مقالات مختارة

خريطة الأحاجي

سمير عطا الله

حاولت، بكل جديّة، إحصاء الأحزاب والقوى الكردية المتقاتلة في العراق وسوريا الآن، ومعرفة القوى المتحالفة معها؛ من أميركا إلى إيران إلى تركيا إلى النظام السوري. حاولت، وفشلت. وحاولت أن أعرف أين تقاتل أميركا إلى جانب إيران في الساحة السورية، وأين تقاتل ضدها. عبثاً.

وحاولت أن أعرف أين تؤيد إيران الأكراد، وأين تقاتلهم، وأين يحارب «داعش»، وأين تقاتل القوى المؤيدة لها. ولا أعرف. وحاولت أن أفهم لماذا يتم تبادل البشر في سوريا من منطقة إلى منطقة، ومن حصار إلى حصار، وكيف تدار مفاوضات التبادل على هؤلاء البؤساء، وما هو الفارق بين الجحيم الذي هم فيه، والجحيم الذي ينقلون إليه، بلا جدوى.
وحاولت أن أعرف ما هو الفرق بين «أنصار الشام» و«جند الشام»، و«أنصار الشام» و«فتيان الشام» و«جبهة الشام». وأن أعرف مَن يمثل مَن في المعارضة، وعدد منصاتها، وعدد أجنحتها. وعبثاً حاولت.
وحاولت أن أعرف لماذا سارع جميع المؤيدين للنظام السوري إلى تأييد دونالد ترمب، ثم الابتهاج بفوزه، على جميع التلفزيونات، ولماذا لم ينتظروا نهاية ما يسمى «المائة يوم الأولى» كي يبنوا رأياً، أو موقفاً، منه. ومعروف أن «المائة يوم الأولى» تعبير أطلقه فرانكلين روزفلت لقناعته بأن الرئيس الجديد لا يمكن أن يكوِّن موقفاً واضحاً من القضايا الرئيسية قبل هذه الفترة.
«الصراع على سوريا» كما سماه باتريك سيل في الستينات، والصراع في سوريا، كما هو اليوم، مجموعة أحاجيّ وتعقيدات وتشابكات، الحقيقة الوحيدة الواضحة فيها، هي الضحية. والضحية هي سوريا التي تريد كل قوة دولية، أو إقليمية، جزءاً منها؛ إيران تريد الممر البري حتى المتوسط. وروسيا تريد القاعدة البحرية على المتوسط. والأكراد يريدون الطريق إلى الدولة. وواشنطن تريد أن يتم كل ذلك، بالاتفاق، أو على الأقل، التواطؤ معها.
جميع هذه القوى قطعت «خط العودة». كان الحل لا يزال محتملاً، وربما ممكناً، عندما التقى الأميركيون والروس في جنيف الأولى. لكن الرجلين، لافروف وجون كيري، أمضيا الوقت في الثرثرة واللعب على الكلام، وتغيير ربطات العنق، فيما سوريا تحترق، وشعبها يُشرَّد، وسيادتها تُمزّق براً وبحراً وجواً.
إذا كانت مسؤولية جورج دبليو بوش أنه حل الجيش العراقي في أحد أغبى القرارات الرعناء في التاريخ، فإن مسؤولية خلفه أوباما، أنه سلم الشرق الأوسط للروس وإيران، من دون أي اعتبار، أو حساب، لباقي الدول العربية. ربما كانت الفرصة الأخيرة لسلام سوريا في جنيف الأولى. لكن الذي حدث أن بوتين أوفد صقراً يدعى لافروف، وأوباما أرسل حمامة زاجلة تنقل ما تحمَّل.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صحيفة “الشرق الأوسط” اللندنية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى