حياة

حوار مع الشاعرة “فرات إسبر” تكشف فيه عن طبيعة علاقتها مع الكتابة

المكتبة (41)

نُخصص هذه المساحة الأسبوعية، كل يوم أحد، للحديث عن العلاقة بين المبدع وكتبه، والقراءة، والموسيقى.

فرات إسبر: شاعرة من سوريا، صدر لها: (مثل الماء لا يمكن كسرها ـ 2004)، و(خدعة الغامض ـ 2006)، و(زهرة الجبال العارية ـ2009)،و( تحت شجرة بوذا ـ 2020).

ـ ما الذي جاء بك إلى عالم الكتابة؟

ـ الحقيقة لم أُفكر بهذا الموضوع. البيت الذي عشت به مليء بالكتب والكتاب والشعراء، يمكن أن تكون الوراثة أو يمكن أن تكون الموهبة. إذ إن الكتابة لا تأتي بالمحاولة وإنما تأتي بالموهبة. يمكن أن أُحدد علاقتي بالكتابة من خلال الوراثة والموهبة ومن هنا أكون نجوت من التقليد والمحاولة لأنه لا يمكن أن يصبح المرء كاتباً أو شاعراً إلا بالموهبة.

ـ ما الكتاب الأكثر تأثيراً في حياتك؟

ـ هنالك الكثير من الكتب التي قرأتها وجعلتني أفكر بالعالم كثيراً، مولعة بالأساطير، تسحرني القصص والخيال المجنون فيها. أفكر بالعالم وأكتشفه بوعيي الذي يتغير كل يوم، ولكن ليست كل الكتب تغير الإنسان. من الكتب، نكتسب المعرفة والمعلومة، ولكن هناك بعض الكتّاب يغيرون الحياة وطريقة التفكير. على سبيل المثال، أقول إن الفيلسوف الدنماركي كير كيجارد غير فهمي للحياة، تعلمت منه كيف أتعامل مع اليأس وأرتفع فوقه، وكيف نقتل اليأس بزراعة بذرة في الحديقة وتنتظريها بالأيام والساعات.

يبدو أنّنا اليوم بحاجة إلى فلسفة كيركيجارد وفلسفته حول العزلة والموت والأخلاق، نحن نعيش الآن هذه الأزمات التي تحدّثَ عنها وشكلتْ فلسفته.

ـ أول كتاب قرأته؟

ـ قرأت الكثير من الكتب. وإلى اليوم أقرأ. بدون قراءة أشعر أن شيئاً ما ينقصني. من طفولتي وأنا أقرأ هل تصدقي بيتنا ممتلئ بالكتب والقصص منذ الطفولة. ولكنني كنت أفرح كثيراً عندما أذهب إلى المركز الثقافي في مدينتي وأستعير منه القصص وأردها إليه، كنتُ حينها في المرحلة الابتدائية أعني إنني كنت أقرأ قصصاً للأطفال واستعيرها وبعد المرحلة الإعدادية والثانوية حتى الجامعة تنوعت قراءتي من الشعر إلى القصة ولكن القصة الوحيدة التي لا أنساها كانت للكاتبة السورية كولييت خوري بعنوان “أيام معه” إلى اليوم لا أنسى جمالها وانسياب لغتها الشعرية، طبعاً اليوم تغيّرت نوعية القراءة وعلاقتي بالكتاب أحياناً أقرأ كتباً بالإنجليزية والعربية، ولكن أكثرها فلسفية ودينية إذ ميولي للقراءة تغيّرت بعد قراءتي لكتاب “الله والإنسان” للإنجليزية كارين أرمسترونغ، إذ كَشفتْ لي أن هناك أفقاً آخر غير الرومانسية لفهم العالم.

ـ علاقتك بالكتاب الإلكتروني؟

ـ علاقتي ليست جيدة معه. ولا أشعر بالحميمة في التواصل معه، يمكنني قراءة دواوين شعرية، ولكن كتب فكرية وأدبية لا يمكن، مؤخراً كسرت هذه العلاقة وحسّنتها من خلال كتاب مهم وأتمنى على جميع الشعراء قراءته وهو كتاب “الخلفية النصية الإسبانية والشعر العربي المعاصر” لمؤلفه الدكتور محمد عبد الرضا شياع. الكتاب صادر ورقياً عن دار تموز في دمشق العام 2012.

ـ الكتاب الذي تقرئينه الآن؟

ـ كما ذكرتُ لك أقرأ كتاباً إلكترونياً وهو “الخلفية النصّية الإسبانية والشعر العربي المعاصر” وهو كتاب مهم لمؤلفه الدكتور محمد عبد الرضا شيّاع، يُقدّم فيه دراسات ومقاربات نصية ما بين شعراء عرب وشعراء إسبان، مثل لوركا وغيره. ومن العرب عبد الوهاب البياتي، محمود درويش، ومحمد علي شمس الدين وأحمد الطبيريق من المغرب. وهذا الكتاب مهمٌ بالنسبة لي كشاعرة، بكل الأبحاث التي تطرق إليها الكاتب، وجعلني أفكر بأن أعيد النظر في قراءة الشعر.

ـ الموسيقى المفضلة لديك؟

ـ منذ زمن لم أسمع موسيقى، بمعنى لا أبحث في الراديو أو الإنترنت عن موسيقى. لي حياة خاصة في هذا الجانب، أحب أن أرقب العصافير وأتعرف إلى أصواتها، أحب صوت المطر، صوت الرياح القوية عندها أنام بهدوء. أترقب زهوري وبذوري وهي تتفتح كأنها صرخات الحياة الأولى.

ـ علاقتك بمؤلفاتك؟

ـ أحب كتبي كثيراً ومتعلقة بها كثيراً وأنا من النوع الصعب في التعامل مع النصوص والعناوين، إذ من الممكن أن أكتب ثلاثة دواوين ولكن قد أبقى ثلاث سنوات لأختار عنواناً لها، وأعيش قلقاً رهيباً حتى اختار العنوان.

ـ هل ستغير الكتابة العالم؟

ـ الكتابة عليها أن تغير ذواتنا أولاً ومفاهيمنا تجاه الحياة والعالم والبشرية، ما نفع الكتابة إذا لم تُشذب روح الإنسان ومفاهيمه وتدفعه لقبول الآخر والتعاطي معه على أنه كائن بشري خلاق.

الكتابة هي إرثُ البشرية الباقية على الأرض، ولكن عليها أن تكون على قدر عالٍ من الإنسانية، لأن هناك كثير من الكُتْاب يطرحون في كتبهم قضايا مهمة ومصيرية ولكنهم غير منسجمين مع ذواتهم ومحيطهم، وحتى في أفكارهم الخاصة في التعامل مع المقربين إليهم أو الآخرين أو العالم.

ـ ماذا تحتوي مكتبتك؟

ـ تحتوي مكتبتي على العديد من الكتب المتنوعة، كتب أبي، كتبُ إخوتي، كتب الأصدقاء الشعراء والكتْاب الذين تفضلوا بإرسال كتبهم الورقية لي وبفضلهم كبرت مكتبتي وكبرت معها على المستوى الروحي والنفسي والمعرفي. حملتُ معي من سورية كرتونة من الكتب اخترتها بعناية وهي مهمة جداً بالنسبة، تصوري أن ابني اليوم يقرأ هذه الكتب. لم يكن يخطر ذلك ببالي أبداً.

أحب الجاحظ كثيرا يسحرني في كتاباته واعتماده على العقل، ابن خلدون علّامة كبيرة، هناك كتب كثيرة غيّرت تفكيري وفهمي للحياة.

ـ ما الذي يشغلك اليوم؟

ـ هناك الكثير من القضايا التي تشغلني. أشعر بالقهر عندما أسمع أخبارنا العربية وتقسيماتنا الدينية الطائفية، يشغلني موت.

زر الذهاب إلى الأعلى