى قتال وخراب، ففي كل الأعوام الماضية القاسية الدامية كنا نشاهد ونقوم بتغطية أعداد لا حصر لها من مواثيق صلح وبنود اتفاقات بين المسلحين الذين حين يتقاتلون، تتحول المدن إلى حظائر دجاج، إما على زيادة النفوذ أو الأخذ بالثأر أو خلافات بين المسلحين على سيارة مسروقة، أو زجاج معتم، أو قطعة سلاح أغرت الواقف في البوابة  فأرادها له وحده كجارية محظية في بلاط الأمير.

كان أهل الخير_ كما يسمون من قبل كثيرين_ يدخلون على الخط، ويتدخلون من أجل فض النزاع وحل ما طرأ من إشكال بين الأشاوس الذين لم يتفقوا على شيء سوى على لفظة الله أكبر، لكن هذه الاتفاقات كانت لا تؤدي إلى هدف، لا تؤدي إلا إلى مزيد من العنف، ببساطة لأنها كانت عبارة عن مسكنات للألم، وهروباً إلى الأمام بلغة السياسة، وليست علاجاً نهائياً أو شبه نهائي لمعضلة السلاح التي في رأيي ورأي كثرٍ هي المحورية ونقطة الارتكاز نحو تحقيق الاستقرار الغائب كلياً منذ 2011.

سيرد شخص على هذا الطرح ليقول إن السلاح في دول عدة منتشر ومرخص ويباع في المحال كالسلع الغذائية، أجل هذا صحيح، ولكن في تلك الدول توجد منظومة متكاملة متداخلة منسجمة، مخابراتية  أمنية عسكرية تسمح لها بمعرفة هوية من يشتري السلاح، ومن أي نوع، وكيف هي قوته النارية. شيء آخر يضاف، السلاح الذي يباع هو أقل تقنية وقدرة من السلاح الذي تمتلكه القوات المسلحة النظامية والأجهزة الأمنية، لكن هذه الأشياء في ليبيا ليست متوفرة، في ليبيا لا توجد هياكل، ولا مؤسسات، بل إن المسلحين الذين من الممكن أن يكون تصنيفهم  الطبيعي تحت بند الخارجين عن القانون لأنهم معرقلون لمسير بناء الدولة، هم ذاتهم بشحمهم ولحمهم الذين توكل إليهم مهمة حفظ الأمن في البلاد، مفارقة عجيبة.

في كل مرة نرى قتالاً أعنف من سابقه، يثبت أن الاتفاقات حبر على ورق، فلماذا يا ترى؟ هل لأن النوايا لم تكن صادقة؟ هل لانعدام الثقة؟  أم لأن المتقاتلين لا يدركون معنى السلام واستساغوا فكرة العيش في البراري كالوحوش؟ أحد الأسباب المهمة هو نسبة التمثيل وقوته داخل اجتماعات فض النزاع، من يمثلون الكتائب المسلحة ليسوا متنفذين داخل الكتائب، ليسوا أصحاب قرار مطلق، وهذه لعبة التوازنات، لأن كل مجموعةٍ ليس لديها ثقة في المجموعة الأخرى التي تقابلها، وبالتالي تكون الاجتماعات عبارة عن در للرماد في العيون وكسب للوقت لا أكثر وشرعنة للوجود استناداً للأمر الواقع، سبب آخر يتعلق بالهيكلية، فالمجاميع المسلحة ليست تعمل وفق نظم مؤسساتية تستند إلى معايير التراتبية والهرمية، فهذه الكتائب فيها توازن كبير في داخلها، وكل شخص هو الحاكم بأمره والقرار بيد الجماعة نسبياً ما لم يكن للهيمنة العائلية دور، وفي كل مرةٍ تجده عند شخص، يدور بحسب الحالة ومقياس الغضب، وليس بمقدور القائد شكلاً أن يكون قائداً مضموناً لأنهم في داخل كل كتيبة جميعهم رؤوس، ولكن رؤوس ثوم على قول علي الطنطاوي.

لن يدوم أي اتفاق للصلح بين المسلحين، سواء أحسنت النوايا وصدقت أم لم تصدق، لأنه ما هكذا تورد الإبل، وأي اتفاق لا يسمي الأمور بمسمياتها ولا يستأصل الداء هو عبارة عن حقن مسكنة وهروب للأمام .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى