مقالات مختارة

خطاب كيري

هشام ملحم

اتسم الخطاب الهام الذي ألقاه وزير الخارجية الأميركية، جون كيري، يوم الأربعاء حول الخطر الذي يهدد حل الدولتين للنزاع الفلسطيني – الإسرائيلي بنبرة نقدية قوية غير معهودة من إدارة الرئيس أوباما تجاه إسرائيل، وبفظاظة حادة غير مسبوقة أيضا في مخاطبة كيري لرئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو. وبدا الوزير كيري وكأنه يريد أن يودع نتنياهو من خلال كشف خبثه، وعدم صدقية ادعاءاته بأنه يريد السلام.
كيري انتقد مباشرة نتنياهو “الذي يدعم علناً حل الدولتين، ولكن ائتلافه الحكومي هو الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل، وهو يتبنى أجندة تدفعها العناصر الأكثر تطرفا” في إسرائيل، في إشارة إلى المستوطنين المتشددين الذين يختبئ نتنياهو وراءهم.
السؤال الرئيسي الذي طرح بعد الخطاب هو: لماذا الآن؟ تقول مصادر في وزارة الخارجية إن هناك أكثر من سبب من بينها رغبة إدارة الرئيس أوباما أن تقول كلمتها الفصل حول مفهومها ومقترحاتها لكيفية التوصل إلى حل الدولتين، ولو كان ذلك قبل 23 يوماً فقط من انتهاء ولاية أوباما. الخطاب الذي تضمن انتقادات مباشرة لإسرائيل وللسلطة الفلسطينية، يهدف أيضا إلى تحميل بنيامين نتنياهو وائتلافه اليميني المسؤولية الرئيسية لتعطيل محاولات كيري إحياء المفاوضات، من خلال تكثيف أعمال الاستيطان. كما أن هناك سبباً أميركياً محضاً لتوقيت الخطاب، وهو تحذير الرئيس المنتخب، دونالد ترمب، من مغبة السماح لنتنياهو بالتلاعب به وإقناعه بالتخلي عن المسلمات الأميركية التي التزم بها الرؤساء الأميركيون من الحزبين منذ بدء ما سمي “بعملية السلام” في أعقاب حرب 1967. وكان نفتالي بينيت وزير التعليم الإسرائيلي، أحد أبرز الأعمدة اليمينية في ائتلاف نتنياهو قد قال فور انتخاب ترمب “حقبة حل الدولتين قد انتهت”، أي بصيغة أخرى: عملية السلام قد انهارت كليا. تأييد ترمب غير المشروط لإسرائيل، وتعيينه سفيراً لديها يؤيد تكثيف الاستيطان وضم الضفة الغربية المحتلة لإسرائيل، وانتقاداته للأمم المتحدة، كلها عوامل ساعدت على تشجيع كيري لإلقاء خطابه.
طبعاً خطاب كيري ليس ملزماً للرئيس المنتخب ترمب، ولكن في المعركة الراهنة بين نتنياهو وأوباما، قرار مجلس الأمن إدانة الاستيطان الإسرائيلي هو ما يوجع ويحرج نتنياهو في إسرائيل، ويعرضه للانتقادات من اليمين المتطرف أكثر منه في ائتلافه.
وهناك خطر حقيقي من أن يتخذ الرئيس ترمب بعد توليه لصلاحياته الدستورية قرارات متهورة في محاولة منه للتعويض على نتنياهو، مثل نقل السفارة إلى القدس، مع ما يحمله ذلك من احتمال وقوع أعمال عنف في المنطقة وخارجها.
هل سيساعد خطاب كيري في تحسين سمعة وتركة أوباما في الشرق الأوسط؟ هذا أمر مستبعد، لأن أوباما الذي أراد العمل منذ بداية ولايته الأولى على إحياء المفاوضات والذي واجه معارضة قوية من نتنياهو بشأن وقف الاستيطان، لم يستأنف نشاطاته المباشرة للدفع بحل الدولتين، وترك المهمة إلى كيري. ولكن أوباما لا يستطيع التهرب من مسؤوليته عن حالة الخطر الذي يهدد حل الدولتين. وعند مراجعة سجل أوباما وكيري في الشرق الأوسط علينا أن نقول إن أوباما أخفق بشكل كارثي في معالجة الحرب في سوريا ووقف النزيف، كما أخفق في عقد مفاوضات جدية بين إسرائيل والعرب، ولكنه نجح في التوصل إلى الاتفاق النووي مع إيران.
الفارق الرئيسي هو أن أوباما شارك بشكل مستمر وقوي في العمل مع الفريق الأميركي، الذي كان يمثله في المفاوضات مع طهران. وليس من المبالغة القول إن الهدف الرئيسي لأوباما في الشرق الأوسط منذ بداية ولايته الأولى، هو التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران، يمكن أن يفتح الباب لاحقاً لتطبيع العلاقات. ومنذ بداية النزاع في سوريا، وأوباما يبحث عن السبل التي تضمن بقاء أميركا خارج النزاع. كما أبقى “عملية السلام” المشلولة تقريبا في عهدة كيري لتفادي الدخول مرة أخرى في مواجهة مع نتنياهو. وقالت مصادر مقربة من كيري إنه كان يريد إلقاء خطاب مماثل قبل سنتين للتأثير على المساعي الدبلوماسية، ولكن الرئيس أوباما لم يوافق على ذلك، وإن من أبرز الأسباب رغبته بأن لا يفعل البيت الأبيض أي شيء يمكن أن ينعكس سلبا على مكانة هيلاري كلينتون كمرشحة عن الحزب الديمقراطي لمنصب الرئاسة، لأن مثل ذلك الخطاب قبل الانتخابات الرئاسية كان سيؤدي إلى إغضاب مؤيدي إسرائيل في الحزب.
في بداية ولاية أوباما الأولى في 2009 كان عدد المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية 300 ألف، ومع نهاية ولاية أوباما الثانية ارتفع عددهم إلى 400 ألف مستوطن، بينما ارتفع عدد المستوطنين في القدس الشرقية (العربية) من 193 ألفاً إلى 208 آلاف مستوطن. صحيح أن خطاب كيري تضمن كل المبادئ المطلوبة لإيجاد حل عادل للطرفين، ولكن الخطاب، وكل خطب أوباما خلال السنوات الثماني الماضية لن تغير من قسوة هذه الإحصائيات والحقائق التي تخلقها على الأرض.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صحيفة “النهار” اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى