كتَـــــاب الموقع

ربي ينصر الحق

محمد خليفة إدريس

خلال الأزمة الحالية التي تمر بها البلاد تكشفت العديد من الأمور لليبيين عن أنفسهم وخبايا ما يضمرون، ولعل بعضها لم يكن خفيا، ولكنه أُثْبِت بالدليل والبرهان كالشمس في رابعة النهار.

الليبيون ممن يعيشون في ليبيا يدينون بالإسلام -وفقا لما نعلمه- بنسبة 100%، ومن المعلوم أن التسليم بأن الخِيرةَ فيما اختاره الله من لُبّ العقيدة، وأن الرضا بالقدر من أساسيات الدين.

هذا التمهيد والتعريف بما هو معروف بالضرورة، ليس حشوا، ولا إطنابا، ولا من باب “الفلسفة الزايدة”؛ وإنما للإشارة إلى أمر مهم يتمثل في احتكار الحقيقة، وادعاء المعرفة، والتخوين الجاهز الذي بات ينتشر انتشار النار في الهشيم في مجتمعنا “المحافظ، الوسطي، المسلم بالفطرة!!”.

وشكَّل ما تشهده البلاد من حراك على الصعيدين العسكري والسياسي استقطابا حادا وانقساما معلنا وغير معلن بين فسطاطين، واشتعل الاستقطاب إلى درجة حادة لا يمكن السكوت عنها، فإذا ما خضت في جدال مع أي شخص وفي أي موضوع؛ سيحاول بشتى الطرق أن يكشف ميولك ويحدد اصطفافك السياسي، مهما كان الحوار الذي بينكما، وإذا ما حاولت أن تنأى بنفسك عن هذا الحوار “السفسطائي” بالقول “ربي ينصر الحق” سينفجر في وجهك ضاحكا ليقول لك “أنت معاهم معناها”، وستسمع هذه الجملة من المصطفين وراء جميع التوجهات، لتكون إجابة موحدة يجمع عليها كل شخص يسمع منك هذا الرد على اختلاف مشاربهم، ومن جميع الأطراف والأقطاب السياسية كما أشرت آنفا، ولعله من سخرية القدر أو بالليبي من “طياح سعدنا” أنه حتى عندما اتفقنا وتوحدنا في شيء كان هذا الاتفاق في التطرف والإقصاء والتخوين!

وعلى الرغم من تسليم أمرك لله “العليم الخبير” بأن ينصر من كان محقا، وهو العالم بخبايا الأنفس وما تخفي الصدور، أمر مسلم غيبا بصوابه ورجاحته، إلا أن محدثك سينبري بالسخرية منك والاستهزاء بك، وكأنه بذلك يشكك في قدرة الله عز وجل -والعياذ بالله- في تمييز الخبيث من الطيب، ويرى بأنه الأعلم والأكثر دراية!!، أوليس الأجدر به أن يكون سعيدا إن كان مقتنعا بصلاح الطرف الذي يصطف معه وأن يشكرك ممتنا على دعواتك؟

وما جعلني أكتب ذلك الآن، وفي هذا التوقيت بالذات، بلوغ التطرف في ليبيا منتهاه؛ فلا ينبغي أن تخالف أحدا في أي شيء؛ فالاختلاف -في ليبيا- يعني الخلاف والقطيعة، حتى في أبسط الأشياء، بل بات مجتمعنا يكرس ذلك في الأجيال منذ نعومة أظفارهم؛ فعلاقة غالبية الوالدين مع أبنائهم مبنية على القمع والدكتاتورية واستعمال فزاعة “رضا الوالدين” وأن الوالدين هما مفتاحك للجنة أو النار، وكأنهم بذلك يستعبدون أبنائهم.

نشأتي في أسرة منفتحة تتقبل النقد والاختلاف، وتفتح الحوار في كل شيء، جعلتني أرى تجارب أقراني الصعبة؛ لأعي مدى ما يعيشونه من قمع وظلم تحت مسمى “الأسرة، العائلة، القبيلة” فكفاهم إذا ما فكروا بالاختلاف مع أي شخص حول أي شي أن يقذف في وجوههم المثل: “ما يطلع عن الجملة إلا ولد الحرام” ليختار ألا يكون “ولد حرام” وأن يقبل ويسلم ويسير مع القطيع ويقول “حط راسك بين الروس وقول يا قطَّاع الروس” وليمتثل للقول المأثور ” كيف الناس لاباس” وغير هذه المقولات المأثورة التي تكرس ثقافة القطيع.

حالة الاصطفاف والتحشيد والانقسام التي تعيشها البلاد وينبري الكثيرون من أبنائها “المحللين” إلى انتقادها، هم في واقع الحال جزء منها من حيث لا يعلمون، ولعلهم -بتفكيرهم ونمط عيشهم- خير دليل على أن ما يحدث في أروقة الساسة- من حالة التجاذب السياسي الحاد- هو أمر طبيعي فما الساسة إلا عينة من عامة الشعب.
ختاما إذا ما أردنا أن نحيا حياة كريمة فلا بد لنا أن نعي أن الاختلاف سنة كونية، وأن الأمم لم تقم إلا بجمعها للأضداد تحت راية واحدة، وأن التفكير الجمعي الموحد هو أخطر آفة قد تدمر أي مجتمع، وفي الختام ارفعوا أيديكم معي ورددوا “ربي ينصر الحق”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى